الإقطاعيات الطائفية تبتلع أصوات الأقليات اللبنانية

اللبنانيون أمام تحدي إيجاد صيغ جديدة للنظام السياسي كطوق نجاة من الأزمة الحالية.
الاثنين 2020/08/31
لم يبق غير الدعاء للبنان

تحدّيات تعصف بلبنان من كل حدب وصوب وتهدّد بتحويله إلى ركام، فيما الزعامات الطائفية التقليدية شغلها الشاغل تكريس تموقعها ولم لا تعزيزها مع حديث متواتر عن بحث في صيغ جديدة للنظام، وفي غمرة ذلك تبدو الأقليات العرقية والدينية في هذا البلد غائبة عن المشهد.

يحتفل اللبنانيون غدا الأول من سبتمبر بذكرى مئوية لبنان الكبير، ولسان حالهم يردد ماذا تبقى من هذا الكيان الذي نخرته الإقطاعيات السياسية وحولته إلى أشبه بكانتونات طائفية، يعشّش بين زواياها الفساد والهدر والإهمال لتكون المحصلة انهيارا اقتصاديا وماليا فاقمه انفجار بيروت المدمر قبل أكثر من ثلاثة أسابيع ليحصد معه عشرات الضحايا ويشرّد الآلاف ويشوّه وجه “عروس المتوسط” بيروت.

لبنان الكبير الذي أعلن الجنرال الفرنسي هنري غورو قيامه من شرفة قصر الصنوبر في بيروت في مثل هذا التاريخ من عام 1920، لم يكن مجرد ضمّ لمناطق جغرافية متصلة إلى متصرفية جبل لبنان، بل حمل معه تنوعا طائفيا وعرقيا نادرا (18 طائفة) استتبعته أحلام ببناء ديمقراطية تعددية ونظام اقتصادي ومالي نموذجي ما بعد الاستقلال (1943).

مع مرور السنوات تداعت هذه الأحلام تدريجيا لتتحول هذه الفسيفساء البشرية “من نعمة إلى نقمة”، في ظل صراع بين الطوائف لاسيما بين الأقطاب الثلاثة، السنة والشيعة والمسيحيين الموارنة، وبدرجة أقل الدروز ليبلغ في فترات حد الصدام المباشر، فيما ظلت باقي الطوائف، من روم أرثوذكس وكاثوليك وأرمن (أرثوذكس وكاثوليك) وإنجيليين ولاتين وكلدان وسريان وآشوريين وأقباط، وعلويين..، على الهامش تناضل للحفاظ على وجودها في ظل هذا الفضاء المشحون.

ولضمان استمراريتها اضطرت بعض تلك الأقليات الطائفية للتحالف مع تلك الجهة وأحيانا أخرى الانضمام إلى الجهة المقابلة، فيما فضّلت الغالبية البقاء على الحياد، وكان لكل خيار أثمانه، لاسيما خلال الحرب الأهلية بين 1975 و1990، التي كان البعد الإقليمي حاضرا فيها وبقوة، وقد انتهت تلك الحرب باتفاق الطائف الذي كرّس هيمنة الثالوث “السنة والشيعة والموارنة” على السلطة مع اختلاف الدرجات، في مقابل إسكات باقي الأقليات بمقعد نيابي من هنا ومنصب إداري من هناك.

الأقليات وتلاشي لبنان

تجد الأقليات الطائفية نفسها أمام تحد أخطر كانت فرنسا الأعلى صوتا في التحذير منه وهو إمكانية زوال لبنان
تجد الأقليات الطائفية نفسها أمام تحد أخطر كانت فرنسا الأعلى صوتا في التحذير منه وهو إمكانية زوال لبنان 

اليوم تجد الاقليات الطائفية في لبنان نفسها أمام تحد أخطر كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأعلى صوتا في التحذير منه وهو إمكانية زوال لبنان ككيان، في ظل اهتراء النظام السياسي الحالي، مع تغوّل الطائفية على حساب الروح الوطنية، وتفشي الفساد لينعكس هذا الاهتراء تدهورا اقتصاديا وماليا لا تعرف كيفية إيقاف نزيفه، لاسيما مع التأثيرات الخارجية التي تهب رياحها على هذا البلد من كل حدب وصوب لتزيد من جراحه.

ردود فعل تلك الأقليات الصغيرة لا تبدو، وفق البعض، على قدر التحديات المفروضة عليها وعلى لبنان عموما خصوصا من قبل مرجعياتها الدينية، التي حصرت تحركاتها في إصدار بعضها بيانات باهتة في معظمها لا تضع الإصبع على الداء، فيما اعتكفت أخرى للصلاة والدعاء للبنان، مع أن ما يجري ستكون تلك الأقليات في مقدمة ضحاياه خصوصا في ظل ما يروج من بحث خلف الكواليس عن صيغ جديدة للنظام السياسي سبق أن أشار إليها الرئيس الفرنسي خلال زيارته للبنان عقب انفجار بيروت، والتي أكدها الأمين العام لحزب الله الشيعي حسن نصرالله الذي بات اليوم المتحكم في المشهد اللبناني.

