أزمة وزير الإعلام المصري مع الصحافيين بالون اختبار لتقليص الحريات

لم تصل المحاولات لحل الأزمة المتفاقمة بين وزير الدولة للإعلام بمصر أسامة هيكل مع الإعلاميين الذين شنوا هجوما كلاميا حادا عليه لأي نتيجة بل على العكس بدت المساعي خالية من الجدية وخصوم الوزير يستندون إلى أذرع قوية في الدولة تدعمهم للإصرار على موقفهم والمطالبة باستقالته.
القاهرة - فشلت مساعي نزع فتيل الأزمة بين وزير الدولة للإعلام في مصر أسامة هيكل والصحافيين الرافضين لسياساته والمطالبين باستقالته، حيث أخفق الطرفان في الجلوس على طاولة الحوار لمناقشة المشكلات ومحاولة حلها، رغم مبادرة هيكل للدعوة إلى الاجتماع، وهو ما يراه الصحافيون مبادرة خالية من الجدية ومجرد التزام بأوامر عليا.
وظهرت ملامح فشل الاجتماع قبل بدئه حيث انسحب عدد من الصحافيين الذين وجهت لهم الدعوة للقاء الوزير في مكتبه الأربعاء، قبل الجلوس على الطاولة، وبقي عدد آخر أملا في إدارة حوار بناء، فيما انسحب آخرون بعد الجلوس بقليل، بمجرد علمهم أن الكاتبة الصحافية فاطمة سيد أحمد، وعضو هيئة الصحافة، مُنعت من دخول مقر الوزارة بتعليمات من هيكل.
وسادت الفوضى، وانفض الاجتماع قبل إتمام مهمته، وازدادت الأوضاع سخونة، حيث وجّه كل طرف الاتهام للثاني بالمسؤولية عن الفشل، وبدا أن هناك عدم استعداد للتفاهم بين الطرفين.
ونشر موقع وزارة الإعلام على فيسبوك، مساء الأربعاء، صورا تشير إلى أن الوزير اجتمع مع عدد محدود من الصحافيين والإعلاميين في مكتبه، وتمت مناقشة الأزمة، غير أن عددا ممن التقى بهم كشفوا أن الحوار لم يكن بناء، وتحدث بعضهم مع فضائيات مصرية بطريقة تثبت أن لا شيء تغير بعد اللقاء.
وجاءت دعوة هيكل للحوار والمصارحة مع من هاجموه، الثلاثاء، عقب حضوره حفل تخريج دفعة جديدة من طلبة الكلية الحربية، الذي ألقى فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي كلمة تعرض فيها للشائعات ومروجيها.
وأوحى الوزير أن دعوته جاءت استجابة لكلام السيسي، بما يشي أن هناك أوامر طالبته باحتواء الأزمة سريعا ومنع تفاقمها سياسيا وإعلاميا، غير أن خصومه تعاملوا مع الدعوة بقدر من الفتور، واستغل بعضهم سوء الفهم الذي حدث مع زميلة لهم للانسحاب من الاجتماع المقرر.
وكشفت التداعيات الليلية للاجتماع عن عدم وجود رغبة في التوصل لتفاهمات مشتركة، بحسب أحاديث إعلامية متناثرة لأطراف الأزمة، وبدا الوزير في مربع وباقي الإعلاميين الذين اشتبكوا معه في مربع آخر.
ويقول مراقبون، إن هناك نية سياسية مبيتة لعدم الحل، والاحتفاظ بالخيوط مشدودة من قبل كل طرف، فالدعوة التي وجهها الوزير جاءت على عجل ومن خلال صفحة وزارته على فيسبوك، وهو ما اعتبر دليلا على عدم الاستعداد للحوار الشفاف والنزيه.
وكتب عدد من الصحافيين الذين وجهت لهم الدعوة على صفحاتهم الخاصة رواية واحدة تقريبا تحمل إدانة صريحة لهيكل، وعدم رغبة في الحوار أصلا، مع تصميم على مغادرته لمنصبه، وهي من المرات النادرة التي يستفحل فيها الخلاف بين مسؤول كبيرة وشريحة من الإعلاميين.
وتعد هذه أول مرة منذ سنوات يتعامل فيها إعلاميون بمصر مع وزير في الحكومة بهذه الجرأة، التي وصلت إلى حد التطاول، ما يضفي على الأزمة أبعادا تؤكد تباعد وجهات النظر بين جهات حكومية، وقد يذهب ضحيتها وزير الدولة للإعلام.
