طريق بايدن نحو تحفيز الاقتصاد الأميركي محفوف بالمطبات

يعتقد محللون أنه من غير المحتمل أن يتمكن الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن من تمرير حزم تحفيز اقتصادية كبيرة كتلك التي مرّرها سلفه دونالد ترامب في السابق وساهمت في السيطرة على العديد من المشاكل، خاصة بعد أن زادت من وطأتها أزمة الوباء وذلك بسبب سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ واعتزامهم تبني إجراءات تقشفية.
واشنطن – بات على جو بايدن بعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأميركية أن يمتلك رؤية اقتصادية مبتكرة تقطع مع سلفه دونالد ترامب لمواجهة التحديات الخطيرة التي تنتظر رئاسته، وهذه النقطة هي أحد المحاور الخمسة، التي يريد تجسيدها على أرض الواقع خلال فترة توليه المنصب.
وعندما يتولى الرئيس المنتخب منصبه في يناير المقبل سيواجه أكبر تحديين هما كورونا والخسائر الاقتصادية الناجمة عن هذه الجائحة، لكن سيخوض معركة لوضع أجندة سياسات جريئة، يأملها الكثيرون من أنصاره.
وقال بايدن إن أولويته الرئيسية الأخرى هي تحفيز الاقتصاد ليعود إلى مساره، ولديه مجموعة من المناصب الاقتصادية البارزة التي يتعين عليه شغلها في إدارته منها منصب وزير الخزانة الذي يرجح أن يرشح لشغله ليل برينارد عضوة مجلس محافظي الاحتياطي الاتحادي وسارة بلوم راسكين الوكيلة السابقة لوزارة الخزانة.
وربما تعمل كامالا هاريس، نائب الرئيس بايدن، على تحريك الملف الاقتصادي بشكل أكبر خاصة وأنها منذ أن تم ترشيحها للمنصب انتقدت سياسة ترامب في هذا المجال.
وباستثناء مفاجأة انتخابات الكونغرس في ولاية جورجيا، فإن الحزب الجمهوري سيحتفظ بالأغلبية في مجلس الشيوخ وهو ما يعني أن بايدن لن يتمكن من الانفراد بتشكيل الحكومة كما كان الحال بالنسبة لسلفه الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، حيث أنه من أهم وظائف مجلس الشيوخ التصديق على تعيينات الرئيس في الكثير من المناصب الحكومية الرئيسية.
ويرى المحلل الأميركي نوح سميث في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء أن بايدن قد يتمكن من تمرير سياسات اقتصادية موجهة تستهدف قطاعات محددة بشكل مباشر، إذا لم يتمكن من تمرير حزم التحفيز والإنقاذ الاقتصادي التقليدية الكبيرة.
ورغم التحسن السريع الذي يسجله الاقتصاد الأميركي منذ أبريل الماضي، فإن هذا التحسن مازال جزئيا، فالتوظيف عاد بالكاد إلى نصف مستواه قبل الجائحة والعمال ذوو الأجر المنخفض الذين يعمل أغلبهم في شركات الخدمات المحلية الصغيرة وهم الأشد تضررا من الأزمة الصحية مازالوا يعانون.
وبحسب سميث يعاني الاقتصاد الأميركي من مرضين متزامنين، الأول هو الخوف المستمر من الوباء، فهذا الخوف أدى بشكل أكبر من إجراءات الإغلاق إلى منع الكثير من الأميركيين من الخروج من منازلهم سواء للتسوق أو لتناول الطعام، وهو ما أدى إلى العلة الثانية التي يعاني منه الاقتصاد وهي تراجع الطلب الاستهلاكي المحلي والذي تفشى في كل قطاعات الاقتصاد.
ورغم أن الخوف من كورونا سيتراجع على الأرجح خلال الفترة المقبلة مع ظهور اللقاحات المضادة له والمنتظر طرحها أوائل العام المقبل، فإن احتمالات استمرار تراجع أداء الاقتصاد تظل قوية.
وثمة احتمالات، وفق نوح، أن يصطدم بايدن بمجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، وأيضا بمحاولة رفض زيادة الإنفاق العام على مشروعات البنية التحتية، وفي ظل هذه الافتراضات يمكن للإدارة الجديدة تبني إجراءات موجهة تساعد القطاعات الأشد تضررا من الجائحة وهي قطاعات الخدمات المحلية.
ومع تعرض العديد من المطاعم والمتاجر وغيرها من المؤسسات التي تقدم الخدمات المباشرة للإفلاس، فإن التحدي الأبرز أمام الحكومة الجديدة بعد انتهاء خطر الفايروس إنعاش الاقتصادات المحلية من خلال دعم المتاجر الجديدة لإعادة ملء واجهاتها الفارغة والتي تنتشر على امتداد القطاع الحضري في الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن يتم تشغيل بعض هذه المتاجر من قبل نفس أصحابها الذين أفلسوا خلال الجائحة، بينما قد يتولى مستثمرون جدد إدارة البعض الآخر منها.
لكن كل هذه المتاجر ستوفر وظائف جديدة للأعداد الكبيرة من العاطلين الحاليين، والذين سيعود أغلبهم إلى نفس الوظائف التي كانوا يمارسونها في العام الماضي.
ويرى سميث أن دعم المشروعات المحلية الجديدة سيحقق عدة أهداف في وقت واحد فهذا الدعم سيعيد العاطلين إلى وظائفهم التي يعرفونها وسيبدؤون ضخ الطلب في أوصال الاقتصادات المحلية. وسيؤدي ذلك إلى تقليل أعداد العاطلين في قطاع تجارة التجزئة الأميركي، وسيساعد ذلك في المحافظ على فئة الشركات الصغيرة.
وهذا العنصر الأخير يمكن أن يجعل حزمة الدعم الجديدة للشركات الصغيرة جذابة للجمهوريين في مجلس الشيوخ لأن أصحاب الشركات الصغيرة يعتبرون تقليديا قاعدة انتخابية للجمهوريين.
وتتزايد الترجيحات لدى المحللين أن تكون برامج الدعم موجهة بدرجة عالية، وتنتهي بمجرد استعادة كل الوظائف التي سبق شطبها في القطاع التجاري، ويحد من تكلفة برنامج الدعم وتجنب الظهور بمظهر إنفاق أموال دافعي الضرائب بشكل عشوائي.
في المقابل قد يشعر المتطرفون في دعم قواعد السوق الحرة بالقلق من أن يؤدي ذلك إلى تأخير التحول المطلوب للمزيج الصناعي للولايات المتحدة والمتمثل في التحول نحو التجارة الإلكترونية.
وأدت الجائحة إلى زيادة الاعتماد على خدمات التجارة الإلكترونية كبديل للمتاجر المحلية التقليدية، فقد أصبح الأميركيون يشاهدون الأفلام عبر موقع نتفليكس بدلا من الذهاب إلى دور السنيما، وباتوا يشترون احتياجاتهم من موقع أمازون بدلا من الشراء من المتاجر.
وهنا يثار السؤال هل هذا التحول يجب أن يكون أولوية اقتصادية في المرحلة الحالية، بيد أن سميث يعتقد أن فوائد الإنعاش السريع والمنخفض التكلفة للاقتصادات المحلية الأميركية تفوق بشدة الخسائر الناجمة عن تأخير التحول الرقمي.