وثيقة سينمائية عن شباب تونس قبل الثورة وبعدها

المخرجة وداد زغلامي تقدم من خلال عدسة الكاميرا تفاصيل دقيقة لمنطقة جبل الجلود التي تواصل تهميشها مع الحكومات المتتالية لفترة ما بعد الثورة.
الاثنين 2020/09/07
كاميرا تقتحم عالم المهمشين

تونس- من الحياة اليومية لثلاثة موسيقيين شبان بمنطقة فتح الله المحاذية لجبل الجلود بالعاصمة تونس، وجدت المخرجة الشابة، وداد زغلامي، الخيط المميّز لتجربتها الإخراجية لأوّل فيلم طويل في مسيرتها بعنوان “فتح الله تي.في 10 سنوات وثورة لاحقا”، وهو فيلم وثائقي مدّته 80 دقيقة، استمرّت عملية تصويره 10 سنوات (2007-2017).

وتمّ تقديم هذا الفيلم أخيرا بمدينة الثقافة، في عرض خاص بالصحافيين بحضور مخرجة العمل وداد زغلامي واثنين من الشخصيات الرئيسية في الفيلم هما “تيغا بلاكنا” و”بازامان”، كما عرف هذا الفيلم مشاركة المغني حليم يوسفي مؤسس مجموعة “قولتره نظام صوتي”.

تتّبع المخرجة شخصيات فيلمها وهم ثلاثة موسيقيين في منطقة فتح الله المحاذية لجبل جلود بالعاصمة، مسلطة الضوء على أحلامهم وإبداعاتهم وآرائهم وأفكارهم في حقبتين مختلفتين، هما حقبة الدكتاتورية وحقبة الديمقراطية.وعملت وداد زغلامي على تصوير ملامح جانب من أوضاع الشباب المهمّش في منطقة فتح الله، فجابت بعدسة كاميراتها الأنهج والأزقة لهذه المنطقة لتبرز الأوضاع الصعبة للمتساكنين لاسيما فئة الشباب الذين أنهكتهم الفاقة والبطالة، لكنّ ذلك لم يمنع هؤلاء من أن يكونوا حالمين ومبدعين.

تتقاطع شخصيات فيلم “فتح الله تي.في 10 سنوات وثورة لاحقا” في عديد الصفات والأعمال: فهي شخصيات يجمعها حبّها للموسيقى وللفن الذي كان الملجأ الوحيد بالنسبة إليها للتعبير عما يخالجها وجدانيا، فكانت الموسيقى وسيلتها في نقد النظام السياسي السائد قبل الثورة وبعدها. وهذه الشخصيات الثلاث عانت الظلم والاضطهاد ودخلت السجن من أجل مواقفها السياسية ودفاعها عن الحريات.

لقد رصدت عدسة الكاميرا في هذا الفيلم التفاصيل الدقيقة للحي من البنية التحتية المتردية إلى الأوضاع الاجتماعية المتدهورة، وهي صورة سوّق لها نظام ما قبل الثورة على أنها أحياء مزدهرة، وتواصل تهميشها مع الحكومات المتتالية لفترة ما بعد الثورة.

الشخصيات الرئيسية في الفيلم يجمعها حبّها للموسيقى وللفن الذي كان الملجأ الوحيد بالنسبة إليها للتعبير عما يخالجها
الشخصيات الرئيسية في الفيلم يجمعها حبّها للموسيقى وللفن الذي كان الملجأ الوحيد بالنسبة إليها للتعبير عما يخالجها

وكشفت الحوارات التلقائية والعفوية مع أبطال الفيلم والشخصيات الثانوية، أن الشباب لم يعد يثق في النخبة السياسية، بل إن حلمه ظلّ على ما هو عليه قبل الثورة وهو الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، حيث يعتقد أن المعنى الوجودي الذي يبحث عنه موجود في أوروبا.

وأما الأغاني التي يكتبها هؤلاء الشبان ويردّدونها، فهي تعبّر بقوّة عن مأساة فئة هامة من الشعب التونسي تبخّرت أحلامهم بعد ثورة كان قد عقدوا عزمهم وآمالهم فيها بحياة يسودها العدل والرخاء.

ويلاحظ المتابع لفيلم “فتح الله تي.في 10 سنوات وثورة لاحقا” أن لا شيء تغيّر في المنطقة بعد 10 سنوات، وكأن الزمن يُراوح مكانه رغم تواتر الأحداث، إذ لا شيء تغيّر ولا مكاسب تحقّقت لأبناء الحي غير تزايد الفقر والبطالة.

وللتعبير عن جملة القضايا المطروحة، ارتكز الفيلم في خصائصه الفنية على مجموعة من التناقضات؛ هي اليأس والحلم والمشاهد المغلقة والمفتوحة والألم والأمل، وهي ثنائيات وظّفتها المخرجة بإحكام للتعبير عن حالة التمزّق التي يعيشها الشباب التونسي في رحلة البحث عن المعنى، ولئن وجدت الشخصيات الرئيسية في الفيلم معنى لحياتها في الموسيقى والغناء، فإن بقية الشخصيات ما زالت تائهة في شراك التجارة في الممنوعات.

وسيكون لعشاق الفن السابع موعد مع هذا الفيلم في القاعات بداية من يوم الأربعاء 9 سبتمبر الجاري. وكان هذا الفيلم قد سجّل حضوره في عدد من المهرجانات الدولية منها أيام قرطاج السينمائية (2019) ومهرجان السينما الأفريقية بالأقصر والمهرجان الدولي للفيلم الأفريقي بكان ومهرجان عمّان السينمائي الدولي بالأردن وكذلك المهرجان الدولي للفيلم بتوزر حيث حاز على جائزة “العقرب الذهبي”.

14