أول مرة منذ سنوات يتعامل فيها إعلاميون بمصر مع وزير في الحكومة بهذه الجرأة التي وصلت إلى حد التطاول
واستغلت قنوات تابعة للإخوان تبث من تركيا أزمة الوزير هيكل للحديث عن صراعات داخل النظام المصري حول إدارة ملف الإعلام وغيره، وهو ما جعل خصوم هيكل يتهمونه بـ”الأخونة المستترة”، أي الانتماء لجماعة الإخوان، في محاولة لحرقه سياسيا، وفقدانه أي تعاطف ممكن في الداخل مع استمرار حملات توبيخه.
ولم يلتفت هؤلاء إلى تاريخ الرجل ومواقفه ضد الإخوان وتأييده المستمر للجيش، ولم ينتبهوا إلى خطورة التراشقات في هذا الملف بالنسبة للنظام الذي يخوض معركة ضارية ضد الجماعة، حيث ترتد عليه القذائف الإعلامية وتتحول إلى سياسية.
ويفسر دخول الأزمة في هذا النفق السرعة التي حاول بها هيكل معالجة الموقف قبل أن يستفحل ويتحول إلى معضلة يصعب السيطرة عليها، حيث تركت المشكلة وبقي منها الحديث عن الإخوان وفلولهم، بما يحمل تشكيكا كبيرا في الجهات التي اختارت هيكل أو أوصت رئيس الجمهورية بتعيينه.
وقدمت الأزمة تبريرات منطقية لسوء الأداء الذي يلازم الإعلام المصري في السنوات الماضية، حيث تتنازع بعض الجهات الاختصاصات، ما انعكس سلبا على المستوى، وقاد إلى النتيجة التي أصبح عليها الإعلام، للدرجة التي دفعت الرئيس المصري إلى توجيه انتقادات حادة له في مرات عديدة، ومع ذلك لم يتحسن المضمون.
وجرت محاولات تطوير كثيرة من أجل الإصلاح، غير أنها لم تسفر عن نتائج ملموسة، لأنها اقتصرت على الشكل دون المضمون، وعجزت عن تقديم رؤى مهنية راقية، ودارت في فلك منظومة تقليدية لم تدرك حجم التغيرات الحاصلة في الإعلام الجديد.
ويشير متابعون إلى أن فشل لقاء هيكل مع الإعلاميين، يؤكد أن خصوم الوزير يستندون إلى أذرع قوية في الدولة تدعمهم، الأمر الذي منحهم مناعة سياسية من المساءلة أو الردع، وأن ثمة جهات خفية تشرف على إدارة الأزمة ولا تريد حلها، بل ربما تطرب لتداعياتها الإعلامية داخليا وخارجيا.
وظهرت تطورات كثيرة تؤكد أن وزير الدولة للإعلام لا يستطيع السيطرة على جهاز التلفزيون الرسمي، حيث شن أحد مقدمي البرامج فيه (وائل الإبراشي) هجوما حادا عليه، وقدمت نقابة الإعلاميين شكوى ضده تفيد بعدم صلاحيته المهنية والسياسية.
ويعجّل استمرار الأزمة بضرورة تدخل جهات عليا، لأنها بدأت تنحرف عن مسارها ولم تحرز الهدف من استثمارها في الإيحاء بأن هناك تنفيسا سياسيا في مصر، وكشفت عن صراع يمكن أن يقلب الكثير من التوزانات، بما يتجاوز المشهد الإعلامي.
ولفتت بعض المصادر لـ”العرب”، إلى أن الفوضى الطاغية على الأزمة تمنح الجناح المتحفظ على فكرة إدخال إصلاحات سياسية الفرصة لتقويض الأمر قبل تحوله إلى واقع، فهؤلاء صحافيون ومثقفون، وهذا وزير دولة للإعلام، يديرون خلافاتهم على طريقة صراع الديوك، فما هو الموقف مع المواطنين العاديين، إذا أتيحت لهم الفرصة لممارسة الحرية في أجلى صورها؟
من المرجح أن ينتهي الخلاف بالعودة إلى المربع صفر، فقد أثبتت أزمة أو “بروفة” وزير الإعلام والصحافيين صعوبة القبول بالمزيد من الحريات في مصر، وهو ما يعطي لصانع القرار الفرصة لإجهاض هذا المنحى قبل أن يتحول إلى واقع.
وأصبح أصحاب اتجاه الرفض يمتلكون الحجة على أن الرضوخ لنصائح تسويق شكل إعلامي ديمقراطي في البلاد لمغازلة جهات غربية يمكن أن يقود إلى فوضى عارمة.