كل شيء "قابل للكسر" في الإنسان حتى الوطن

تعاني السينما المستقلة في مصر، كما في الوطن العربي، من قلة الإنتاج والمنتجين. ومع ذلك تبقى هناك تجارب لمخرجين على قلتها ما زالت تحاول أن تقدّم شيئا ضمن ظروف اقتصادية صعبة وربما شبه معدومة. ويأتي فيلم “قابل للكسر” للمخرج والمؤلف المصري أحمد رشوان كواحد من تلك الأفلام القليلة المستقلة التي جاهدت للخروج إلى القاعات.
يكاد ينحصر اهتمام المنتجين في مصر بالسينما التجارية دون غيرها، في حين تعاني السينما المستقلة من قلة الدعم، الأمر الذي انسحب سلبا على مشاركتها وحضورها في المهرجانات السينمائية، ليس فقط العالمية والعربية بل وحتى المحلية منها.
صحيح أن الواقع يؤكّد وجود صناديق دعم تابعة لمؤسسات ثقافية غير ربحية تقوم بدعم جزئي للأفلام وخاصة المستقلة منها، وصحيح أيضا أن بعض المهرجانات مثل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وأيام قرطاج السينمائية، ومهرجان الجونة الدولي ومهرجان مالمو للسينما العربية وغيرها، باتت تمنح دعما للأفلام السينمائية على الأقل في مرحلة التكميل، إلاّ أن الواقع يؤكّد أيضا أن تلك المنح والصناديق ليست متاحه للجميع لأسباب كثيرة، كما أن المنافسة عليها صعبة وليست يسيرة وتخضع لاعتبارات فنية عديدة.
ولا تكتفي صناديق الدعم ومنح المهرجانات بدورها المهم في إنتاج الفيلم، بل تلعب الدور الأكبر في الترويج له، خاصة في مرحلة التوزيع، فتُتيح له فرصة العرض الأول في مهرجاناتها، ومن ثم في بعض المهرجانات الدولية، ما يعني وبطريقة غير مباشرة أن الفيلم المستقل يظل محروما ليس فقط من الدعم المالي، بل ومن فرص العرض المتكافئة، إن جاز التعبير.
مصاعب متعاقبة
يعتبر الفيلم المصري “قابل للكسر” الذي كتبه وأخرجه أحمد رشوان، واحدا من الأفلام المستقلة التي لم تستند لمنتجين ولم تستفد من صناديق الدعم، وعنه يقول لـ”العرب”، “لقد حاولت بالفعل، ولم ينجح الأمر، وآخر دعم حصلت عليه كان من صندوق إنجاز في مهرجان دبي عام 2011 لفيلمي الوثائقي (مولود في 25 يناير)”.
و”قابل للكسر” هو الروائي الطويل الثاني للمخرج رشوان بعد فيلمه “بصرة” الذي أخرجه في العام 2008 وشارك به في عدة مهرجانات داخل مصر وخارجها ونال عنه سبع جوائز، من أهمها جائزة لجنة التحكيم لأفضل فيلم طويل من مهرجان بروكسل للفيلم العربي، وجائزة السيناريو من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وجائزة أفضل إخراج عمل أول من المهرجان القومي للسينما، واعتبره النقاد حينها من أكثر الأفلام جرأة، لأنه تناول التابوهات الثلاثة المحرّمة، الدين والسياسة والجنس.
ويدور فيلم “قابل للكسر” الذي تلعب بطولته حنان مطاوع إلى جانب كل من رانيا شاهين، فاطمة عادل، عمرو جمال، خالد خطاب، حنان يوسف، عاصم نجاتي، كريم العطار، محمد موجي، ناجي شحاته، مع ظهور صغير للمخرج، حول الأيام الثلاثة الأخيرة القاسية والصعبة لنانسي وهي في طريقها لوداع المدينة والأصدقاء والأشياء، بعد أن قرّرت أن تغادر مصر متوجهة إلى كندا.
وتقول مطاوع “أراد المخرج ومؤلف الفيلم التأكيد على أن كل شيء قابل للكسر، المعاني والإحساس بالوطن والبيت والأمان والغربة، وحتى الإنسان”.
أما عن شخصية نانسي، فتقول “حياتها كلها صعبة ومستحيلة، بداية من علاقتها بكريم الذي يصغرها سنا ويختلف عنها من حيث المذهب الديني، وتربطه علاقة بأخت صديقتها، كل الأمور متداخلة في حياتها، حتى موضوع سفرها يعتبر بالنسبة لها أمرا صعبا، كما أن البقاء أيضا بات أمرا مستحيلا، هي تشبه معظم المصريين، الذين يعيشون على أحلام مجهضة، بعد أن باتت الحياة بالنسبة لهم مُتعبة وقاسية، لكنهم في الوقت نفسه يتمسّكون بمصر، بسبب علاقات الحب والجذور”.
