كتاب يستعين بالسوسيولوجيا لرصد تحولات المسرح التونسي

الباحثة التونسية بدرة بشير تنتهي في كتابها إلى أن المسرح الذي عرفه التونسيون، خلال السنوات العشر التي لحقت الاستقلال، قائم على "الفارص" و"الفودفيل" المناسبين لأيديولوجيا الرفاهة المرتبطة بالحكم الشمولي.
الجمعة 2020/11/13
المسرح التونسي في تغير دائم

تونس – تعتبر الباحثة التونسية في علم الاجتماع بدرة بشير من رواد الدراسات السوسيولوجية للمسرح التونسي. وهو ما ترسخه من خلال كتابها الأخير بعنوان “عناصر من الحدث المسرحي في البلاد التونسية”.

ويندرج هذا الكتاب ضمن حقل البحوث المسرحية، تقرأ من خلاله الباحثة الحدث المسرحي عبر عدة أبعاد لها مبرراتها في علم اجتماع المسرح، منها نظرة المسؤول السياسي إليه، ووضعية رجل المسرح، والإنتاج المسرحي غير الرسمي.

وقد ذهبت الباحثة إلى أنه بإمكان علم اجتماع المعرفة، عند دراسة المسرح، أن يدمج في مقاربة علم الاجتماع السياسي أيضا. فالأفكار المنقولة بواسطة المسرح قد تستعمل للتعبير عن أيديولوجيا وعن الدفاع عنها وذلك بتغليب نظرة للعالم على أخرى، ويمكن أن يكون المسرح جزءا من الجهاز الأيديولوجي للدولة يعبر عن خيارات وزارة الثقافة، كما يمكن أن يسير أو يوجه هذا الإطار.

وقسمت بشير كتابها إلى أربعة فصول بداية بالفصل الأول المعنون بـ”المسرح أو ‘الشيء الثقافي‘ في البلاد التونسية”، وفيه تناولت الباحثة مسائل تتعلق بالصلة بين المسرح والثقافة عامة، وبين التحول السياسي والاقتصادي. وقدمت لمحة حول العلاقات المتقلبة بين الإقتصادي والثقافي في البلاد التونسية.

الباحثة بدرة بشير تدرس المسرح التونسي سوسيولوجيا
الباحثة بدرة بشير تدرس المسرح التونسي سوسيولوجيا

وفي الفصل الثاني الذي بعنوان “نماذج ثقافية جديدة وعراقيل أمام الطاقة الإبداعية – وضعية رجل المسرح في البلاد التونسية” ركزت الباحثة على وضعية رجال المسرح في البلاد التونسية، وقد صنفتهم باعتبار صلتهم بالسلطة وكيفية تفاعلهم معها، فتكلمت عن “المتملق” باعتباره صدى للنظرة الرسمية وعن “التقني وتملصه من الرسالة” وعن “المنتج المبدع الآخذ مسافة من السلطة” وعن “المنتج المبدع – المعارض”. وانحازت من خلال هذا التصنيف إلى المنتج المبدع البعيد عن السلطة والمعارض لها أيضا.

ودرست بشير كذلك “محاولة إنهاء الاستعمار الثقافي: الخطاب العلمي الجديد حول المسرح التونسي” متسائلة عن إمكانية الإبداع في مجتمع تابع، والهدف من ذلك هو مواجهة تأثيرات الاستعمار والتبعية، وضرورة الإلحاح على تحقيق الحداثة التي تظل غاية يسعى إليها رغم الشكوك الكثيرة التي تحوم حول الوصول إليها وحول تحقق النجاعة الكاملة في تحقيقها.

وختمت الباحثة كتابها بفصل رابع حول “أشكال التعبير المسرحي غير الرسمي والتغير الاجتماعي في البلاد التونسية”، وفيه وظفت بعض القطع المسرحية التونسية التي اختارتها باعتبارها أشكالا للتعبير المسرحي غير الرسمي، لها وقعها وتجليها في التغير الاجتماعي في البلاد التونسية.

وانتهت بدرة بشير إلى أن المسرح الذي عرفه التونسيون، خلال السنوات العشر التي لحقت الاستقلال، قائم على “الفارص” و“الفودفيل” المناسبين لأيديولوجيا الرفاهة المرتبطة بالحكم الشمولي.

وينتمي المسرح في هذا السياق السياسي إلى تقنيات “تخدير الذهن” الكثير الانتشار في الأنظمة الشمولية، وكان على المسرح -على غرار أشكال التعبير الأخرى- أن يتبع أو ينزّل نفسه في إطار أحد المحورين إما مدح الأمير أو الترفيه السهل عن الجماهير. وإن لم يتبع المؤلف المسرحي واحدا من هذين الطريقين فمآله التهميش والمنع.

وتشير إلى أن مسرح الأرض قد اختار التعبير عن مواقف الريفي دون تزويقه، وقت الاستقلال، لذلك كان عدد متابعيه محدودا.

 وتختم الباحثة عملها بالتأكيد على أن إنجاز مسرح يعبر عن السياق الثقافي العربي الإسلامي، المغاربي، يبقى في حاجة إلى مواصلة الجهد لتحريره من التبعية وتحقيق الاستقلالية والحيادية. وترى أنه لا بد من نشأة إبداع مسرحي ذي “قيمة عالية”.

ونذكر أن كتاب “عناصر من الحدث المسرحي في البلاد التونسية” صدر أخيرا عن معهد تونس للترجمة، ونقله إلى اللغة العربية محمد المديوني.

15