باريس تبحث عن نزع فتيل أزمة الرسوم من بوابة الأزهر

وزير الخارجية الفرنسي يبحث في القاهرة آليات تطويق أزمة الرسوم التي جرى حرفها عن مسارها للضغط على باريس كي تخفّف من حدة انتقاداتها للرئيس التركي.
الاثنين 2020/11/09
فرنسا تحارب الإرهاب ولا تستهدف الإسلام

القاهرة- بدأت فرنسا تتحرك لاحتواء التداعيات السلبية لأزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد (ص)، من خلال الاستعانة بالدول الصديقة، حيث قام وزير الخارجية جان إيف لودريان بزيارة للقاهرة، الأحد، والتقى الرئيس عبدالفتاح السيسي ووزير خارجيته سامح شكري وشيخ الأزهر أحمد الطيب.

وكان الأزهر قد هاجم الرسوم الكاريكاتيرية، منتقدا دفاع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عنها في أكثر من مرة كان آخرها حينما قام مهاجر غير نظامي باعتداء في مدنية نيس ما تسبب في قتلى وجرحى.

وتعد مؤسسة الأزهر مرجعية في العالم الإسلامي، ومن هنا تحاول فرنسا نزع فتيل التوتر معها من خلال التأكيد على أن حملتها لا تستهدف ديانة بعينها بل المتطرفين.

ترمي زيارة وزير خارجية فرنسا للقاهرة إلى ضمان وقوفها في صفها، الأمر الذي لا يجد ممانعة لدى القيادة المصرية

وناقش لودريان في القاهرة آليات تطويق الأزمة التي استغلتها تركيا والإخوان وتنظيمات متطرفة، وجرى حرفها عن مسارها للضغط على باريس كي تخفّف من حدة انتقاداتها للرئيس رجب طيب أردوغان، وحثّها على التوقف عن تجفيف منابع الجمعيات الإسلامية في فرنسا، وعدم زيادة التكاتف الأوروبي معها في هذا المجال.

وتتفق باريس والقاهرة في الكثير من الملفات المشتركة، وأهمها مكافحة الإرهاب، وردع المتطرفين، وإيجاد تسوية سياسية عاجلة للأزمة الليبية، ويمكن أن يزداد التعاون بينهما بما يحقق لكل طرف جانبا مهما من مصالحه الحيوية.

ويرى متابعون، أن الأزمة التي سببتها الرسوم المسيئة لفرنسا نكأت جرحا غائرا في الكثير من الدول الأوروبية، يمكن أن تستغله القاهرة في تعزيز رؤيتها وخطواتها حول توحيد جهود محاربة الإرهاب بصورة شاملة، والتخلي عن الطريقة الانتقائية، والابتعاد عن المرونة الطاغية في التعامل مع تيار الإسلام السياسي.

ويمكن للقاهرة أن تستثمر الجرح الفرنسي، وتقوم بتزويدها بمعلومات تفصيلية حول متطرفين مصريين، من العابرين للحدود، وينشطون سريا في دول مختلفة تحت رعاية أجهزة استخبارات تابعة لدول بعينها، معروفة بدعمها للإرهاب، بما يفيد فرنسا في ربط الخيوط السياسية، أملا في اختراق الحلقات الضيقة للمتشددين.

سامح شكري: أهداف سياسية  خلف العمليات الإرهابية في فرنسا
سامح شكري: أهداف سياسية  خلف العمليات الإرهابية في فرنسا

وأكد سامح شكري خلال مؤتمر صحافي مشترك مع لودريان بالقاهرة، أن العمليات الإرهابية التي وقعت في فرنسا مؤخرا تستهدف زعزعة الاستقرار وتحقيق أهداف سياسية، وليس لها علاقة بالدين الإسلامى.

وقال لودريان، إن بلاده تحارب الإرهاب والتطرف وليست وحدها فى هذه المعركة، وتؤكد الاحترام للإسلام، وأن الإرهاب يستهدف عددا من الدول، منها مصر، التي أشاد بدورها في محاربة التطرف وتنظيماته، لافتا إلى أنه “سينسق مع الإدارة الأميركية الجديدة في القضايا الدولية ومكافحة الإرهاب”.

وتعرضت فرنسا لحملة منظمة من قبل جهات إسلامية على علاقة قوية بتركيا، تعمدت التشويش على أهداف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن حديثه عن الانعزالية الإسلامية ومخاطرها، وتكثيف الأضواء على فرنسا للإضرار بمصالحها الاقتصادية.

ووجدت الدعوة لمقاطعة البضائع الفرنسية أصداء واسعة لدى قطاع كبير من البسطاء في دول عربية وإسلامية عديدة، وتصدرت الواجهة بدلا من دعوات سبقتها لمقاطعة البضائع التركية، ما أكد نيّة الاستهداف السياسي.

ويؤدي التعاون والتنسيق بين فرنسا ومصر في ملف المتطرفين عموما، إلى زيادة مخاوف أنقرة وجماعة الإخوان، خشية فضح الخيوط التي تربط كل منهما بجمعيات تنشط في دول أرووبية تحت ستار إنساني، وهو ما جعل الحملة تستعر ضد فرنسا.

ويقول مراقبون، إن التعاون بين القاهرة وباريس في مجال مكافحة الإرهاب يضيّق الخناق أيضا على الأنشطة التي ترعاها تركيا في ليبيا، ويضع عملية التصدي للمتطرفين والمرتزقة والميليشيات كعنصر مهم في مسار حل الأزمة.

وتريد فرنسا أولا إطفاء النيران التي اندلعت حولها في دول عدة، باستخدام خطاب عقلاني هادىء، يصحّح التفسيرات الخاطئة التي راجت حول الرسوم المسيئة.

وترى أن التفاهم مع مؤسسة الأزهر، بعد الاعتذار عن الإساءة للنبي (ص) عبر الرسوم المسيئة، من شأنه أن يهدئ الغضب في العالمين العربي والإسلامي، خاصة إذا تجاوب شيخ الأزهر مع باريس، وهي خطوة تخفف من وطأة الدعوات التي صدرت ضد فرنسا ومصالحها في المنطقة.

تعد مؤسسة الأزهر مرجعية في العالم الإسلامي، ومن هنا تحاول فرنسا نزع فتيل التوتر معها من خلال التأكيد على أن حملتها لا تستهدف ديانة بعينها بل المتطرفين

وقال شيخ الأزهر في خطاب له الشهر الماضي، إن “الإساءة للأديان والنيل من رموزها المقدّسة تحت شعار حرية التعبير ازدواجية فكرية ودعوة صريحة للكراهية”.

ودافع الرئيس المصري في خطاب بمناسبة ذكرى مولد النبي محمد نهاية الشهر الماضي عن “القيم الدينية”، مؤكدا رفضه للإساءة إلى النبي محمد.

وترمي زيارة وزير خارجية فرنسا للقاهرة إلى ضمان وقوفها في صفها، الأمر الذي لا يجد ممانعة لدى القيادة المصرية، التي تتطلع إلى استثمار الإجراءات الفرنسية لإيجاد صيغة لخطاب دولي متقارب للتعامل مع الجمعيات الإسلامية النشطة في أوروبا، والروافد التي تتغذى عليها من خلال ما تتلقاه من دعم تركي.

2