ثلاث فتيات محبوسات داخل محل ملابس

مسرحية "أحوال شخصية".. قصص مانيكانات تكشف عن واقع القمع والعنف ضد المرأة.
الأربعاء 2020/09/02
كشف أوضاع المرأة المتدنية في المجتمع

لا تنفصل قضايا المرأة وأحوالها عن أوضاع المجتمع وما يموج به من مشكلات وأزمات، إذ تعبّر الأوضاع المتدنية للمرأة عن حالة ذلك المجتمع وترديه الثقافي والحضاري. من هنا تصير قضايا المرأة في العمل الفني شكلًا من أشكال النقد الاجتماعي لتكون الأحوال الشخصية مرآة للأوضاع في صورتها الأعم. وهذا ما نجده في مسرحية “أحوال شخصية”.

تتحول قضايا المرأة العربية إلى سبيل لتحقيق نقد اجتماعي شامل، من هذا المنظور يُمكن فهم العرض المسرحي “أحوال شخصية” الذي قُدِّم مؤخرًا بمصر في إطار مبادرة “عودة الروح” التي أطلقتها وزارة الثقافية المصرية لاستعادة النشاط المسرحي بعد فترة توقفه السابقة.

ومع أن العرض سبق تقديمه في القاهرة، غير أن الثيمة التي قدم بها في المرة الأولى حملت منعطفات تتعلق بتوقيتها، وإسقاطات لها علاقة بما كان دائرا من جدل حول قضايا مجتمعية عديدة، بينما يكتسب هذه المرة بعدا جديدا، من واقع الأجواء التي عرض فيها، وطبيعة المهمة التي جرى استدعاؤه لأجلها.

التمييز ضد المرأة

جاء العرض هذه المرة على مسرح مكشوف في مقابل العرض الأول الذي كان على المسرح التقليدي، واختلفت العديد من خيوط العمل، بدءًا من القصص التي قُلِّصت إلى ثلاث بدلًا من أربع قصص بتفاصيل مُختلفة، فضلًا عن اختفاء الديكور المسرحي تقريبًا، والذي كان له دور فاعل في العرض الأول، فضلًا عن عدم توظيف عناصر الإضاءة في خدمة الفكرة المسرحية فنيًّا واقتصارها على الأغراض الوظيفية فقط، ورغم ذلك تظل فكرة العرض مُعبّرة عن قضية إشكالية، قابلة للتوظيف الفني برؤى مغايرة.

يُفتتح العرض المسرحي “أحوال شخصية”، الذي كتب قصته وأشعاره ميسرة صلاح الدين وأخرجه أشرف حسني، على مانيكانات مُثبتة في أماكنها مع ثلاث فتيات في وضعية ثابتة ليبدأ العمل في سرد قصص محبوسات بشكل فانتازي داخل محل ملابس كمانيكانات، يتطلعن إلى الهروب من محبسهن، ومن سطوة صاحب المحل “الذكر” الذي يحركهن ويلبسهن كما يشاء، لتتجلى منذ اللحظة الأولى قضية المرأة كمحورٍ رئيسي في العرض قبل أن يتحوّل ذلك الإسقاط الفانتازي إلى مباشرة صريحة تنضح بها قصص الفتيات الثلاث.

تبدأ كل فتاة في رواية قصة تحولها إلى “مانيكان”، فالقصة الأولى لفتاة صعيدية، وتحديداً من مركز ملوى، بمحافظة المنيا، جنوب مصر، وبدأت رواية قصتها باستعراض معلومات تاريخية عن منطقتها وتاريخها والأغلبية المسيحية فيها.

وتشرع بعد ذلك في التعبير المباشر عن حالات القهر التي تتعرض لها الكثير من السيدات في جنوب مصر، بداية من التمييز ضدها منذ ولادتها وتفضيل الأخ الذكر عليها رغم فشله التعليمي، ثم حرمانها من استكمال تعليمها رغم كونها متفوقة عليه دراسيا.

العرض ينقد الأفكار البالية التي تقمع المرأة وتحدد مستقبلها البائس دون إتاحة أي فرصة لها للاختيار

ركزت القصة على قضية “الميراث” وحرمان المرأة منه، رغم محاولات والد الفتاة قيادة ثورة على عادات قريته من خلال إقرار توريث ابنته قبل وفاته، وهو ما قوبل بمعارضة شديدة من أهل القرية.

قدّمت الفتاة العديد من التفاصيل عن القرية التي تنتمي إليها وطبيعة تكوينها التاريخي والاجتماعي والكثير من التفاصيل التي بدت بلا داع ولم تخدم فكرة العرض القصير، الذي جاء في أقل من ساعة، لتبدو القصة مُطوّلة في تفاصيل لا داع لها فيما كان من الممكن استغلال مدة رواية الفتاة لما حدث لها في التعبير عن أزمتها النفسية، جراء ما مرّت به وتأثيره على تفكيرها وحياتها الراهنة التي صارت فيها مجرد أداة يتلاعب بها المالك، كأن ذلك الواقع الذي تعيشه بمثابة تجريد لحياتها السابقة.

