وسائل الإعلام عدوة لسلطات كردستان طالما تغطي المظاهرات

عدم التزام الصحافيين بالرقابة الذاتية يعني مواجهة الاعتقال.
الاثنين 2020/12/14
استهداف متكرر لقناة «إن.آر.تي»

كلما تصاعد التوتر السياسي الداخلي في إقليم كردستان العراق، زادت المخاطر على وسائل الإعلام والصحافيين وهو ما أثبتته الأحداث الأخيرة في الإقليم حيث تعمل القوات الأمنية على تغطية المظاهرات والأوضاع المعيشية بكل الطرق الممكنة رغم مخالفتها للقوانين والدستور العراقي.

أربيل - ارتفعت وتيرة استهداف الصحافيين ووسائل الإعلام مع انطلاق المظاهرات في عدة مناطق بإقليم كردستان العراق، ولم تقتصر محاولات إسكات الصحافيين على منعهم من تغطية المظاهرات فقط، بل شملت أيضا كل من يتحدث عن الوضع المعيشي، وباتت وسائل الإعلام عدوا للسلطات فشرعت للقوات الأمنية عرقلة عملها بكل الطرق الممكنة.

وطالت حملة الاعتقالات التي قامت بها قوات الأمن الكردستانية “الأسايش” في الأيام الأخيرة مراسلي قناة “العراقية” بعد اعتقال طواقم فضائيات “روداو” و“بيام”، و“قناة كردستان 24” إضافة إلى صحافيين وناشطين إعلاميين آخرين ومهاجمة مقرات وسائل إعلام.

وتحوّل الإقليم إلى مصدر تهديد للصحافيين والإعلاميين بعد أن كانوا يلجأون إليه من مختلف المناطق العراقية للحفاظ على سلامتهم إثر تعرضهم مع عائلاتهم لتهديدات واعتداءات بسبب قيامهم بعملهم في تغطية المظاهرات.

والمفارقة أن السلطات العراقية في بغداد التي لم تستطع تأمين الحماية للصحافيين باتت تتهم نظيرتها في أربيل بمخالفة القوانين والدستور العراقي الذي يضمن حرية الصحافيين والعمل الإعلامي.

شاهو القرة داغي: جماعة جرة الأذن وتنظيف ساحات التظاهر من الجوكرية والبعثية أصبحت تحاضر في حرية الرأي

وطالب النائب الأول لرئيس البرلمان العراقي، حسن الكعبي، سلطات الإقليم بإطلاق سراح الصحافيين في قناة “العراقية” أمين أحمد وسيروان بارزان، اللذان اعتقلا على خلفية تغطيتهما للتظاهرات في السليمانية، واتهم حكومة الإقليم بانتهاج ”سياسة عنف واعتقالات” مخالفة للدستور.

وانتقد صحافيون وإعلاميون سياسة الكيل بمكيالين في حديث المسؤولين العراقيين وتعاملهم مع الصحافة، فقال الصحافي شاهو القرةداغي “النائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن الكعبي عن التيار الصدري يقول: الاعتقالات وسياسة العنف التي تنتهجها حكومة الإقليم غير قانونية ومخالفة للدستور وقوانين حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي”.

وأضاف القرةداغي في تغريدة على حسابه في تويتر “جماعة جرة الأذن وتنظيف ساحات التظاهر من الجوكرية والبعثية أصبحت تحاضر حول حرية الرأي!”.

ويقول متابعون لأوضاع الإعلام في كردستان العراق، إن العمل الصحافي قد يبدو أقل خطرا في الإقليم عند مقارنتها بالمدن العراقية الأخرى والكثير من مناطق الشرق الأوسط الأخرى، ولكن كلما تصاعد التوتر السياسي الداخلي في الإقليم، زادت المخاطر على وسائل الإعلام فيه. وفي ظل حالة الإفلات من العقاب عن اعتداءات تتم بحق الصحافة، ومنها القتل والإحراق المتعمد للمقرات، التزم غالبية الصحافيين بممارسة رقابة ذاتية عند تناول موضوعات مثل الدين وانعدام العدالة الاجتماعية والفساد المرتبط بمسؤولين متنفذين.

