"طلامس" فيلم تجريدي تونسي يتوج بجائزة مهرجان الفيلم العربي بزيورخ

تونس - فاز الفيلم التّونسي “طلامس” للمخرج علاء الدّين سليم بجائزة أفضل فيلم وذلك ضمن فعاليات مهرجان الفيلم العربي بزوريخ.
وتدور أحداث الفيلم حول “س” الجندي بالصحراء التّونسية والذّي ينال إجازة لمدّة أسبوع بعد وفاة والدته، لكنّه لم يعد بعدها إلى ثكنته مطلقاً.
يهرب الجندي من الخدمة العسكرية بعد حادثة وفاة والدته وانتحار زميل له، وتلاحقه قوات الأمن، حيث يصبح مستهدفاً في المنطقة التّي يعيش فيها والتي يسكنها أبناء الطبقة العاملة، فيجد نفسه مضطرا للهرب من المدينة إلى الغابة المجاورة للاحتماء بها والاختفاء فيها.
للوهلة الأولى يبدو مدخل الفيلم بسيطا وواضحا، لكن بمجرد أن يدخل البطل الغابة، يأخذ المخرج علاء الدين سليم المشاهدين إلى رحلة نحو عالم لا حدود فيه للخيال.
وفي سياق منفصل تماما عن الحكاية الأولى للجندي، وبعد مرور عدة سنوات، تكتشف “ف”، المرأة الشابة المتزوجة من رجل ثري، أنّها حامل. وفي صباح أحد الأيام تغادر فيلتها الفاخرة لتختفي في الغابة.
وتبدأ القصة الحقيقية للفيلم مع ظهور السيدة الثرية التي تلعب دورها الممثلة سهير بن عمارة، حيث تقرر ترك حياة الترف في فيلتها الفاخرة التي تطل على الغابة، بعد أن وجدت نفسها فريسة للقلق إثر حملها.
وتخرج السيدة للسير في الغابة فيحملها طريقها إلى الجندي، الذي يلعب دوره المغني المصري عبدالله منياوي، الذي بات أشبه بإنسان الكهف، تكتشف عندها أنها بلا صوت وأن الطريقة الوحيدة للتواصل معه هي عن طريق التخاطب بالعيون.
يأخذ الفيلم منحى رمزيا في الوقت الذي تصبح فيه أجواء الفيلم أكثر تجريدية، ويتحول إلى قصة رمزية عن الخلق وعن آدم وحواء في الجنة.
يستغل المخرج هذه الرمزية ليعيد تعريف الأدوار التقليدية للرجل والمرأة. فالسيدة التي باتت تعيش مع الجندي، تضع طفلها لكنها تعجز عن إرضاعه لأن صدرها خال من الحليب. يكتشف الجندي عندها أن صدره يدر حليبا فيقوم بإرضاع الطفل بدلا منها. حكاية مغرقة في الخيال والرمزية والغرائبية والتفكك، ولا يجمع ذلك كله ويفسره إلا البعد الرمزي.
الفيلم يأخذ منحى رمزيا في أجواء تجريدية ليقدم من خلالها قصة رمزية عن الخلق وآدم وحواء في الجنة
المجند اليائس المتهرب من الخدمة العسكرية، والمرأة الحبلى التي هجرت حياة بدت ظاهريا مثالية، والأفعى التي ترمز إلى حبل سري رابط للناس بالأرض الأم، من خلال هذه الشخصيات نجد أنفسنا إزاء حالة تعايش غريبة داخل غابة نائية.
وقد حاول المخرج أن يجعل الحريَّة أولويَّة لمساعِي الشخصيَّتين الرئيسيَّتين، حيث يرفُض علاء الدّين سليم الواقِع الاجتماعي – السياسي العنيف في تونس رفضًا قاطِعًا. فيما يَقُصّ علينا حكاية الانعِتاق من القُيُود السلطويَّة – الجيش والعائلة الأبَويَّة على حد السواء – محاولا أن يتحرَّر من المَعالِم المعهودة في المكوِّنات الأساسيَّة لأي عمل سينمائي وهو ما كرسه في فيلمه الأول كذلك.
و“طلامس” هو ثاني أفلام المخرج علاء الدين سليم بعد فيلمه الأول “آخر واحد فينا” (2017) الذي حقق أصداء إيجابية عند عرضه في عدد من المهرجانات السينمائية. و”طلامس” هي الكلمة الدارجة المستخدمة في تونس والمرادفة لـ“طلاسم” (جمع طلسم).
النزوع نحو “التجريد” في فيلمه الأول هو نفس سمة الفيلم الثاني لعلاء الدين سليم، الذي يبدو ملتبسا بداية من فكرة “الطلاسم”، وكأن المخرج يحذرنا من البداية، أننا سنشاهد مجموعة من “الطلاسم” الغامضة التي لن نفهمها، فهو مولع بلعبة الغموض والتعمية، يستدرج إليها المشاهدين ليداعبهم بخياله، ويتركهم وهم يتساءلون عمّا يقصده. وهذا منهج خاص به وهو كما يقول الناقد السينمائي المصري أمير العمري “يجيد التعامل مع هذا النوع السينمائي الذي يحفر لنفسه طريقا مستقلا متميزا دون شك في السينما العربية بل والتونسية”.
ويقول المخرج إنه استلهم فكرة الفيلم من المخرج الأميركي ستانلي كوبريك وفيلمه “2001: أوديسا الفضاء”. ويضيف “مثل كوبريك، أردت أن أتحرك بحرية بين العوالم وأن أترك تفسير ما يراه المتفرج للمتفرج”.
أما الممثلة سهير بن عمارة، فتقول إنها فخورة بالمشاركة في تجربة استثنائية. وتتابع “كان العمل في هذا الفيلم مغامرة بالنسبة إليّ. وأشكر علاء الدين لأنه أتاح لي تلك الفرصة”.
ونذكر أن فيلم “طلامس” من تأليف ومونتاج وإخراج علاء الدين سليم، وشارك في بطولته كل من سهير بن عمارة، عبدالله المنياوي وخالد بن عيسى، أما هندسة الصوت فكانت لمُنصف طالب، ومدير التصوير أمين مسعدي، والفيلم من إنتاج تونسي/ فرنسي مشترك بدعم من الصّندوق الفرنسي التّونسي وصندوق وزارة الثّقافة التونسية وصندوق دعم السينما من جميع أنحاء العالم بالمركز الوطني للسينما والصورة المتحركة بفرنسا، وصندوق السّينما العالمية في أوروبا.
وسبق أن عرض الفيلم في قسم “أسبوع المخرجين” بمهرجان كان السينمائي الدولي. كما نال جائزة أسد المستقبل في مهرجان البندقية السينمائي الدولي والجائزة الأولى للمهرجان الدولي بقابس.