ورغم أن العرض في فكرته الرئيسية يروم التعبير عن تأثير النظرة المتدنية للمرأة لدرجة تحويلها إلى شيء، إلا أن زاوية السرد تجاهلت تلك الفكرة بدرجة مقبولة.

القصة الثانية التي قدّمها العرض، لفتاة تُدعى عزيزة، وهي الوحيدة التي جاء ذكر اسمها ضمن الفتيات الثلاث، تناولت بشكل رئيسي قضية زواج القاصرات أو الزواج المبكر، من خلال قصة شقيقتها، ثم قصتها هي نفسها في ما بعد.

تسرد الفتاة انعدام الهدف لديها في حياتها السابقة وهو ما جعلها تمضي يومها على الإنترنت، بلا أي معنى تبغي الوصول إليه، وبالصدفة تعثر لدى تصفحها لمواقع الإنترنت على صورة قائدة طائرة شهيرة صارت في ما بعد أول مديرة لمعهد الطيران. لفت نظرها تشابه اسم تلك القائدة مع اسمها “عزيزة”، فأجرت مقارنة بينها وبين الكابتن عزيزة، لتتفكر في ذلك الفارق بين نجاح المرأة في الستينات رغم الظروف التي مرّت بها والظروف التي تقبع فيها المرأة راهنًا.

عبّرت “عزيزة” عن البعض من مآسي الزواج المبكر من خلال قصتها، إذ فوجئت بوالدتها تخبرها بأنها ستتزوج، وفرحت فرحة الأطفال، وذهبت لصديقاتها تكايدهم بينما لم تكن تعلم ماذا يعنيه هذا الزواج، حتى وجدت نفسها في غرفة مع رجل في سن والدها يريد حقوقه الشرعية، فكانت الصدمة لطفلة في مثل عمرها، دفعته عنها وأسقطته قتيلاً.

لم يكن من الممكن أن تجد مُنقذا لها؛ فأختها هي ضحية أخرى لزواج مبكر وأد حياتها، ووالداها قد ارتضيا لها ذلك المصير بسبب يقينهما بأن “الزواج” هو غاية وجودها كفتاة.

أرستقراطية مزيفة

أما القصة الثالثة في العرض المسرحي “أحوال شخصية” فكانت مُختلفة في طبيعتها عن القصتين السابقتين، فإن كانت قصتا “عزيرة” و”فتاة الصعيد” قد استهدفتا نقد الأفكار البالية التي تقمع المرأة وتحدد مستقبلها البائس دون إتاحة أي فرصة لها للاختيار، فإن قصة الفتاة الثالثة تعبر عن قمع المرأة للمرأة رغبة منها في القفز من طبقتها الاجتماعية والخروج عنها والانجراف وراء المظاهر الخادعة وفي مقابل ذلك تتخلى عن أبسط قيم احترام الذات وتقدير الآخر.

الفتاة من أسرة بسيطة، دأبت على أن تتصنع دور المرأة الأرستقراطية، رغم نصائح والدتها بأن تتقبل وضعها ولا تتصنع غيره، لكنها تستمر في تصنعها إلى أن تنجح في الزواج من رجل ينتمي إلى الطبقة الغنيّة، تتغير حياتها معه، وتضطر لاستكمال ممارسة الزيف ونبذ حقيقتها، فتسيء معاملة والدتها، التي يذكرها وجودها بحقيقتها، إلى أن تختار إلقاء والدتها في الشارع لشعورها وزوجها بالعار منها، وتعيش الأم في الشارع وتمتهن التسول إلى أن تعلم الفتاة بوفاتها وتندم على ما اقترفت في حق أمها.

تبدو القصة الثالثة، رغم ما تهدف إليه من التعبير عن قمع المرأة للمرأة، خارج سياق فكرة المسرحية لاسيما وأن السبب الذي دفع الفتاة لاضطهاد والدتها وإساءة معاملتها لا يتعلق بتلك المفاهيم المغلوطة والموروثة التي تتسبب في إطالة أمد القمع والقهر للمرأة، وربما كان من الأفضل أن يأتي التعبير عن تلك الفكرة على سبيل المثال من خلال اضطرار امرأة لقمع ابنتها من خلال إلزامها بما أُلزِمت هي به لأنها غير قادرة على الخروج من أسر التقاليد التي عاشت في كنفها.

لم يتجاوز العرض فكرة تقديم النماذج الثلاثة وهو ما جعل العمل بسيطًا في تنفيذه، فلم تكن ثمة حاجة إلى تغيير في الديكور الذي اقتصر على المانيكانات على خشبة المسرح،

ولم تستخدم الإضاءة في التعبير المسرحي واقتصرت على توجيه الانتباه وبؤرة الضوء إلى الفتاة المتحدثة وقصتها.

وكانت الأغنيات المُصاحبة للعرض والمُذيّلة لكل قصة من النقاط الإيجابية في العرض والتي أسهمت في تركيز الفكرة وتوضيحها بشكل جذّاب.

14