الأسماء الخمسة ليست خمسة

في بداية المرحلة الثانوية، خريف 1981، تسلمنا كتاب “القواعد الأساسية في النحو والصرف”، ولا أزال محتفظا بنسخته، وفيها الأسماء الخمسة: أب، أخ، حَم، فو، ذو. تُعرب بالحروف، فالواو للرفع، والألف للنصب، والياء للجرّ. ثم اكتشفت، بعد هذا العمر، أننا ضحايا خدعة قديمة هدفها صيانة أخلاقنا من شرور اسم سادس كان أخا لهذه الأسماء، وحُكم عليه بالنفي، وتم محو ذكره.
مصادفة الاكتشاف جاءت في حوار عابر مع صديقة غير مصرية قالت شيئا عن “الأسماء الستة”، فنسيتُ موضوع الكلام، ونبهتها إلى أن الأسماء خمسة، فقامت بإحصائها، وكانت ستة. ونقلت دهشتي إلى أستاذة في جامعة القاهرة تدرّس اللغة العربية منذ أكثر من ستين عاما، فسألتني: الأسماء “خمسة”، فكيف تكون ستة؟ قلت إنهم خارج مصر يعتبرونها ستة، خمسة مصريين وسادسهم “هَنْ”. ثم بحثتْ وقالت: “عندك حق، كيف فاتنا ذلك؟”.
أضع هذا الاختلاف بجوار زميله الأكثر حيرة، حرف “G”، ويجسد رسمه العربي معضلة تتخذ خمسة أشكال: “ج” مصرية، “غ” في معظم الدول العربية، “ك” في العراق وسوريا، “گ” في المغرب، “ق” في تونس. نزاع مرجعيته الكبرياء الوطنية ومواريث الترجمة، ولم تفلح مجامع اللغة العربية خلال تسعين عاما في إنهائه. أما أزمة “هَنْ”، الأخ المنبوذ للأسماء الخمسة، فتتعلق بالوصاية على الدارسين، ووقايتهم من الزلل، فتسهل التضحية بالمعرفة؛ تفاديا لانحراف غير موجود إلا في أخيلة مريضة لواضعي المناهج، بسبب حرفين.
راجعت المعجم الوسيط. الهَنُ: الشيء. والهَنُ كناية عن الشيء يُستقبح ذكره. وتمنيت لو كان أستاذ علم اللغة الدكتور أحمد مختار عمر حيّا لأسأله، كما كنت أفعل. ثم أسعفني منجزه الأخير، “المكنز الكبير”، وفي مادة عضو الأنوثة، صفحة 918، أورد سبعة أسماء آخرها “هَنْ”. وبعد انفجار معرفي أتاحته الإنترنت، لم يكن لقاموس المعاني الإلكتروني ليتجاهل الأمر، فأمسك العصا من المنتصف، وذكر أن الهَن هو الشيء، “كناية عما يستقبح ذكرُه من أعضاء الإنسان، وقد يلحق بالأسماء الخمسة”.
حتى الإنصاف الإلكتروني لم يمنح “هَنْ” أهلية كاملة لاكتساب الجنسية مع إخوته الخمسة، وأصبح في قائمة “البدون”.
ألجأني الحجر الكوروني الاختياري إلى استعادة شيء من تراث الشعر، فوصلت إلى منبج في سوريا، وإليها ينتسب دوقلة المنبجي، صاحب قصيدة وحيدة عنوانها “اليتيمة”، وفيها يتفنن في تصوير محاسن محبوبته “دعْد”، بألوان مائية خلّدتها، في لوحة تعطي كل عضو حظه من الزهو، وأنصف الاسم السادس ببيتين:
ولها هَنٌ رابٍ مجسّته/ وعر المسالك، حشوه وَقْدُ
فإذا طعنتَ طعنتَ في لبَدٍ/ وإذا نزعت يكاد ينسدُّ.