التغييرات الإقليمية تفرض على الأردن البحث عن دور جديد له يبرّر وجوده

النظام السياسي في الأردن أمام تحديات كبيرة للعثور على مخرج أو وضع خطة تغيير.
الثلاثاء 2020/10/06
المشي وحيدا في هذا الوضع الصعب

عمان - قالت مصادر أردنية مطلعة إن استقالة الحكومة الأردنية برئاسة عمر الرزاز وإن أتت في سياق تطور طبيعي يفرض نفسه بعد قرار العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني القاضي بحل مجلس النوّاب الذي انتهت ولايته الدستورية ومدتها أربع سنوات، إلا أن الاستقالة والانتخابات تأتيان في توقيت سياسي حرج بالنسبة إلى الأردن.

وأشارت المصادر إلى أن التململ الشعبي الذي سبق تأثيرات كورونا والذي تزايد مع دخول البلاد حالة من الشلل الاقتصادي، يضع النظام السياسي في الأردن أمام تحديات كبيرة للعثور على مخرج أو وضع خطة تغيير تتيح له تقديم بعض الحلول للأردنيين تتجاوز التجاوب مع طلبات صندوق النقد الدولي.

ونجا الأردن من سلسلة من الأزمات الكبرى الإقليمية بفضل تدخل قوى إقليمية لدعمه سياسيا أو اقتصاديا في مراحل حرجة، مقابل أدوار لعبتها القيادة الأردنية خلال السنين الماضية، سواء من ناحية إيجاد التوازنات الإقليمية بوجود العراق في أكثر من أزمة وحرب، أو من خلال دور العازل والوسيط في المواجهة مع إسرائيل، أو عبر لعب دور البلد الذي يستطيع إحداث توازن في العلاقات مع سوريا.

وركزت المصادر على ضرورة تمكن المملكة الأردنية الهاشمية من إيجاد دور جديد لها في ضوء التغييرات الإقليمية من جهة والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها المملكة من جهة أخرى.

وشدّدت على أن هذا الدور مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى المملكة الهاشمية نظرا إلى أنه يشكّل مبررا لوجودها منذ تأسست إمارة شرق الأردن.

وأوضحت هذه الأوساط أن التغييرات ذات الطابع الإقليمي خلقت سلسلة من التحديات بعدما فقد الأردن دوره التقليدي كجسر أو قناة تواصل سرّية بين إسرائيل ودول الخليج العربي أو كمنطقة عازلة بين إسرائيل ودول الخليج.

فبعد توقيع اتفاقي التطبيع بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين مع إسرائيل، لم تعد هناك حاجة إلى وسيط أردني من أي نوع مع هاتين الدولتين، في حين كانت قطر قد استغنت منذ فترة طويلة عن الدور الأردني بعدما أقامت علاقات من النوع الوثيق جدا مع إسرائيل منذ عام 1996.

أمّا السعودية فباتت لديها قنواتها الخلفية الخاصة مع إسرائيل في ظلّ العلاقة الوثيقة بين وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان من جهة والرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر من جهة أخرى.

وتشدّد هذه الأوساط على أن أهم ورقة فقدها الأردن هي العراق الذي كان مصدر مساعدات كبيرة للأردن في عهد الرئيس الراحل صدّام حسين، خصوصا لجهة تزويده المملكة الهاشمية بكميات كبيرة من النفط كهبات أو بأسعار رخيصة.

وفي يوليو الماضي، علق العراق إمدادات النفط الخام اليومية المنقولة برا على متن الشاحنات إلى الأردن بسبب التراجع الحاد في أسعار النفط.

وأكثر من ذلك، صار العراق حاليا سوقا كبيرة للمنتجات الإيرانية والتركية ولم يعد هناك رواج للبضائع الأردنية فيه بسبب فقدان قدرتها على منافسة البضائع التركية والإيرانية.

واعتبرت هذه الأوساط أنّه على الرغم من كلّ النوايا العراقية الحسنة، بدليل انعقاد قمّة عراقية مصرية أردنية في عمان قبل أسابيع قليلة، فإنّ العراق لم يعد في وضع يسمح له بتقديم أي مساعدات للأردن.

وأفقد هذا الوضع المملكة الهاشمية ورقة في غاية الأهمّية كانت تستخدمها لإقامة نوع من التوازن مع دول الخليج العربي.

تحديات من مختلف الاتجاهات
تحديات من مختلف الاتجاهات

ورأت الأوساط نفسها أن ما زاد الوضع الأردني صعوبة هو شعور إسرائيل نفسها بأنّ دور المملكة الهاشمية تقلّص على الصعيد الإقليمي، بما في ذلك فلسطينيا، في ظلّ الضعف الذي تعاني منه السلطة الوطنية برئاسة محمود عبّاس (أبومازن) وصعود حماس واستمرار سيطرتها على قطاع غزّة منذ عام 2007 وتحوّلها إلى مجرد أداة تستخدمها تركيا وإيران في الوقت ذاته.

وزادت الأوساط التي تتابع الوضع الأردني أن المملكة الهاشمية لم تستطع إيجاد دور لها في سوريا على الرغم من أنّها تؤوي نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري.

ولاحظت أن هناك لاعبين كبارا أهمّ بكثير من الأردن في الجنوب السوري الذي تربطه علاقات تاريخية بالأردن، لكن التدخّل الإيراني، عبر حزب الله في تلك المنطقة، التي تراقبها إسرائيل بدقّة، ثم التدخل الروسي، جعلا الأردن يتخذ موقفا في غاية الحذر حيال كلّ ما يجري في الداخل السوري حيث تفضّل إسرائيل التنسيق مع روسيا بدل التنسيق مع الأردن.

وعول الأردن لعقود على تحويلات الأردنيين في الخليج وعلى المساعدات السخية لدول الخليج والعراق في دعم ميزانيته، لكن الأزمات المالية التي تمر بها المنطقة دفعت إلى تراجع التحويلات وتوقف الدعم الذي تقدمه الدول إلى الأردن.

وخلصت هذه الأوساط إلى الاعتراف بأنّ مؤسسات الدولة الأردنية لا تزال صلبة.

وأعطت دليلا على ذلك تمكنها من استيعاب الاضطرابات ذات الطابع الاجتماعي الناجمة عن الأزمة الاقتصادية الحادة، إضافة إلى تعاطيها الفعّال إلى حد كبير مع انتشار وباء كورونا.

وتعمل عمان على تطويق الخسائر الناجمة عن الوباء والتي تتطلب سنوات من معالجتها، وخاصة في قطاعات حيوية بالنسبة إلى البلد مثل قطاع السياحة، وما تخلفه هذه الخسائر على وضع الأردنيين المعيشي.

لكن هذه الأوساط شددت على أن مثل هذا النوع من النجاحات لا يغني عن تجاهل التحدي الأكبر المتمثّل في القدرة على إيجاد دور جديد للأردن في منطقة تغيّرت فيها كلّ المعطيات تقريبا.

1