كما تسعى جهات عديدة في الإقليم إلى إصدار قوانين تسهل استهداف الصحافيين، حيث كشف رئيس كتلة التغيير في مجلس النواب العراقي، يوسف محمد في أكتوبر الماضي ، بأن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في برلمان الإقليم تعد مقترح قانون لمحاسبة أي شخص يمكن أن ينتقد سلطة الإقليم، وهو ما من شأنه أن يعطي شرعية للحملة الممنهجة ضد الصحافيين والناشطين.

ونوّه محمد بوجود تراجع خطير للحقوق والحريات في الإقليم، حيث شنت سلطات الإقليم قبل مدة حملة لاختطاف صحافيين ومعلمين وناشطين طالبوا بحقوقهم في مسألة توفير الرواتب للموظفين ومكافحة الفساد في مناطق نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل ودهوك.

ويعتبر القانون الذي يجري إعداده نكسة خطيرة في الحريات الصحافية، فمقترح القانون يقضي بمحاسبة أي شخص ينتقد أو يكتب أي منشور يعبر فيه عن عدم احترام ما يسمونه بالـ“قيادات الحزبية” والحكم عليه حسب المادة 226 من قانون العقوبات العراقية رقم 111 لسنة 1969 والذي ينص على عقوبة المتهم حسب المادة سواء بالسجن لمدة لا تزيد عن 7 سنوات أو الحبس أو الغرامة.

ترهيب وتضييق على عمل وسائل الإعلام والصحافيين
ترهيب وتضييق على عمل وسائل الإعلام والصحافيين

وأفادت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، السبت، أن “قوات الأسايش تواصل استهداف الطواقم الصحافية والإعلامية، إذ اعتقلت كادر قناة كردستان 24 أثناء أدائه مهامه داخل سوق شعبي في السليمانية”.

وأكد منسق الجمعية بكردستان العراق أن اعتقال الصحافيين داليا كمال وهردي حسن وبرهم جمال كان أثناء تواجدهم بإحدى الأسواق الشعبية في السليمانية، لإعداد تقرير عن الوضع المعيشي هناك، لافتا إلى أن “القوة صادرت معدات الكادر، واقتادته إلى جهة مجهولة”.

كما اقتحمت قوّة أمنية، قبل أسبوع، مبنى قناة “أن.آر.تي” في السليمانية وحطمت بعض محتوياته وصادرت معدات تستخدم في العمل الصحافي، ثم أغلقت المقرّ وانتشرت أمام بوابته ومنعت دخول الصحافيين العاملين في القناة إليه، وهذا الفعل المستنكر، الموثق بالصور، يعدّ انتهاكاً للمواثيق الدولية التي تكفل حرية الصحافة.

وبالتوازي مع عملية الاقتحام، أصدرت وزارة الثقافة في حكومة الإقليم قراراً بوقف بث قناة “أن.آر.تي” مدة أسبوع، واصفة تغطيتها لاحتجاجات التي سقط خلالها قتيلين والعشرات من المصابين من المتظاهرين، بأنها “تصرفات غير مسؤولة”، بينما عمدت السلطات إلى قطع خدمة الإنترنت عن بعض المناطق ومنع الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي.

كما منعت القوات الأمنية وسائل الإعلام من تغطية التظاهرات التي شهدها قضاء رانية في السليمانية يومي السبت والأحد، مع توارد الأخبار حول اعتقال صحافيين. ورغم إطلاق سراح معظمهم، إلا أن مجموعة أخرى من الصحافيين لا يُعرف عددهم بقوا رهن الاعتقال.

بدوره، استنكر مرصد الحريات الصحافية اتبّاع السلطات في الإقليم لأساليب الترهيب والتضييق على عمل وسائل الإعلام والصحافيين في تغطية الاحتجاجات الحالية، ودعا إلى التوقف فوراً عن هذه الأفعال المدانة والانتهاك الصارخ لحرية التعبير والعمل الصحافي.

ويؤشر المرصد إلى أن سجل سلطات إقليم كردستان ينطوي على انتهاكات عدة بحق الصحافيين ووسائل الإعلام العاملة في محافظات الإقليم، دون أن تكون مهتمة، على الأقل، بتحسين صورتها في هذا المجال أمام الرأي العام المحلي والدولي من خلال اتخاذ إجراءات جادة في التوقف عن تلك الانتهاكات التي تتكرر في أوقات الأزمات.

 
18