السلام يجر كلاما

رئيس السلطة الفلسطينية، عندما كان يتحدث للقنوات العبرية عن التنسيق الأمني؛ لم يكن يفعل ذلك متطرقاً إلى الأسباب السياسية لهذا التنسيق، الذي هو أصلاً ذو صلة بعملية تسوية لم تعد قائمة.
الأحد 2020/12/13
قصاص الأثر

عندما هبطت لغة المسؤول السياسي الفلسطيني الأول، إلى الحضيض، كان لها أثرها السلبي على السيكولوجيا الجمعية للناس في بعض المناطق السكانية القريبة من المستوطنات في الضفة.

رئيس السلطة الفلسطينية، عندما كان يتحدث للقنوات العبرية عن التنسيق الأمني؛ لم يكن يفعل ذلك متطرقاً إلى الأسباب السياسية لهذا التنسيق، الذي هو أصلاً ذو صلة بعملية تسوية لم تعد قائمة. كان “المحنك” يتحدث بلغة بالغة التخلف، ترافقها ابتسامات تنم عن الإعجاب الشديد بالنفس، مع الإفاضة في ذكر الأمثلة المخزية، بطريقة تنم عن خلو ذهنه تماماً من أي قدر من الثقافة الاجتماعية. ففي إحدى المرات، تحدث إلى قناة تلفزيونية إسرائيلية، في وقت تكاثرت فيه عمليات الطعن التي يقوم بها شبُان غاضبون ضد جنود الاحتلال والمستوطنين، بسبب اعتداءاتهم المتنوعة. وبدلاً من أن يقدم الرجل شرحاً لأسباب غضب الشباب، أو يتطرق إلى وجوب مقابلة التنسيق الأمني من جانبه بوقف القتل من جانب الجنود؛ انزلق إلى كلام صادم وكاذب، أدهش المحاورة الإسرائيلية نفسها. فقد كان بين كل جملة وأخرى، يرسم على وجهه ابتسامة إعجاب بالنفس كمن يتحدث عن إنجازات حضارية خارقة. قال بالحرف “ذهبنا إلى المدارس، وفتشنا حقائب التلامذة بحثاً عن السكاكين، ونزعنا من مدرسة واحدة ستين سكيناً”. ثم أردف باستفهام إنكاري “ماذا أفعل أنا هنا؟ قولوا لي ما تريدون وإن لم أنفذ سيكون لكم الحق في العتب أو الغضب”.

لم يفطن إلى أنه يشطب حقه في نقد أي تطبيع عربي مع إسرائيل، وأنه يُحط من شأن نفسه وسلطته ويحيلها إلى فضيحة، وأنه يضرب سمعة المجتمع الفلسطيني في إنسانيته المعتدى عليها، التي اضطرت الشاب في مقتبل العمر إلى تنفيذ عملية طعن، ويشوه الأسرة الفلسطينية التي تتغاضى عن حمل الطفل الصغير سكيناً في حقيبته المدرسية، ويسيء للمعلم الفلسطيني، وللمدرسة المدججة بالسلاح الأبيض، حسب ما يهرف هذا الرجل ويكذب!

كان لمثل هذا الكلام الوضيع، إسهامه النفسي في خلق مناخ موبوء، أنتج ظاهرة الصعلوك الحثالة، الذي تحول إلى “مختار” في منطقة الخليل. فبعد أن أسس قصاص الأثر تحالفاً مع المستوطنين، ظهر بشاربه الكث، ووضع العباءة على ظهره، وأصبح يتحدى السلطة. وإن قال وزير فلسطيني كلمة بحقه، فإنه يرفع دعوى قضائية، ويتقدم للدفاع عنه عشرون محامياً فلسطينياً، عندما يتحرك يلتف حوله ألوف الشباب، يهتفون له ويقبلون يده ويفتدونه بالمهج. وهو بالطبع، ليس مضطراً للحديث عن تفتيش حقائب وتشليح الصغار سكاكينهم، بل يتقمص دور المدافع عن الشعب والتقاليد. ومن الذي أتاح له هذا الدور غير ذلك الضال الذي يثرثر ويتخيل أنه خفيف الظل. فالسلام يجر كلاماً، والكلام يجر بطيخاً، حسب مثل فلسطيني.

24