ماكرون يتوجه للإسلام المتشدّد عبر المنبر المُفضل له

"الجزيرة" من مهاجم لماكرون إلى التباهي بإطلالته عبر شاشتها.
الثلاثاء 2020/11/03
وجها لوجه مع "العدو"

أثار اختيار الرئيس الفرنسي لقناة الجزيرة لتوضيح موقفه حول التصريحات المسيئة للإسلام، جدلا واسعا في وسائل الإعلام ومواقع التواصل، وكان سبب الاختيار أكثر تداولا من المقابلة نفسها، وفي حين احتفلت الجزيرة بهذا الاختيار كان للمتابعين رأي آخر بأن الاختيار سببه نوعية جمهور “الجزيرة” وليس حياديتها ومصداقيتها.

باريس - أطل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمرة الأولى عبر قناة “الجزيرة” لتهدئة الغضب المتصاعد ضده وتوضيح تصريحاته الأخيرة عن الإسلام المتشدد وحرية التعبير التي وصفت بالمسيئة للنبي، وإن كانت هذه الإطلالة مفاجئة للبعض إلا أن هذا الاختيار بدا مفهوما للبعض الآخر بحسب توجه القناة وطبيعة الجمهور الذي يتابعها.

وقصد ماكرون التوجه إلى جمهور مسلم محدد عبر القناة المعروفة بقربها من الإسلاميين والتيارات المتشددة والمتطرفة إضافة إلى تركيا ممثلة بحزب العدالة والتنمية الحاكم، إذ أن هذه الأطراف هي الأكثر هجوما على الرئيس الفرنسي في الآونة الأخيرة، وكثّفت حملتها لمقاطعة البضائع الفرنسية، واستبدالها بالبضائع التركية، خصوصا أن الفئات الأكثر تشددا هي ما تخشى فرنسا وأوروبا من خطرها على أمنها وعودة العمليات الإرهابية.

وتجنب المكتب الإعلامي للرئيس الفرنسي القنوات العربية الأخرى التي تحظى بشعبية ومتابعة عالية مثل “العربية” و”سكاي نيوز” على الرغم من أنها الأقرب إلى خطابه والأكثر تفهما لقيم حرية الصحافة وحرية التعبير، ومارست تغطية أكثر تعقلا لقضية الرسوم وأمسكت العصا من المنتصف دون تحامل على المعايير الفرنسية كما هو الحال في القنوات الأخرى ومنها الجزيرة في استغلال القضية لتجييش الرأي العام والجمهور.

وانتقد البعض سياسة ماكرون المرتبكة في التعامل مع هذا الملف الشائك، فبدلا من أن يكون موقف “قناة الجزيرة” نقطة انطلاق لمحاسبة الدور المزدوج الذي تلعبه قطر في أوروبا، من دعم للإسلاميين بشكل مفتوح وتمويل مراكزهم من جهة والاستئثار بنصيب كبير في الاستثمارات في فرنسا وبقية الدول الأوروبية من جهة ثانية، يقترح الفريق الإعلامي لماكرون نفس المنبر لينقل الرسالة مما يشير إلى عدم قدرة الفرنسيين على الخروج من حالة ارتباك التفكير في قضية التعامل مع الإسلاميين.

وتناولت الانتقادات بشكل خاص الفرنسيين لأنهم يقولون إن ثمة مشكلة كبيرة في العالم الإسلامي وأن سنوات أمضتها الحركات الإسلامية وخصوصا الإخوان في تغيير طبيعة الجالية المهاجرة نحو مواقف متشددة وانعزالية، ومع ذلك يتوجهون للحديث مع الجاليات المهاجرة عبر نفس المؤسسات والجمعيات الإخوانية أو من خلال منابر متعاطفة معها مثل الجزيرة.

وحاول الرئيس الفرنسي خلال المقابلة التي أجراها معه مدير مكتب “الجزيرة” في باريس عياش دراجي، أن يكون محددا في تبرير تصريحاته الأخيرة حول الرسوم والإسلام قائلا إنها كانت “مضللة ومقتطعة من سياقها”، مشيرا إلى أنه حصل “سوء فهم والكثير من التلاعب” إزاء تصريحاته بخصوص الرسوم.