وكان فيلم “قابل للكسر” عرض، أخيرا، ولأول مرة في مصر ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، الذي انتهى منذ أيام، كفيلم روائي مصري وحيد، وهو الذي كان مقرّرا له أن يكون فيلم افتتاح المهرجان، لكن الظروف الجوية التي رافقت الحفل ألغت كل ذلك، والأمر ذاته حصل معه في مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في مارس الماضي، بعد أن توقّفت فعاليات الدورة التاسعة من المهرجان نتيجة تفشي وباء كورونا بمصر.
كما تعرّض الفيلم للعديد من العراقيل الإنتاجية، وعنها يقول رشوان “نعم عانى الفيلم ظروفا اقتصادية صعبة، وكنت أنا المنتج الأساسي له، بمشاركة الفنان خالد خطاب الذي لعب دور حسين في الفيلم، بالإضافة إلى أنّ عددا كبيرا من الفنانين سواء من عمل منهم خلف الكاميرا، أو أمامها، قد شاركوا في الفيلم بأجورهم، أذكر منهم حنان مطاوع، رانيا شاهين، محمود لطفي، جيهان مشير، غادة يوسف، خالد الورداني، كما أنه ما زالت لدينا أجور لبعض العاملين مؤجلة”.
شخصية غير نمطية
لا تمثل بطلة فيلم “قابل للكسر”، شخصية مصرية نمطية، فرغم أنها إنسانة ملتزمة أخلاقيا وسلوكيا، إلاّ أنها سيدة متحرّرة على الأقل ذهنيا وعقليا، تُمارس حياتها بتلقائية وبطريقة مختلفة جدا عن النموذج التقليدي لفتاة تعيش بمفردها وسط مجتمع مصري ضاغط ومحاسب، وربما مخيف في بعض مفاصله.
ويعتبر اختيار رشوان لحنان للعب دور نانسي موفقا جدا، وخاصة مع ما تحمله تلك الفنانة من صورة ذهنية إيجابية في قلب الجمهور المصري والعربي، كما أن إيمانها وصدقها كممثلة بالدور ومعايشته قد ينجيه من خطورة طرقه لشخصية امرأة غير نمطية، ربما لا تتلقى قبولا جماهيريا، وعن ذلك يقول رشوان لـ”العرب”، “نعم كان الفيلم مزعجا بالنسبة إلى البعض إلى حد ما، لدرجة أن رجلا مسيحيا كبيرا في السن، من الذين حضروا الفيلم في عرضة الثاني الذي أقيم في أتيليه الإسكندرية، رفض في أحد مشاهده أن تشرب نانسي البيرة مع صديقها الشاب، واعتبر ذلك مقدّمة لأشياء كثيرة سيئة، ورغم أنني حاولت أن أقنعه بعدم شرطية ذلك، إلاّ أنه كما الكثيرين كان يفكر بعقلية قديمة”.
وأضاف “بالعموم مهما كان نوع الشخصية، نمطية، متحرّرة، ملتزمة، المهم أن يصدّقها المشاهد، وأن تدفعنا تفاصيلها الشخصية لتصديقها”.
وعن الرسالة التي أراد أن يقدّمها عبر الفيلم بدءا من عنوانه وصولا إلى مضمونه وعلاقته بالكسر، يقول رشوان “في الفيلم، الأبطال ودائرة العلاقات المحيطة بهم كلهم تكشف أنهم قابلون للكسر، إنهم يشبهون فكرة حلم الهجرة الواهي في حد ذاته بالنسبة إلى المصريين، والتمسك الواهي بوطن هو نفسه غير متمسك بأولاده، فمصر عموما والقاهرة بصفة خاصة من وجهة نظري أصبحت مدينة طاردة لأبنائها، وخاصة بالنسبة لسيدة تريد أن تعيش كما ترغب رغم تحفظها”.
وكان رشوان قد أنجز في حياته المهنية ما يقارب خمسة أفلام روائية قصيرة، إلى جانب العشرات من الأفلام الوثائقية، كما أنه استطاع في السنوات العشر الأخيرة فقط، والتي تعتبر من أسوأ المراحل التي مرّت على مصر اقتصاديا، أن ينجز 6 أفلام وثائقية هي: “مولود في 25 يناير”، و”جزيرة الأقباط”، و”المدينة الفاضلة”، و”أصوات خلف الأسوار”، و”خان المعلم”، و”12 خطوة للأمام”، بينما توقّف له أربعة مشاريع لأفلام روائية طويلة، بسبب التمويل، وكانت جميعها تنتمي لسينما المؤلف باستثناء مشروع واحد بعنوان “بنات بتحلم” شاركته في كتابته الروائية المصرية أماني فهمي.
وعن ذلك يقول رشوان “كان لديّ أربعه مشاريع لأفلام روائية طويلة من ضمنها، مشروع فيلم بعنوان ‘أمان صحرا’ وكانت قد تحمّست للمشاركة فيه كل من الفنانة الأردنية صبا مبارك إلى جانب الممثل رمزي لينر، وتدور أغلب أحداثه في واحة سيوة، ولكن المشروع أيضا توقّف بسبب التمويل”. وهو يوفكّر حاليا في تقديم فيلم وثائقي عن شادي عبدالسلام تحت عنوان “شادي.. أنشودة البعث”.