حماس ونتنياهو المستفيدان من لعبة التصعيد في غزة

التصعيد في غزة يعارض مصلحة حماس ونتنياهو في ظل الأوضاع الإقليمية المتفجرة، والتحديات الداخلية لكليهما.
الجمعة 2020/08/14
بالونات اختبار

غزة - يشهد قطاع غزة تصعيدا عسكريا لا يخلو من حسابات سياسية لكل من طرفي الصراع؛ حركة حماس وحكومة بنيامين نتنياهو، وسط ترجيحات بعدم وجود نية لتجاوز “الخطوط الحمراء” المرسومة، حيث إن انزلاق الوضع لحرب شاملة ليست في مصلحة الجانبين في ظل الأوضاع الإقليمية المتفجرة، والتحديات الداخلية لكليهما.

وتواجه حماس التي تسيطر منذ العام 2007 على القطاع صعوبات مالية كبيرة مع توقف الدعم القطري، فيما يتعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لضغوط سياسية وشعبية، فإن هذا الوضع المأزوم لكليهما يدفعهما إلى خيار التصعيد وإن كان الطرفان سيحرصان على أن يكون ذلك بشكل مضبوط تفاديا لخروج الأمور عن السيطرة، وهو ما ترجم في الأهداف التي تتعرض للقصف والتي على الرغم من أهميتها بيد أنه كان هناك حرص واضح على عدم سقوط ضحايا.

وأعلن سلاح الجو الإسرائيلي الخميس شن غارات جديدة استهدفت مواقع لحركة “حماس” في غزة وقطع إمدادات الوقود، وتقليص مساحة الصيد، ردا على إطلاق بالونات حارقة من القطاع الفلسطيني باتجاه إسرائيل.

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان مقتضب إن “طائرات ومروحيات حربية إلى جانب دبابات جيش الدفاع، شنت غارات على عدة أهداف تابعة لمنظمة حماس الإرهابية في القطاع”، موضحا أنها استهدفت “مجمعا عسكريا للقوة البحرية لحماس وبنى تحتية تحت أرضية ومواقع رصد تابعة لها”.

وتابع أن هذه الغارات جاءت “ردا على إطلاق البالونات الحارقة من غزة باتجاه إسرائيل خلال الأسبوع الماضي”. ولم يعلن عن إصابات من قبل الجانبين.

وفي قطاع غزة، أكد مصدر أمني فلسطيني أن الطيران الإسرائيلي نفذ فجر الخميس أكثر من عشرين غارة، موضحا أنها “ألحقت أضرارا بمواقع لحماس” وبـ”مساكن” لكن “من دون أن تتسبب في وقوع إصابات”.

وأعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية التابعة لحماس إياد البزم في بيان عن “سقوط صاروخ من طائرة إسرائيلية مسيرة على مدرسة ابتدائية للأونروا (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة” فجر الخميس “محدثا أضرارا في المكان”.

وقال البزم “تم إخلاء المدرسة وتعمل فرق شرطة هندسة المتفجرات على إزالة مخلفات الصاروخ واستبعاد الخطر الناجم عنه”.

وأكد الناطق باسم الأونروا في قطاع غزة عدنان أبوحسنة إصابة المدرسة. وقال إن “مدرسة للأونروا تأثرت بإحدى الغارات الإسرائيلية ويبدو أن هناك شيئا لم ينفجر داخل المدرسة”. وأضاف “أغلقنا المدرسة وننتظر نتائج التحقيق لمعرفة الحقائق وحجم الأضرار التي حدثت”، موضحا أنه “على إثر نتائج التحقيقات سيتم إبلاغ كافة الأطراف، ومطالبة من تسبب في ذلك بتحمل المسؤولية”.

رئيس الوزراء الإسرائيلي يواجه أزمة مركبة في ظل احتجاجات شعبية مستمرة، وتصدع ائتلافه الحكومي مع "اليسار الوسط"

وكان مئات الآلاف من التلاميذ الفلسطينيين عادوا السبت إلى مدارسهم في قطاع غزة بعد انقطاع لخمسة أشهر في إطار الإجراءات الوقائية لمنع تفشي فايروس كورونا المستجد.

