تصوير الأفلام "مهمة غير مستحيلة" في زمن كورونا

أُطفئت الكاميرات وعمّ السكون في مواقع تصوير الأفلام العالمية في فترة الحجر الصحي الشامل بين مارس ومايو الماضيين، نتيجة تفشي فايروس كورونا المستجد، الأمر الذي جعل بعض المدن العالمية -كباريس والبندقية التي تعوّدت على استقبال نجوم الفن السابع لتصوير أحدث أفلامهم على أراضيها- تعيش حالة شلل فني غير مسبوق، فكيف بات الحال مع انطلاق الموجة الثانية من الوباء؟
باريس – لا يشكّل العمل على فيلم في زمن جائحة كوفيد – 19 “مهمة مستحيلة” للنجم العالمي توم كروز الذي واصل تصوير جزء جديد من سلسلة الأفلام التي تحمل هذا العنوان “ميشن إمبوسيبل” في مدينة البندقية الإيطالية، مؤكّدا بذلك أن السينما لا تتوقّف رغم كل شيء.
وتسبّب انتشار فايروس كورونا بإيطاليا في فبراير الماضي فعليا في توقّف تصوير أحداث الفيلم الذي كانت الشركة المنتجة لـه قد حددت أن العرض الأول في الصالات سيكون في الثالث من يوليو 2021، ولكن بسبب الجائحة من المتوقع أن يتأخر العرض إلى وقت لاحق، رغم استئناف التصوير الشهر الماضي.
وفيما كان كروز موجودا في المدينة في نهاية أكتوبر لتصوير فيلم الحركة الشهير في جزئه السابع، كان يجري العمل في الطرف الآخر من العالم، في نيوزيلندا تحديدا، على إنجاز الجزأين الجديدين من سلسلة “أفاتار” لجيمس كامرون.
لكنّ فرق تصوير الأفلام التي عادت إلى لوس أنجلس لا تزال قليلة، إذ يتركّز العمل هناك على برامج تلفزيونية وأغنيات مصوّرة وإعلانات، بينما دارت عجلة تصوير الأفلام مجددا بالكامل في باريس، في الفترة التي سبقت الإقفال الثاني.
وقال المخرج السينمائي كلوفيس كورنيّاك الذي يصوّر فيلما مقتبسا من رواية بيار لوميتر “ألوان الحريق” في شوارع العاصمة الفرنسية “عندما تكون وراء الكاميرا، تكون مأخوذا إلى درجة أنك تنسى وضع الكمامة”.
وقد أتيحت معاودة تصوير عدد من الأفلام منذ انتهاء إقفال الربيع الماضي، ومن بينها فيلم كورنيّاك، ولكن بشرط التقيّد بتعليمات صحيّة صارمة، منها إلزامية وضع الكمامات للجميع، باستثناء الممثلين خلال تأدية مشاهدهم بطبيعة الحال.
وبأزيائهنّ التمثيلية العائدة إلى ثلاثينات القرن الماضي، والكمامات تغطي أنوفهنّ، جلست بعض الممثلات وهن يرتشفن الشاي في وقت الاستراحة، بينما كانت جادة الشانزليزيه مقفرة.
وقال المخرج “لدينا فرصة لا مثيل لها للعمل، حتى لو كان كل شيء أكثر تعقيدا وثقلا، من أي وقت مضى. وحرصا على عدم التعرّض لمفاجآت غير سارة، يخضع جميع أعضاء الفريق لفحوص كل أسبوع، أي في المجموع نحو ألف فحص في 50 يوم تصوير”.
ويتوافر في موقع التصوير طبيب وممرضون، وهو ما يرتّب تكاليف إضافية متنوعة، ويرفع فاتورة التصوير في ظل الجائحة بما يعادل 450 ألف يورو (حوالي 534 ألف دولار) من أصل موازنة تبلغ 15 مليونا، وفق ما أعلنته شركة “غومون” المنتجة لفيلم “ألوان الحريق”.
ويقول مارك فاديه، مدير الإنتاج في هذه الشركة الفرنسية التي تُعتبر من أقدم شركات الإنتاج في العالم، والتي لم تعرف يوما مثل هذه الاضطرابات على امتداد 125 عاما من وجودها، “رغم ذلك، لا بدّ من الاستمرار في التصوير، وإلاّ تأثّرت كل سلسلة السينما سلبا عند إعادة فتح الصالات”.
وأقرّ بأن “ثمة قلقا دائما، إذ يكفي أن يصاب ممثل واحد أو المخرج أو مدير التصوير بالفايروس، حتى يتحوّل الأمر إلى مشكلة كبيرة”.
وقد عانى منتجو فيلم “باتمان” الجديد من هذه المشكلة، إذ أن تصويره في بريطانيا عُلّق في نهاية الصيف بعد إصابة أحد أعضاء فريق الفيلم بالفايروس، يُعتقد أنه الممثل روبرت باتينسون الذي يتولى دور الرجل الوطواط نفسه.
والفيلم القادم الذي يحمل عنوان “ذا باتمان”، من إنتاج شركة وارنر برذرز الأميركية التي اختارت باتينسون لتجسيد شخصية باتمان خلفا للممثل الأميركي الحاصل على الأوسكار بن أفليك الذي قرّر اعتزال دور البطل الخارق.
ولعب بن أفليك دور بروس واين الثري الذي يرتدي الأسود عند حلول الليل لكي يفرض العدالة في آخر نسختين من سلسلة باتمان اللتين صدرتا في 2016 و2017.
ويلعب باتينسون، الذي نال شهرة واسعة بفضل دوره في سلسلة مصاصي الدماء “توايلايت”، دور بطل المجلات المصوّرة الهزلية الخارق، ليكون تاسع ممثل يقدّم الشخصية الشهيرة.
وكان من المقرّر طرح الجزء الجديد من الفيلم في دور السينما العامية في الخامس والعشرين من يونيو 2021، لكن يبدو أن الأمور تغيّرت مع توقّف تصويره.
ورغم كل شيء، بين الأفلام التي أجلت خلال الموجة الأولى، وتلك التي تسعى إلى إنجاز التصوير خشية المزيد من تشديد التدابير، من المفاجئ أن باريس تشهد الآن تصوير عدد من الأفلام أكبر من أي عدد في السابق.
وأشار المسؤول عن السينما في بلدية المدينة ميشال غوميز إلى أن 55 فيلما يجري تصويرها منذ 11 مايو الماضي، وقال “لقد عاودوا العمل بهدوء خلال الصيف، ولكن منذ الأول من سبتمبر بات الأمر مخيفا! الجميع يحاولون التعويض عمّا فاتهم”.
وأضاف “في كل مكان تقريبا، يمكن أن نرى مصابيح كاشفة وشاحنات التحكّم، لكنّ الخيم الكبيرة التي يتناول فيها العاملون في الفيلم الطعام مُنعت. ومع أن الشوارع خالية، ليس التصوير سهلا بالضرورة. يجب إعادة فتح بعض المقاهي لجعل الخلفية أكثر حياة”.
أما فرق الأفلام الدولية التي ترغب في الإفادة من ديكورات شوارع العاصمة الفرنسية، فلم تعد تأتي للتصوير في باريس “ولا تعتزم ذلك قبل مايو أو يونيو 2021”، ولم يشر غوميز إلى إلغاء تصوير أي فيلم فرنسي منذ تدابير الحجر الثاني.