الرشاوى تنغص الجولة الأولى من انتخابات البرلمان المصري

الحكومة تتحصن بمحاسبة المشاركين لتخفيف تأثيرها في الجولة الثانية.
الأحد 2020/11/01
الفساد المالي يهدد نزاهة الانتخابات المصرية

القاهرة - ضبطت وزارة الداخلية المصرية وقائع توزيع رشاوى انتخابية خلال الجولة الأولى من انتخابات البرلمان، وأعلنت القبض على خمسة أفراد تورطوا في توزيع المال السياسي على الناخبين، في وقت رصد فيه المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) توزيع أموال على الناخبين في محافظات متعددة.

وتعلن الهيئة الوطنية للانتخابات النتيجة الرسمية للجولة الأولى، الأحد، وتشمل 14 محافظة، على أن تجري المرحلة الثانية يومي 7 و8 نوفمبر، في 13 محافظة.

أدركت دوائر رسمية أن مسألة التغطية على التجاوزات التي شهدتها المرحلة الأولى والتي انتهت، الأحد الماضي، لن تكون ممكنة بعد أن اكتظت مواقع التواصل الاجتماعي بصور تداولها نشطاء لمرشحين يوزعون الأموال والسلع الغذائية بشكل علني، وظهرت بكثافة بالقرب من اللجان الانتخابية.

وتورطت النائبة السابقة مي محمود، التي ترشحت لعضوية مجلس النواب عن دائرة المنتزة بمحافظة الإسكندرية في فضيحة توزيع رشاوى انتخابية على المواطنين في دائرتها للتصويت لصالحها، وسعت لشراء أصوات الناخبين بتوزيع الكراتين والأموال عليهم من قبل أعضاء حملتها، بحسب بيان لوزارة الداخلية المصرية.

يشكل توزيع الرشاوى الانتخابية ظاهرة قديمة في مصر، لكنها لم تكن سافرة وبالقرب من لجان الاقتراع، وفي كثير من المرات كانت الأجهزة المشرفة على الانتخابات تغض الطرف عنها، طالما أن هناك انضباطاً داخل اللجان التي تشهد تأميناً مكثفاً من قبل قوات الأمن، في حضور القضاة المشرفين على عملية الانتخابات.

أكدت البعثة الدولية لمتابعة انتخابات مجلس النواب، خلال مؤتمر صحافي عقدته، الثلاثاء، أن التجاوزات التي رصدها متابعو البعثة لا ترقى لأن تكون سببا للطعن في نزاهة العملية الانتخابية، وما جرى من تجاوزات بمحيط اللجان الانتخابية كان ناتجا عن عدم وعي أو جهل بالقواعد المنظمة للعملية الانتخابية.

لم تشهد الجولة الأولى من انتخابات مجلس النواب المصري إقبالا كثيفا في عمليات التصويت بسبب كورونا والعزوف التقليدي، وحاول عدد من المرشحين حث الناخبين على الاقتراع عبر اللجوء لوسائل مادية مباشرة للفوز.

يرى مراقبون أن اعتراف وزارة الداخلية ومنظمات حقوقية رسمية بوجود تجاوزات والإعلان عنها يرجع إلى رغبة الحكومة في تحاشي الانتقادات، والخروج بانتخابات تحظى بقدر من الرضاء في ظل حالة التململ السياسي الراهنة.

أرادت الحكومة من وراء اعترافها الإيحاء بأن حالات الرشاوى فردية وليست جماعية، ونفي وجود مصلحة سياسية في وصول هذا المرشح أو ذاك، لأن هناك إطارا عاما ومحكما تجري فيه الانتخابات.

وتمكنت الحكومة من هندسة المشهد السياسي بطريقتها، وسدت جميع الثغرات التي من الممكن أن ينفذ منها تنظيم الإخوان، أو معارضون متطرفون، وأفسحت المجال أمام أحزاب عدة للتمثيل عبر تواجد ممثلين لها في “القائمة الوطنية من أجل مصر”.

اعتراف وزارة الداخلية ومنظمات حقوقية رسمية بوجود تجاوزات والإعلان عنها يرجع إلى رغبة الحكومة في تحاشي الانتقادات

ويرى معارضون أن استخدام المال لم يكن فقط أمام اللجان، وهناك ممارسات سلبية قام بها حزب “مستقبل وطن”، القريب من الحكومة، أسهمت في زيادة الرشاوى بعد أن أفسح المجال أمام عدد من رجال الأعمال للترشح على قوائمه، ما أعطى انطباعاً بأن المال هو الطريق الأسهل للحصول على مقعد في البرلمان.

