مصر تستعيد زمام المبادرة في الملف الفلسطيني استباقا لإدارة بايدن

القاهرة ترفض محاولات حماس إعادة مفاوضات المصالحة إلى نقطة الصفر.
الثلاثاء 2020/11/17
مصالحة معلقة إلى أجل غير مسمى

القاهرة – بدأ وفدان من حركتي فتح وحماس، الاثنين، محادثات مع المسؤولين في مصر بغرض تسريع خطوات المصالحة الوطنية التي أصبحت خاضعة للتطورات والأجواء الإقليمية أكثر منها لحاجة فلسطينية ملحة.

وتجاوزت الحكومة المصرية استياءها من النتائج السلبية التي خلفتها زيارة وفد حركة حماس للقاهرة نهاية أكتوبر الماضي، وتحاول القبض على زمام مصالحة ذهبت بها فتح وحماس مؤخرا إلى كل من قطر وتركيا لإتمامها هناك، بغرض تغييب مصر عنها، والتأثير في دورها الفاعل في القضية الفلسطينية.

ولطالما كانت القاهرة المرجعية الأساس في ملف المصالحة لسنوات طويلة قبل دخول كل من الدوحة وأنقرة على الخط، وتريد مصر اليوم التحرك والإمساك بخيوط هذا الملف ضمن خطواتها لصياغة دورها مع الإدارة الأميركية الجديدة.

سمير غطاس: حماس ترفض الالتزام باتفاق المصالحة الموقع في مصر عام 2017
سمير غطاس: حماس ترفض الالتزام باتفاق المصالحة الموقع في مصر عام 2017

وتسعى الإدارة المصرية للحفاظ على ورقة القضية الفلسطينية، والتي رجحت من قبل كفتها لدى واشنطن، علاوة على ما تشكله هذه العودة من ضربة قوية للمحور القطري التركي، بما يساهم في تقويض مساحة التهديد التي تواجهها مصر من ناحية غزة.

وأكد رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في القاهرة، سمير غطاس لـ”العرب”، أن القاهرة تحاول تضييق الخناق على حماس، ووقف مناوراتها الساعية لتوظيف إعلان الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن التزامه بمبدأ حل الدولتين.

وتريد حماس الهروب من التقيد بعملية إجراء الانتخابات العامة المتفق عليها، بذريعة انتظار تسلم الإدارة الجديدة لمهامها، وقياس إمكانية التعامل معها للحصول على مكاسب، في حين أن الحركة لم تقدم موافقة رسمية بقبولها إجراء الانتخابات، وفقا للتفاهمات التي توصلت إليها مع حركة فتح في اجتماع إسطنبول في سبتمبر الماضي.

وتوقع غطاس أن تشهد الفترة القادمة المزيد من المشاورات بين القاهرة وحماس لإقناعها بالالتزام باتفاق المصالحة الموقع في مصر عام 2017، والبناء عليه، وليس البدء في مباحثات من نقطة الصفر، وتطلب مصر من حماس الالتزام بما وافقت عليه.

وعلمت “العرب”، أن الاجتماعات بين قادة حركتي فتح وحماس ومسؤولين في جهاز المخابرات المصري، تُعقد بشكل مكثف، لترتيب إجراء عملية الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ومناقشة الخطوات المطلوبة لتأمينها، والتشاور بشأن ممارسة ضغوط سياسية على إسرائيل للسماح بالاقتراع في القدس المحتلة.

ويحتاج تنفيذ الانتخابات الفلسطينية على الأرض إلى دعم جامعة الدول العربية، التي فوضت مصر منذ عام 2005 لإنهاء ملف الانقسام الفلسطيني.

واتفقت القاهرة مع حركتي فتح وحماس على ضرورة استئناف حوارات المصالحة بينهما من القاهرة وصولا للتفاهم حول آليات إجراء الانتخابات، واستكمال ما تم التوافق عليه في اجتماعات سابقة رعتها القاهرة، قبل الذهاب إلى الدوحة وإسطنبول.

وكشفت مصادر فلسطينية لـ”العرب”، أن حركة حماس أدركت صعوبة تجاوز مصر في ملف المصالحة، حيث لديها جغرافيا سياسية متداخلة مع القضية الفلسطينية، تمكنها من القيام بأدوار مؤثرة، يمكن أن تزعج إدارة حماس لقطاع غزة.

ومن غير المستبعد أن تراعي اجتماعات القاهرة فحوى التفاهمات العامة التي توصلت إليها فتح وحماس في إسطنبول، على أن تتواصل المخابرات المصرية مع كل الفصائل لبلورة ورقة ملزمة للجميع للعمل بمقتضاها بناء على ما سبق في القاهرة، خاصة أن جولة الحوار الحالية يمكن أن تنضم إليها حركة الجهاد الإسلامي.

وهناك رغبة عامة ليكون اتفاق المصالحة النهائي بين جميع الفصائل في القاهرة، بعد أن اتفق وفدا الحركتين على تجاهل الخلافات الصغيرة والتركيز على النقاط الجوهرية التي تضمن إجراء الانتخابات في الداخل وفق آليات متفق عليها، وبعد إجازتها من أمناء منظمة التحرير الفلسطينية.

مقاربة أميركية جديدة حيال القضية
مقاربة أميركية جديدة حيال القضية

وقد أدى رهن حركتي فتح وحماس ملف المصالحة الفلسطينية بحسابات كل منهما الداخلية والخارجية إلى تراجع التفاؤل بإمكانية تحقيق اختراق فيها مع الأخذ بالاعتبار سنوات طويلة من المماطلات.

واستقبلت القاهرة وفدا من حركة فتح ثم آخر من حماس الشهرين الماضيين، بعد اجتماعهما في إسطنبول، ولم تفض اللقاءات إلى تقدم ملموس، وأوحت فقط أن الطرفين لا يريدان إبعاد مصر تماما.

وعقب مغادرة وفد حماس، شنت بعض وسائل إعلام مصرية حملة ضارية على الحركة، ما عزز القناعات بأن القاهرة لم تقتنع بتفسيرات ومبررات حماس لذهابها بملف المصالحة إلى كل من قطر وتركيا.

وفتحت وسائل إعلام قريبة من الحكومة المصرية، ملف علاقة حماس بجماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر، وذلك في خضم حملة أوروبية ضارية على الدور الخفي الذي تلعبه جماعات الإسلام السياسي لنشر الإرهاب في دول مختلفة.

ويقول مراقبون، إن القاهرة تملك أدلة موثقة على العلاقة التي تربط قيادات في حماس بتنظيمات متشددة داخل غزة وخارجها، يمكن أن تشوه صورة الحركة إذا جرى فتح الصندوق الأسود لها، وتقلل من فرص التعامل معها دوليا.

وتعتقد تنظيمات الإسلام السياسي، بينها حماس، أن إدارة بايدن ستتعامل معها بصورة إيجابية، وتعيد إحياء سيناريوهات سابقة ظهرت في أواخر إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وعززت فرص الإسلاميين في السلطة.

ويبدو انصياع حماس هذه المرة لإجراء محادثات في القاهرة حول ملف المصالحة غير منفصل عن الرغبة المصرية لتجهيز أوراقها الإقليمية للتعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة، وتأكيد دورها التقليدي والمحوري في القضية الفلسطينية.

2