مستشار ماكرون بلبنان في محاولة أخيرة لإنعاش المبادرة الفرنسية

تشكل تحركات مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى في بيروت، الفرصة الأخيرة لإعادة تصويب المسار في لبنان، قبل أن تتخذ باريس قرارا نهائيا بشأن المؤتمر الاقتصادي، الذي سبق وأن أعلنت عن تنظيمه في وقت لاحق من هذا الشهر.
بيروت – يقوم مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل بزيارة إلى لبنان، في محاولة أخيرة لإنقاذ المبادرة التي طرحتها باريس في سبتمبر الماضي وتتضمن خارطة طريق لمعالجة الأزمة اللبنانية.
ودخلت المبادرة التي تتضمن جملة من البنود أولها تشكيل حكومة اختصاصيين تتولى إصلاحات هيكلية للاقتصاد اللبناني المستنزف، والتحضير لانتخابات نيابية، في “غيبوبة” بفعل ممارسات القوى السياسية في لبنان، والتي وإن تدعي تمسكها بالمبادرة إلا أنها عمدت منذ البداية إلى إفراغها من مضمونها.
وكان زعيم تيار المستقبل سعد الحريري قد سعى إلى إبقاء المبادرة قائمة عبر محاولة تشكيل حكومة من اختصاصيين لمدة ستة أشهر، تتولى الإصلاحات المطلوبة دوليا بيد أن جهوده تصطدم بعراقيل عدة لعل في مقدمتها إصرار الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر على التدخل في التركيبة الحكومية.
وازداد التعاطي مع الثلاثي صعوبة لاسيما بعد القرار الأميركي بفرض عقوبات على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي صار أكثر تشددا وتصلبا في مطالبه الحكومية، في وقت يبدو رئيس الجمهورية “لا حول ولا قوة” أمام “جموح صهره”.
ووصل دوريل إلى بيروت مساء الأربعاء في زيارة تستمر حتى الجمعة وتتخللها لقاءات مع كبار المسؤولين وقوى سياسية بارزة، في خطوة تأتي بعد انتهاء المهلة الثانية التي منحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للطبقة السياسية اللبنانية من أجل تشكيل حكومة اختصاصيين.
وخلال استقباله لمستشار ماكرون، الخميس، جدد الرئيس عون تمسّك بلاده بالمبادرة الفرنسية، لافتا في الآن ذاته إلى أن العقوبات الأميركية زادت في تعقيد الأمور.
وقال عون خلال اللقاء، وفق ما أعلنت الرئاسة اللبنانية، “نتمسك بالمبادرة الفرنسية لما فيه مصلحة البلد”، معتبرا أن “الأوضاع تتطلب تشاورا وطنيا عريضا وتوافقا واسعا لتشكيل حكومة تتمكن من تحقيق المهام المطلوبة”.
والتقى المبعوث الفرنسي أيضا برئيس مجلس النواب نبيه بري الذي نقلت وسائل إعلام محلية عنه تأكيده أيضا على المبادرة الفرنسية وضرورة تطبيق الإصلاحات، التي يطالب بها المجتمع الدولي. وقال إن “المدخل والمخرج الوحيد لخلاص لبنان هو إنجاز حكومة اليوم قبل الغد، وزراؤها اختصاصيون”.
كما التقى رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري ورئيس كتلة حزب الله النيابية محمّد رعد.
ونقلت صحيفة “الأخبار” المقربة من حزب الله الخميس عن مصادر، أن زيارة دوريل “محاولة أخيرة لإحياء المبادرة الفرنسية والضغط على القوى السياسية من أجل الإسراع في تأليف الحكومة والبدء بتنفيذ الإصلاحات”.
وبعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس الماضي، زار ماكرون بيروت. ثم عاد مرة ثانية في مطلع سبتمبر وأعلن عن مبادرة قال إن كل القوى السياسية وافقت عليها، وقد نصت على تشكيل حكومة خلال أسبوعين تتولى الإصلاح بموجب برنامج محدد، مقابل حصولها على مساعدة مالية من المجتمع الدولي.

لكن القوى السياسية فشلت في ترجمة تعهداتها على ارض الواقع . وفي 27 سبتمبر الماضي، أعطى ماكرون مهلة جديدة للقوى السياسية من “أربعة إلى ستة أسابيع” لتشكيل حكومة.
وفي 22 أكتوبر الفارط، كلّف عون زعيم تيار المستقبل سعد الحريري بتشكيل الحكومة، إلا أن مساعيه لم تسفر عن أي نتيجة حتى الآن، ورأى مراقبون أن زيارة مستشار ماكرون قد تعطي دفعة أقوى لجهود الحريري.
ولم يتضح مصير مؤتمر الدعم الدولي للبنان الذي تعهد ماكرون بتنظيمه نهاية الشهر الحالي، ويقول المراقبون إن باريس قد تعلن عن إلغائه في حال لم تبصر حكومة جديدة النور في الأيام المقبلة.
ويشهد لبنان منذ العام الماضي انهيارا اقتصاديا تزامن مع انخفاض غير مسبوق في قيمة الليرة. وتخلفت الدولة في مارس عن دفع ديونها الخارجية، ثم بدأت مفاوضات مع صندوق النقد الدولي جرى تعليقها لاحقا جراء خلافات بين المفاوضين اللبنانيين.