رئيس الوزراء العراقي يفتح في أنقرة ملفات الإعمار والمياه والأمن

رَفْع مستوى التعاون مع تركيا يمثّل بالنسبة لحكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وسيلة من وسائل إضفاء التوازن على العلاقات الخارجية للعراق، والتأسيس لعلاقات إقليمية تقوم على تبادل المنافع، بعيدا عن منظور الهينمة والتبعية، الذي حكم العلاقة بين بغداد وطهران لسنوات طويلة. لكن العائق أمام تحقيق هذا المنظور الطموح، هو أنّ العراق ضعيف وغير قادر على تحقيق النديّة المطلوبة في العلاقات بين الدول، ما يجعل اللجوء إلى تركيا بحدّ ذاته محفوفا بخطر الوقوع تحت هيمنتها، خصوصا في ظل ما يميّز قيادتها الحالية من جشع وانتهازية.
أنقرة – محمّلا بطموحاته في إنشاء علاقات مثمرة للعراق مع بلدان محيطه الإقليمي تقوم على تبادل المنافع المادية بعيدا عن منظور الهينمة والتبعية، الذي حكم علاقة البلد بالجارة الشرقية إيران منذ أكثر من 17 عاما، حلّ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الخميس، بالعاصمة التركية أنقرة، حيث كانت له مباحثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شملت مجالات السياسة والأمن والاقتصاد، لاسيما ملف المياه الحساسّ بالنسبة للعراق، الذي يتلقى الجزء الأكبر من مياهه المستخدمة في الشرب والزراعة والصناعة من تركيا عبر نهري دجلة والفرات.
ويناسب طموح الكاظمي هذا، أهدافا تعمل تركيا بقيادة أردوغان على تحقيقها منذ سنوات، وتتمثّل في فتح المزيد من الأبواب للوصول إلى الثروة النفطية الهائلة للعراق والاستفادة منها، خصوصا وأنّ التعاون التجاري مع هذا البلد، الذي لا يكاد ينتج شيئا باستثناء النفط الخام، سيكون قائما على تصدير مختلف أنواع السلع والخدمات إليه بالعملة الصعبة، دون استيراد أي منتجات منه.
وعلى صعيد أمني، يحقّق التقارب مع العراق هدفا كبيرا لتركيا، يتمثّل في شلّ حركة عناصر حزب العمّال الكردستاني المصنّف إرهابيا من قبلها، والذي دأب منذ ثمانينات القرن الماضي على اتخاذ مناطق عراقية قواعد خلفية وملاذات لعناصره المسلّحين، الأمر الذي تطلب دائما تدخلا عسكريا تركيا في تلك المناطق، وسّعت أنقرة من دائرته خلال الأشهر الأخيرة، عبر شنّها عملية عسكرية واسعة النطاق امتدت داخل العمق العراقي، نحو مناطق لم تكن القوات التركية تصل إليها من قبل مثل قضاء سنجار غربي مدينة الموصل بالشمال العراقي.
وقال الرئيس التركي الخميس، إن بلاده تدعم إعادة إعمار العراق ووحدة أراضيه. جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع رئيس الوزراء العراقي في أنقرة.
وأوضح أردوغان أن “تركيا تولي أهمية لحماية وحدة أراضي العراق وكيانه السياسي، ومستعدة لتقديم كافة أشكال الدعم لعملية إعادة الإعمار”.
وأضاف “نعتبر كافة أطياف الشعب العراقي أشقاء لنا بغض النظر عن الطائفة أو العرق”. ولفت إلى إمكانية تحقيق هدف رفع حجم التجارة بين تركيا والعراق إلى 20 مليار دولار سنويا.
وأردف قائلا “مع إصلاح خط الأنابيب (بين تركيا والعراق)، الذي دمره تنظيم داعش، نرغب في ضخ نفط كركوك إلى الأسواق العالمية بكميات أكبر”.
كما بيّن أنّ بلاده تؤكد ضرورة اعتبار قضية المياه مجالا للتعاون وليس النزاع بين البلدين.
وشدد على أن المنطقة لن تنعم بالسلام قبل أن يتم سحق رأس الإرهاب بالكامل، معتبرا أنه لا مكان أبدا لمنظمة حزب العمال، التي وصفها بالإرهابية والانفصاية في مستقبل تركيا والعراق وسوريا.