وقال نصرالله في خطاب الأحد “سمعنا دعوة من الرئيس الفرنسي في زيارته الأخيرة للبنان إلى عقد سياسي جديد”. وأضاف “نحن منفتحون على أيّ نقاش هادف في هذا المجال (…) لكن لدينا شرط أن يكون هذا النقاش وهذا الحوار اللبناني بإرادة مختلف الفئات اللبنانية ورضا”.

وكان الأمين العام لحزب الله أشار قبلها بيوم في كلمة خلال مجلس عاشورائي إلى أن “الأميركيين سعوا إلى فتح قنوات اتصال مع الحزب”، و”عُرضت علينا أموال وسلطة وتطوير النظام السياسي لصالحنا، مقابل التخلي عن قضيتنا، ولم نفعل ولن نفعل”.

الحراك الذي ضم مختلف الأطياف بكل تلويناتها الدينية والعرقية، مشهد كسر الحدود الطائفية التي شيدتها الزعامات التقليدية للحفاظ على وجودها

موقف نصرالله من العرض الأميركي والطرح الفرنسي لم يكن من منطلق مبدئي بل أيديولوجي وسياسي في الآن ذاته ذلك أن أيّ صيغة في هذا السياق ستفرض على الحزب لزاما الخروج من جلباب إيران والتمرد على ولاية الفقيه (ما لم يكن هناك اتفاق أشمل تكون إيران طرفا رئيسيا فيه)، كما أن الحزب الشيعي يعي جيدا أن السنة والمسيحيين الموارنة لن يقبلوا بتمرير هذا الطرح وقد يؤدي الأمر إلى مواجهة معهما.

وكان حليف الحزب الماروني التيار الوطني الحر واضحا حينما شدد رئيسه جبران باسيل مؤخرا على أنه لا مجال لتغيير النظام السياسي في هذا البلد دون تحقيق توافق داخلي، مع أن التيار لا يخفي تحفظاته على اتفاق الطائف الذي يرى أنه انتقص كثيرا من حقوق الموارنة لصالح السنة والشيعة، وبالتالي فإن أيّ صيغة مستقبلية يجب أن تضمن إعادة ما يعتبرها “تلك الحقوق المهدورة”.

ولعل التحرك الماروني الأكثر صدى هو ذاك الصادر عن الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي سارع قبل نحو شهر لطرح وصفة الحياد التي كان في أساسها قطع الطريق على أيّ صيغة تأتي على مكاسب الطائفة، وذهب البطريرك الماروني حد التوجه بطلب للأمم المتحدة للضغط لتنفيذ هذه الوصفة القديمة الجديدة.

ولادة جديدة

ضحية نظام طائفي موغل في الفساد
ضحية نظام طائفي موغل في الفساد

بغض النظر عن الحسابات الكامنة خلف الحماسة الدولية لتأسيس عقد اجتماعي ونظام سياسي جديد في لبنان، فالثابت أن النظام الحالي لم يعد قابلا للاستمرارية، ولئن يستنفر الشيعة والسنة والموارنة لمعركة التموقع ضمن هذا التغيير، تبدو الأقليات ومرجعياتها الدينية، وفق بعض الآراء، شبه غائبة عن المشهد ويقتصر بعضها على إطلاق مواقف رمادية من شأنها أن تزيد من حالة ضعفها.

في مقابل هذا الرأي فإن هناك من يعتقد أنه من المجحف تحميل تلك الأقليات التي تم تهميشها سياسيا أكثر من حجمها، وهي إن غابت زعاماتها الروحية فهي حاضرة في الشارع تؤثر وتتأثر سلبا أو إيجابا بحراكه.

ويشهد لبنان منذ أكتوبر الماضي حراك احتجاجيا غير مسبوق نجحت القوى السياسية والطائفية المهيمنة اليوم على السلطة في احتوائه، ساعدها في ذلك تفشي وباء كورونا قبل أن يعود ويتجدد بزخم أكبر عقب انفجار الرابع من أغسطس المدوي الناجم بحسب التحقيقات الأولية عن مواد شديدة الانفجار مخزنة منذ سنوات بطريقة غير سليمة في أحد مستودعات مرفأ بيروت.

هذا الحراك الذي ضم مختلف الأطياف بكل تلويناتها الدينية والعرقية في مشهد كسر الحدود الطائفية التي شيدتها الزعامات التقليدية للحفاظ على وجودها، يشكل بارقة أمل لإمكانية قيام لبنان جديد يتسع للجميع، ويلفظ المحاصصة الطائفية التي أوصلته إلى هذه الحال.

