إخضاع إقليم تيغراي لا يمنح آبي أحمد نصرا كاملا

مراقبون: سيناريو حرب العصابات في إثيوبيا غير مستبعد مع القتل والدمار والمذابح والانتهاكات.
الثلاثاء 2020/11/24
المعركة لا تزال طويلة

مع محاصرة الحكومة الإثيوبية لإقليم تيغراي وتضييق هامش المناورة على قيادات الإقليم المتمردة، تقترب المواجهة العسكرية من نهايتها، لكن الانتصار مازال بعيد المدى. ويتوقع مراقبون مزيدا من التعقيد إذا ما تحولت المواجهة إلى حرب عصابات وهو سيناريو بات مرجحا بقوة.

أديس أبابا – قالت الحكومة الإثيوبية إن قواتها طوقت عاصمة إقليم تيغراي على مسافة 50 كيلومترا الاثنين، بعد أن منحت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي مهلة 72 ساعة للاستسلام، وهي مهلة ثانية لم تلق صدى لدى المتمردين الذين أعلنوا أنهم سيقاتلون حتى النهاية، ما يضع إثيوبيا على فوهة بركان.

وقال رضوان حسين المتحدث باسم الحكومة عن الهجوم المستمر منذ نحو ثلاثة أسابيع الذي زعزع استقرار إثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقي “بداية النهاية أصبحت وشيكة”.

ودعا رئيس الوزراء آبي أحمد الجبهة التي تحكم الإقليم الجبلي الشمالي الذي يقطنه خمسة ملايين نسمة إلى إلقاء السلاح بحلول الأربعاء أو مواجهة هجوم نهائي على ميكيلي عاصمة الإقليم، فيما قال دبرصيون جبراميكائيل زعيم الجبهة إن المهلة كانت ستارا من أجل السماح للقوات الحكومية بإعادة تجميع صفوفها بعد الهزائم التي منيت بها على ثلاث جبهات.

وبحسب مجموعة الأزمات الدولية، تستند الجبهة في منطقتها إلى حوالي 250 ألف عنصر من القوات شبه العسكرية والمسلحين، ويعتقد أنها تمتلك أسلحة استولت عليها من قواعد الجيش الفدرالي في تيغراي.

ولا يرى مراقبون مجالا لانتهاء الحرب على تيغراي حتى إن تمكنت القوات الفدرالية من إخضاع الإقليم ، فمع القتل والدمار والمذابح والانتهاكات ستتحول المعركة إلى حرب عصابات لا نهاية لها.

ومع توسع المعارك وعدم القدرة على الحسم السريع، واحتمال التحول إلى حرب عصابات تبرع فيها قيادات تيغراي التي اختبرت تلك المهارات لعقود، تبدو إثيوبيا معرضة لما هو أخطر من مجرد مواجهة عسكرية في نطاق إقليم واحد من بين عشرة أقاليم عرقية تشكل البلاد.

أليكس دي وال: تحقيق انتصار سريع في حرب تيغراي مجرد وهم
أليكس دي وال: تحقيق انتصار سريع في حرب تيغراي مجرد وهم

ويقول الكاتب أليكس دي وال في مقال نشره بمجلة فورين بوليسي إنه يجب على الجميع أن يتعظ من التاريخ فالحروب في إثيوبيا تقتل الآلاف بل الملايين ويمكن حدوث مجاعة وتحقيق انتصار سريع مجرد وهم.

ويضيف دي وال “الحروب في إثيوبيا من السهل إشعالها ومن الصعب إخمادها ويصبح الأفضل وقف العمليات العسكرية قبل أن تتصاعد”.

ورفضت أديس أبابا مبادرة الاتحاد الأفريقي للوساطة مع قادة تيغراي، كما رفضت دعوات الأمم المتحدة والسودان ومجموعة (إيغاد) وحتى الدعوات الأميركية لوقف التصعيد، في وقت تتسع فيه جغرافيا الصراع ما قد يجبر أطرافا أخرى على التدخل مثل إريتريا التي استهدف تيغراي مطارها بعدة صواريخ.

وحض مسؤولون أميركيون على وقف التصعيد من جانب آبي أحمد وقيادات جبهة تحرير شعب تيغراي، لكنهم أشاروا إلى ضعف احتمالات عقد مفاوضات.

وقال مساعد وزير الخارجية لشؤون أفريقيا تيبور ناجي ”في هذه المرحلة لا يهتم أي من الطرفين، من خلال كل ما نسمعه، بالوساطة”.

ويخشى المجتمع الدولي امتداد المعارك إلى أقاليم أخرى مثل إقليم أمهرة الذي تعرض أيضا لصواريخ من إقليم تيغراي. وهي تطورات تدل على أن استراتيجية قادة تيغراي تقوم على توسيع نطاق المعارك وتشتيت جهود الحكومة الفدرالية وتحويل القضية إلى دولية.

وتساءلت صحيفة الغارديان البريطانية في عنوان مقال نشرته مؤخرا ما إذا كانت الحرب في إقليم تيغراي ستحول إثيوبيا إلى “ليبيا شرق أفريقيا”.

ورأت الصحيفة أن مثل هذا الاحتمال يبقى واردا إذا طال أمد النزاع في منطقة معقدة تتقاطع فيها مصالح إقليمية ودولية متنافسة.

وخلصت الصحيفة إلى أنه رغم تصريحات آبي أحمد بأن المعارك ستحسم خلال أيام وأن القوات الإثيوبية تتقدم نحو مكيلي عاصمة إقليم تيغراي، فإن هذا لا يعني نهاية هذه الحرب، التي يرى كثيرون أنها يمكن أن تطول وتتعقد.

ونجحت القوات الفدرالية في السيطرة على سلسلة من البلدات من خلال القصف الجوي والمعارك البرية، وتتجه حاليا صوب ميكيلي، وهي مدينة جبلية يقطنها نحو 500 ألف نسمة ويتمركز فيها المتمردون.

وأودى الصراع الدائر منذ أسبوعين في تيغراي بحياة المئات وربما الآلاف، ودفع عشرات الآلاف للفرار إلى السودان، وأثار شكوكا إزاء قدرة رئيس الوزراء آبي أحمد، أصغر قادة أفريقيا سنا والحائز على جائزة نوبل للسلام العام الماضي، على الحفاظ على تماسك الدولة متنوعة الأعراق قبل انتخابات مقررة العام المقبل.

وإثيوبيا دولة اتحادية تتألف من عشرة أقاليم تديرها جماعات عرقية منفصلة، وقد حكمتها فعليا لعقود الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي المتمركزة في الشمال لكونها أقوى عنصر في الائتلاف المتعدد الأعراق، إلى أن أتى آبي أحمد إلى السلطة منذ عامين.

ويقول آبي أحمد، المنحدر من أمهرة وأورومو، إنه يهدف لتقاسم السلطة في البلاد بطريقة أكثر عدلا، لكن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تتهمه بالسعي للانتقام من مسؤولين سابقين من عرقيتهم.

ويصر آبي أحمد على أن هدف العملية العسكرية هو الأعضاء “الرجعيون والمارقون” في جبهة تحرير تيغراي، وليس المدنيين العاديين في تيغراي، لكنّ مراقبين أعربوا عن قلقهم من فقد مواطنين متحدرين من تيغراي لوظائفهم أو اعتقالهم بسبب انتمائهم العرقي.

5