اختيار قناة الجزيرة يشير إلى عدم قدرة الفرنسيين على الخروج من حالة ارتباك التفكير في قضية التعامل مع الإسلاميين

وأضاف أن “الرسوم الساخرة في صحفنا، تسخر من السياسيين وأنا أولهم، وهذا أمر عادي، وثمة سخرية من الكثير من الديانات، كل الديانات. وشارلي ايبدو نفسُها سخرت من المسيحيين ومن الديانة اليهودية ومن الأحبار اليهود منذ سنوات ثم كان هناك رسوم ساخرة من النبي محمّد ومن الإسلام. أتفهّم شخصيا المشاعر التي أججتها الرسوم، واحترمها ولكن عليكم أن تعرفوا وظائفي كرئيس جمهورية”.

وأوضح علانية هدف ظهوره على “الجزيرة”، بأنه أراد “التأكيد بأن فرنسا بلد حريص على حرية المعتقد”.

ومارست القناة القطرية دورا كبيرا في منح قضية تغطية الرسوم الكاريكاتيرية مساحة بارزة على منصاتها، وإدانة تصريحات ماكرون حول الرسوم والإسلام، وبث مظاهرات من بنغلاديش وتركيا وباكستان ودول أخرى تنديدا بالرسوم والتصريحات، تخللتها مشاهد أشخاص غاضبين يمزقون صور ماكرون ويسخرون منه.

ونُقل عن عياش دراجي قوله إن “الرئاسة الفرنسية كانت مهتمة جدا بالمقابلة وحريصة على إجرائها مع الجزيرة لشعورهم بحاجه لإيضاح موقفهم بعد الغضب العارم الذي عبّر عنه المسلمون من شتى بقاع الأرض رفضا للإساءة للنبي عليه السلام” .

وتسبب اختيار ماكرون لقناة الجزيرة في موجة كبيرة من الجدل، وكان السؤال عن سبب الاختيار أكثر تداولا من مضمون المقابلة نفسها، على مواقع التواصل الاجتماعي.

والمفارقة أن إعلاميي وصحافيي قناة الجزيرة الذين كانوا يشنون هجوما على ماكرون وفرنسا ويدعون لمقاطعة المنتجات والعطور الفرنسية واستبدالها بالبضائع التركية والدعاية لموقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “في نصرة النبي والإسلام”، تحولوا فجأة مع ظهور ماكرون عبر الجزيرة، إلى التفاخر والتباهي باختيار الرئيس الفرنسي للقناة، زاعمين أن “الاختيار سببه شعبية الجزيرة ومصداقيتها، وتأثيرها في العالم العربي لأنها منبر المسلمين”.

وذهبت أغلب التحليلات وآراء المتابعين للإعلام إلى سبب آخر لا يتعلق مطلقا بما زعمه إعلاميو الجزيرة، إذ أكد كثيرون أن الرئيس الفرنسي إذا أراد إيصال رسائله إلى المسلمين يمكنه استهدافهم عبر أي منبر أخر مثل يوتيوب  أو فرانس 24 بلغاتها المتعددة أو القنوات العربية الأخرى الأكثر اعتدالا وليبرالية، إلا أن ماكرون استهدف عبر منبر الجزيرة شريحة معيّنة من المسلمين تشكل خطرا على فرنسا.

وقال المحلل السياسي الكويتي فهد الشليمي الأحد على قناته عبر يوتيوب، “هناك عدة أسباب وراء هذا الاختيار، ففرنسا تحت التهديد من المتطرفين، والرئيس الفرنسي أراد إيصال رسالة وتوضيح موقفه للمسلمين ويخص بها المتشددين والمتطرفين لأن من يقوم بالعمليات الإرهابية هم من المتطرفين، وقامت الجزيرة عبر سنوات طويلة بمنح المتطرفين منبرا على منصتها، بينما وسائل الإعلام الحقيقية لا تمنح منصة للإرهابيين للظهور عليها”.

18