الأقليات الدينية والعرقية في لبنان
  • الدروز يعرفون بالموحدين، وقد سكنوا جبل لبنان وخصوصا قضاءَيْ الشوف والعاليه. ويدير شؤون هذه الطائفة مشيخة العقل، وهي مؤسسة قديمة العهد إلا أنها حصلت على صبغة رسمية عام 1962، ويتنازع اليوم على هذه المشيخة الشيخ نعيم حسن المدعوم من قبل الجنبلاطيين (الزعيم وليد جنبلاط) وناصر الغريب المدعوم من الأرسلانيين (رئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان). لعب الدروز دورا بارزا على مر تاريخ لبنان الحديث، وكانوا كغيرهم من الطوائف مسكونين بهاجس الحفاظ على الوجود، هذا الهاجس تعاظم في السنوات الأخيرة وهو ما يفسر أن زعامتهم السياسية بقيادة جنبلاط كانت الأعلى صوتا واتخذت، إثر تفجر الوضع في لبنان خلال أكتوبر الماضي نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تضرب البلاد، مسافة من العهد الحالي الذي يقوده الرئيس ميشال عون.
  • الروم الأرثوذكس ثانية كبرى الطوائف المسيحية في لبنان بعد الموارنة ورابع أكبر تجمع ديني في البلاد. يتمركزون أساسا في منطقة الكورة شمال لبنان ومنطقة الأشرفية في العاصمة بيروت. ومرجعيتهم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق يوحنا العاشر يازجي (مقره في سوريا).
  • الروم الكاثوليك يُعرفون بالملكيين. كانوا قد انفصلوا عن روما ثم عادوا إليها. وهم يختلفون عن الروم الأرثوذكس بكونهم تابعين عقائديا إلى الفاتيكان. مرجعيتهم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق يوسف الأوّل عبسي.
  • الأرمن الأرثوذكس والكاثوليك هم أقلية عرقية دينية تتمركز في منطقة جبل لبنان والبقاع (بلدة عنجر) ومدينة طرابلس. مرجعية الأرمن الأرثوذكس وهم الأغلبية يمثلها الكاثوليكوس آرام الأول كشيشيان، ومرجعية الأرمن الكاثوليك المحلية هي نرسيس تازايان. يشارك الأرمن في الحياة السياسية في لبنان بحزب يتيم هو حزب الطشناق الذي تأسس عام 1890 في جورجيا في سياق النضال ضد الدولة العثمانية، قبل أن ينشئ طلاب جامعات يسوعية في لبنان أول خلية للحزب عام 1902.
  • السريان الكاثوليك والأرثوذكس من أقدم الأقليات الدينية في لبنان، مرجعية السريان الكاثوليك البطريرك إغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، ومرجعية السريان الأرثوذكس البطريرك إغناطيوس أفرام الثاني كريم.
  • الكلدان والآشوريون وفد أبناء هاتين الأقليتين العرقيتين المسيحيتين من العراق، ويتمركز الكلدان أساسا في العاصمة اللبنانية بيروت، ومرجعيتهم البطريرك مار مار لويس روفائيل الأول ساكو في بغداد، فيما يقطن الآشوريون في بعض مناطق بيروت وجبل لبنان.
  • الإنجيليون هم من سكان لبنان الأصليين، اعتنقوا هذا المذهب عبر الحملات التبشيرية، وأغلبهم موجودون في بيروت، وتحديدا في منطقتي رأس بيروت والأشرفية، مرجعيتهم في لبنان هي القس جوزيف قصاب.
  • العلويون يعود وجود هذه الطائفة في لبنان إلى بدايات الانتداب الفرنسي على سوريا وتحديدا بعد إقامة فرنسا دولة “جبل العلويين” (1920- 1936) على الساحل السوري، الذي يضم آنذاك محافظتي اللاذقية وطرطوس السوريتين وأجزاء من شمال طرابلس اللبنانية. وتتمركز هذه الأقلية اليوم في جبل محسن التابع لمحافظة طرابلس وفي سهل عكار. وقد جرى الاعتراف بالطائفة العلوية في لبنان بعد اتفاق الطائف 1989، وتملك هذه الطائفة تمثيلية في البرلمان اللبناني (2 نواب). مرجعيتهم رئيس المجلس الإسلامي العلوي في لبنان الشيخ محمد العصفور.
  • الإسماعيليون قدموا إلى بلاد الشام من العراق هرباً من السلطة العباسية. وهم أقلية، ولا يتخذون مكانا محددا لإقامتهم. ومرجعيتهم الدينية خارج لبنان.
  • الأقباط الكاثوليك والأرثوذكس تم الاعتراف بالأقباط في لبنان في 1996. مرجعية الكاثوليك من هذه الطائفة الأب أنطونيوس مقار إبراهيم، ومرجعية الأرثوذكس المطران سليم باتير

 

7