وتابع “قررنا مع السيد الكاظمي مواصلة مكافحة الأعداء المشتركين المتمثلين بتنظيمات داعش وبي كا كا وغولن الإرهابية”، مضيفا “سنجري زيارة إلى العراق لعقد اجتماع المجلس الاستراتيجي التركي ـ العراقي رفيع المستوى في أقرب وقت”.
ومن جهته عبّر رئيس الوزراء العراقي عن طموحه لمشاركة تركيا في إعادة إعمار المناطق المدمّرة خلال الحرب على تنظيم داعش بين سنتي 2014 و2017.
وعلى صعيد أمني قدم تعهّده للرئيس التركي بعدم التسامح مع أي كيان يهدّد أمن تركيا في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني.
وعن زيارة الكاظمي إلى أنقرة قال المحلل السياسي العراقي إحسان الشمري إنّ “العراق يتطلع إلى تمتين علاقاته مع الجارة تركيا، خصوصا وأن طبيعة الأوضاع التي تمر بها المنطقة تمثل تحديا للجميع”.

وعن أبرز الملفات التي حملها الكاظمي إلى تركيا، أشار الشمري إلى موضوع المياه قائلا “العراق يتطلع لتفهم تركي في قضية حاجته المتزايدة إلى المياه والوصول إلى تفاهمات أو إبرام اتفاق حول تنظيم الحصص المائية بشأن نهري دجلة والفرات”.
كما يتطلع العراق، بحسب الشمري، إلى تفهم تركي بأن الضربات الجوية والعمليات العسكرية التركية داخل العراق تمثل تحديا للبلدين في ما يرتبط بمكافحة وتطويق الجهات المسلحة المتمثلة في حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى التعاون الاستخباراتي في مجال مكافحة الإرهاب.
وأضاف الشمري أن الكاظمي ملزم بدستور العراق، الذي ينص على عدم جواز استخدام الأراضي العراقية كمنصة للاعتداء على دول الجوار، وسيعمل على التنسيق مع أنقرة في هذا الخصوص.
ورجح أن يقدم الكاظمي نموذج قضاء سنجار في محافظة نينوى حتى وإن كان غير مكتمل، للجانب التركي، كجزء من إجراءات الحكومة للحدّ من تواجد عناصر الحزب.
وفي 9 أكتوبر الماضي، وقّعت الحكومة الاتحادية في بغداد برئاسة الكاظمي، اتفاقا مع حكومة إقليم كردستان العراق لحل المشكلات القائمة في قضاء سنجار، وهو إحدى المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.
وبحسب الاتفاق، فإن ضمان حفظ الأمن في القضاء هو مهمة قوات الأمن الاتحادية، بالتنسيق مع قوات الإقليم، وكذلك إبعاد كل الجماعات المسلحة غير القانونية إلى خارج القضاء.
كما ينص الاتفاق على إنهاء وجود حزب العمال في سنجار، وإلغاء أي دور للكيانات المرتبطة بها في المنطقة. وقال الشمري إن الكاظمي يدرك جيدا أن قضية بي كا كا، بحاجة إلى تعاون كبير بين العراق وتركيا وكذلك إيران لمكافحة هذا التنظيم.
وتطرق الشمري إلى الملف الاقتصادي والتجاري بقوله إنّ “تركيا من البلدان المهمة في المنطقة، ولديها حجم تبادل تجاري كبير مع العراق”، متوقعا أن يتوصل البلدان إلى تفاهمات تصب في صالح تنمية التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي.
ويبلغ حجم التبادل التجاري العراقي التركي 17 مليار دولار وتهدف تركيا لزيادته إلى 20 مليار دولار، بحسب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، خلال مؤتمر صحافي في أنقرة الأربعاء مع نظيره العراقي فؤاد حسين.
وأضاف الشمري أن الكاظمي سيسعى إلى إقناع أصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال والشركات التركية للاستثمار في العراق، وبشكل خاص في ملف إعادة إعمار المدن المتضررة من الحرب ضد تنظيم داعش.
ورأى أنّ “موضوع النفط والطاقة قد يكون من الملفات الضاغطة، مع ضرورة أن تتفهم تركيا أن تصدير النفط يجب أن يكون عبر الحكومة الاتحادية”.
وتصدر حكومة إقليم كردستان شمالي العراق النفط المنتج من حقوله إلى أسواق العالم عبر ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط، في ظل خلافات بين بغداد وأربيل بشأن إدارة الثروة النفطية وتوزيع إيراداتها.