السعودية تقارع النفوذ الإيراني على أرضية المنافع المتبادلة مع العراق

بغداد - يظهر العراق والسعودية عزما متزايدا على تعزيز علاقتهما الثنائية، بالرغم من الضغوط الإيرانية الهائلة التي تسعى إلى إبعاد هاتين القوتين الكبيرتين في المنطقة عن بعضهما البعض.
وتجلّى هذا العزم خلال الأيام الثلاثة الماضية في إطار “المجلس التنسيقي العراقي السعودي”، الذي عقد أعمال دورته الرابعة، عبر لقاءات مباشرة وأخرى إلكترونية، لوضع اللمسات النهائية على جملة اتفاقات ومشاريع استثمارية بين البلدين، ستسمح للسعودية بدخول ساحة الاستثمار في العراق من بابها الأوسع.
والثلاثاء، عقد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع في المملكة العربية السعودية لقاء عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، لاعتماد نتائج الدورة الرابعة لمجلس التنسيق العراقي السعودي. حيث تمّ الاتفاق على مروحة واسعة من برامج ومشاريع التعاون الشاملة في الكثير من القطاعات.
وأكد الجانبان على”عزم البلدين على تعزيز العلاقات بينهما في المجالات كافة.. وتوسيع آفاق التعاون الثنائي وتعزيزها في المجالات المختلفة ولاسيما السياسية والأمنية والتجارية والاستثمارية والسياحية”.
واستقبل الكاظمي الأحد الماضي أعضاء المجلس التنسيقي العراقي السعودي الذي يعقد اجتماعاته في العاصمة بغداد لمناقشة الخطط التنفيذية للاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقّعة بين البلدين.
وتحظى جهود الكاظمي لتطوير العلاقات مع السعودية بتأييد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي التقى في بغداد أعضاء المجلس. وقال مكتبه في بيان إنّه “أكد دعم السلطة التشريعية لتعزيز عمل المجلس التنسيقي بما يسهم في تنفيذ خططه على أرض الواقع وفقا للمصالح المتبادلة للشعبين”.
وصنعت هذه اللقاءات والاتفاقيات زخما كبيرا خلال الأيام الثلاثة الماضية في بغداد لم يكن متوقّعا في وقت بلغ فيه النفوذ الإيراني في العراق أشده.
وشن أتباع إيران في مجلس النواب العراقي هجوما واسعا ضد مساعي تطوير العلاقات بين بغداد والرياض بحجة “مساعي السعودية لاحتلال أراض صحراوية في العراق وتجفيف مياهها الجوفية”.
ويقول مراقبون إن تجول الوفد السعودي الكبير بين أروقة المؤسسات الرسمية في بغداد وعقده اللقاءات مع كبار المسؤولين، هو رسالة سعودية واضحة لإيران بأن أيام ترك العراق لقمة سائغة لجارته الشرقية قد ولّت.
ويمكن للسعودية أن تنتزع أرضية صلبة داخل العراق من بوابة الاستثمار في مشاريع تحرك عجلة الاقتصاد وتوفر فرص العمل للملايين من الشبان العاطلين في هذا البلد.
واللافت في التحركات السعودية الأخيرة أنها تخلت عن سمة الخجل التي تتسم بها عملية انفتاح الرياض على بغداد. ويقول مراقبون إن العراق ساحة للسعودية مثلما هو ساحة لإيران، وبدلا من أن تترك الرياض مواجهة طهران لواشنطن، ربما قررت أن تخوضها بنفسها.
وكان العائق السابق لتطوير علاقات وثيقة بين العراق والسعودية يتمثل في نقص الفهم على المستوى الطائفي، إذ شاع لسنوات عدة أن السعودية السنية لا يمكنها التعامل مع أي فصيل سياسي شيعي في بغداد.
لكن هذه الأوهام تبددت خلال ولاية رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الذي قاد حملة جريئة لتطبيع العلاقات بين بغداد والرياض.
وتتجه هذه العلاقات للحصول على دفع أقوى مع وجود مصطفى الكاظمي في منصب رئيس الوزراء.
ويقول مراقبون إن أزمة العراق الاقتصادية الخانقة، دفعت الكاظمي إلى تبني نهج جريء في التعاطي مع السعودية، قابلته الرياض بتجاوب كبير.
ويتوقع ساسة عراقيون أن تتواصل حملة التشكيك في التقارب العراقي السعودي من قبل الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران، لكنها لن تتمكن من إعاقته، نظرا لحاجة العراق الشديدة إلى زخم اقتصادي يعينه على تجاوز أزمة السيولة، التي تحاصره منذ شهور.
وأشار الكاظمي بوضوح إلى هذا المعطى عندما قال الثلاثاء إن حكومته تواجه حملات تشكيك في أي تقارب مع أي دولة، مشددا على أن البلاد يجب أن تكون بيئة جاذبة للاستثمار، ومشيرا إلى وجود “شائعات تهدف إلى خلط الأوراق وتعطيل أي تفاهم يصب في صالح البلد الذي يحتاج فعليا إلى الاستثمارات وتوفير فرص للعمل والإعمار”.