وقال السياسي المصري ونائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، عبدالغفار شكر، إن الظروف التي تصاحب الانتخابات في مصر لم تتغير، غير أن البلاد تمر بتحديات حساسة في هذا التوقيت، فرضت على أجهزتها التدخل لضبط المشهد العام والحد من التجاوزات التي تمثل تهديدا للأمن القومي.

وتسعى الحكومة إلى تخفيف حدة الاتهامات الموجهة إلى المجالس التشريعية بشأن ضعفها أو عدم جدواها، وتدفع إلى الارتكان عليها كمتنفس للمعارضة، بحيث تأخذ طابعاً رسمياً تحت قبة البرلمان، وتدرك أن وجود مجلس نيابي لا يحظى بقدر من قبول المواطنين يُضاعف من الصعوبات التي تواجهها للحفاظ على الاستقرار الداخلي.

وتتحسب الحكومة من الغضب الناجم عن هذه الانتخابات، وتتخوف من استغلال البعض لها للنيل من صورة نظام الحكم، لذلك تحاول أن تمنحها شكلا نزيها.

وأضاف شكر لـ”العرب”، أن جهات حكومية سعت لتجميل صورة الانتخابات بإفساح المجال أمام كوادر في المعارضة للانضمام إلى “القائمة الوطنية”، ولم تلتفت إلى الأوضاع العامة للأحزاب، التي لا تستطيع التحرك في الشارع، وأن تضييق الخناق على المال السياسي يتطلب الحياد الكامل من قبل الأجهزة الرسمية تجاه الأحزاب المختلفة، وليس مجرد التعامل المباشر مع الوقائع المضبوطة.

وأشار إلى أن الأحزاب القوية من المفترض أن تواجه المال على الأرض، ومسؤوليتها إبلاغ السلطات لضمان وجود انتخابات شفافة، غير أن الذي يجري عكس ذلك لأن الأحزاب جميعها ضعيفة، ولن تستطيع أن تصل إلى البرلمان عبر شفافية صناديق الاقتراع، ما يجعلها تشارك في التجاوزات بأشكال مختلفة.

وكشف المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن أغلب المخالفات التي شهدتها انتخابات البرلمان في المرحلة الأولى ترتبط بممارسة نوع من التوجيه لصالح مرشح بعينه أمام اللجان، ووجود دعاية انتخابية بالمخالفة لقرارات الهيئة الوطنية للانتخابات، وقيام بعض الأحزاب بتوزيع كراتين غذائية وأموال على الناخبين.

وأكد مراقبون أن المال السياسي في المناطق التي تشهد عصبيات قبلية يجعل الحكومة أكثر حرصاً على التعامل معه بحسم في جولة الانتخابات الثانية، لأن وصول رجال أعمال غير معروفين في تلك المناطق يؤدي إلى حالة غضب لدى فئات تعول عليها الحكومة في مساندتها.

ولعب اتساع المساحات الجغرافية للدوائر الانتخابية دورا في انتشار ظاهرة المال بغزارة، لأنه لم تكن هناك فرصة مناسبة للدعاية الانتخابية إلى جانب غياب الوعي السياسي، الذي أفسح المجال أمام جذب الناخبين بالرشاوى.

واعتبر رئيس حزب الحركة الوطنية، اللواء رؤوف السيد، غياب السياسة سبباً مباشراً في محاولات تزوير إرادة الناخبين بالرشاوى، لأن معايير اختيار النواب غابت بعد أن اختفت الكوادر الحزبية من الشارع، ومن الصعوبة أن يكون هناك تغيير في طريقة إجراء الانتخابات طالما أن الثقافة السياسية لم تتغير، وظلت معدلات الفقر مرتفعة.

وأوضح لـ”العرب”، أنه لا يمكن تحميل الأحزاب مسؤولية الوضع الراهن لأن هذه الممارسات يقوم بها مرشحون استغلوا الأوضاع الاقتصادية الصعبة في الوصول إلى البرلمان عبر الأموال، ويقع التعامل مع الوقائع بسرعة وحسم على عاتق اللجنة المشرفة على الانتخابات، وعليها تشديد الإجراءات التنظيمية في الجولة الثانية، وخلال جولات الإعادة التي سوف تشتعل فيها المنافسة بشكل أكبر.

4