بوادر تغيير سياسي في بيلاروسيا لا يتخطى المحاذير الروسية

دفع تصاعد وتيرة الاحتجاجات في بيلاروسيا وتنامي الدعم الأوروبي للمعارضين السياسيين الرئيس ألكسندر لوكاشينكو إلى تقديم بعض التنازلات في مسعى لامتصاص حركة الشارع واستيعاب خصومه. لكن المعارضة غير المتحمسة لمثل هذه المقترحات متمسكة برحيله. ويرى متابعون أن استبعاد لوكاشينكو من عدمه يبقى رهين الموقف الروسي الذي تحدده المصالح الاستراتيجية.
مينسك – خفف رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو الذي يواجه موجة احتجاجات غير مسبوقة على تمديد فترة حكم لولاية سادسة لهجته تجاه المتظاهرين المطالبين برحيله بعد إعلان استعداده لتقاسم السلطة مع المعارضة، وهو أمر كان مرفوضا قبل أيام وذلك على الرغم من الدعم الروسي له.
ويرى مراقبون أن لروسيا المجاورة دورا محوريا في تليين مواقف حليفها البيلاروسي ضمن مساعي استيعاب المعارضة وقطع الطريق على أي تدخلات أجنبية تتحول معها مينسك إلى ساحة مواجهة للقوى الإقليمية.
ومع تصاعد وتيرة التظاهرات يبدو أن مقترحات تقاسم السلطة وإعادة توزيعها لم تعد مغرية، في وقت تلقى فيه المعارضة البيلاروسية دعما أوروبيا وأميركيا تنتقده مينسك وتتوجس منه موسكو التي طرحت التدخل العسكري في بيلاروسيا ضمن خياراتها لحماية حدودها العازلة لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
ويصنف دبلوماسيون التلويح الروسي بالاحتكام إلى القوة العسكرية في بيلاروسيا ضمن خيارات تحذير أعدائها الأميركيين والأوروبيين المتحمسين بقوة للإطاحة بالرئيس الموالي لموسكو. وإلى جانب ضغوط موسكو على لوكاشينكو للقبول باقتسام السلطة مع معارضيه وتجنيب البلاد هزات سياسية حادة، لا يستبعد محللون إجراء الكرملين اتصالات بقادة المعارضة الرئيسيين الذين فروا من البلاد تحضيرا لسيناريو الإطاحة بالرئيس.
ويشير هؤلاء إلى أن ما يهم روسيا الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية في بيلاروسيا بغض النظر عمن يحكم سواء لوكاشينكو أو معارضيه.
ويرجح دبلوماسيون غربيون أن بقاء لوكاشينكو في موقعه الآن أصبح رهين الدعم الروسي له مع اشتداد وطأة الاحتجاجات التي قد تنتهي في نهاية المطاف بعزله.
وفي علامة على تزايد ضعف موقف لوكاشينكو، واجه مقاطعة وهتاف “ارحل” خلال كلمة ألقاها الاثنين أمام عمال في أحد المصانع الكبرى المملوكة للدولة والتي تعد فخر نموذجه الاقتصادي الذي يتبنى النهج السوفيتي وقاعدة تأييده الأساسية.
وقال لوكاشينكو إنه مستعد لتسليم السلطة بعد استفتاء على تعديلات دستورية في محاولة فيما يبدو لتهدئة الاحتجاجات الحاشدة والإضرابات التي تمثل أكبر تحد لحكمه المستمر منذ 26 عاما.
وقدم الرئيس البيلاروسي هذا العرض الذي أكد أنه لا يمكن أن ينفذ تحت ضغط المحتجين، بعد أن قالت السياسية المعارضة المنفية سفيتلانا تيخانوفسكايا إنها مستعدة لقيادة البلاد، معربة عن نيتها تنظيم انتخابات رئاسية جديدة في حال تولت مقاليد الحكم.
وطالبت تيخانوفسكايا السلطات بالإفراج عن جميع المتظاهرين الذين تم توقيفهم الأسبوع الماضي وسحب قوات حفظ النظام من الشوارع وفتح تحقيق مع من أعطى الأمر بالقمع.
والاثنين أعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال عن قمة استثنائية لدول الاتحاد الـ27 الأربعاء بشأن الأزمة السياسية في بيلاروسيا، في وقت قال فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه يتابع الأوضاع عن كثب.
ودعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى “تحقيق معمق وشفاف حول كافة مزاعم ارتكاب تجاوزات لمحاسبة المسؤولين عنها”، حيث انتشرت شهادات كثيرة عن معاملات غير إنسانية في مراكز الاعتقال في بيلاروسيا.
وهددت ألمانيا التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي بتوسيع نطاق عقوباتها ضد مسؤولين بيلاروسيين، بعد العنف الذي قوبلت به التظاهرات المطالبة بتنحي لوكاشينكو في أعقاب إعادة انتخابه المثيرة للجدل.
وأعلن المتحدث باسم المستشارة الألمانية شتفين زايبرت “ننظر باحتمال تمديد العقوبات على مسؤولين آخرين” ما لم يتحسن الوضع على الأرض.
وحض السلطات على التخلي عن استخدام العنف ضد المتظاهرين والإفراج “فورا ودون شروط” عن الموقوفين والبدء “بحوار وطني بين الحكومة والمعارضة والمجتمع بهدف تخطي الأزمة”.
وقرر الاتحاد الأوروبي الجمعة فرض عقوبات على بيلاروسيا على خلفية القمع خلال اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد. وقرروا وضع لائحة بأسماء المتهمين بتنفيذ عمليات القمع في بيلاروسيا، وعرضها على الدول الأعضاء لإقرارها.
وتزايدت الضغوط على لوكاشينكو خارجيا كذلك، حيث أعلنت بريطانيا أنها “لا تقبل نتائج” الانتخابات وتعتزم “فرض عقوبات على المسؤولين” عن قمع تظاهرات الأسبوع الماضي.
ونبهت ليتوانيا من أن بيلاروسيا بدأت تدريبات عسكرية على حدودها، محملة لوكاشينكو مسؤولية تصعيد التوتر منذ الانتخابات.