وشهدت الأيام الأخيرة عودة مكثفة لاستخدام البالونات الحارقة من القطاع ضد المستوطنات القريبة، ما تسبب في اندلاع حرائق في مناطق حرجية، وبدا واضحا أن حماس قد فعلت “هذا السلاح” لإحراج نتنياهو وحكومته، ولاسيما مع قرب انتهاء المنحة القطرية التي كان من المقرر أن تنتهي في مارس الماضي بيد أنه تم تمديدها بطلب من جهاز الموساد الإسرائيلي إلى ستة أشهر وتنتهي الشهر المقبل.

وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية على غرار هيئة البث الإسرائيلية الرسمية “كان” أن جهاز الموساد فعّل في الأيام الأخيرة اتصالاته مع الجانب القطري لاستمرار تقديم الدعم المالي لحماس، لنزع فتيل التوتر الجاري.

وذكر موقع “واينت” أن طائرة إسرائيلية خاصة وصلت الأحد إلى العاصمة الدوحة حيث بقيت 24 ساعة؛ مشيرا إلى أنه لم يتم التأكد من هوية الطائرة وركابها وأسباب زيارتها لقطر، فيما أقرّ رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة محمد العمادي، في تصريحات لوكالة الأنباء القطرية “قنا” بوجود اتصالات مع الجانب الإسرائيلي لتسهيل دخول المساعدات إلى القطاع.

ويقول متابعون ليس حماس فقط المستفيدة من التصعيد الجاري فرئيس الوزراء بينامين نتنياهو الذي يواجه موجة احتجاجات لافتة في الأيام الأخيرة بسبب تعاطي حكومته مع أزمة كورونا، فضلا عن تصدع ائتلافه مع اليسار الوسط بسبب تباينات حول الموازنة العامة، كل ذلك يدفع إلى خيار التصعيد مع القطاع لتخفيف الضغوط عليه وحرف الأنظار عن الأزمة الداخلية.

وإلى جانب الغارات الإسرائيلية المكثفة على القطاع، اتخذت حكومة بنيامين نتنياهو سلسلة من الإجراءات العقابية آخرها وقف إدخال إمدادات الوقود إلى القطاع صباح الخميس.

وكانت هذه الإمدادات والمساعدات الإنسانية مستثناة من إجراءات عقابية كانت إسرائيل فرضتها فجر الثلاثاء وتتمثل في إغلاق معبر كرم أبوسالم التجاري مع غزة لفترة غير محدودة.

وأعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية عن “وقف توريد الوقود إلى قطاع غزة” بسبب “تواصل إطلاق البالونات الحارقة”. كذلك، قلصت إسرائيل الأربعاء مساحة صيد السمك المسموح بها قبالة ساحل غزة.

وقال الناطق باسم حماس فوزي برهوم في بيان إن “التصعيد الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة ومنع وصول الوقود والبضائع سلوك عدواني خطير وخطوة غير محسوبة العواقب يتحمل الاحتلال نتائجها”.

واعتبر برهوم أن الإجراءات الإسرائيلية “تهدف إلى مفاقمة أزمات أهلنا في القطاع المحاصر وشل حياتهم اليومية، فلا يمكن القبول باستمرار هذا الحال عما هو عليه”.

في المقابل هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي الثلاثاء أن “الطرف الآخر سيدفع ثمنا باهظا للغاية على إرهاب البالونات”. وأضاف خلال جولة أمنية في قاعدة سلاح الجو أن “سلاح الجو يعمل على كل الجبهات التي تحيط بدولة إسرائيل ضد التهديدات التي تواجهنا”.

وكان مصدر قريب من حماس أوضح لوكالة “فرانس برس” في وقت سابق، أنّ التصعيد “رسالة” موجهة لإسرائيل لإبلاغها بأنّ الجماعات المسلحة في غزة “لن تبقى صامتة” في مواجهة الحصار و”العدوان” الإسرائيليين.

وظهرت المواد المتفجّرة التي تحملها البالونات والطائرات الورقيّة لأوّل مرّة كسلاح في غزة خلال الاحتجاجات العام 2018، حيث كانت تُطلَق يوميّا عبر الحدود. وأثبتت البالونات والطائرات الورقية المحملة بالمتفجرات أنها تمثل تحديا لمنظومة القبة الحديدية القادرة على اعتراض الصواريخ من غزة.

وتفرض إسرائيل منذ أكثر من عقد حصارا على القطاع الفقير الذي يبلغ تعداد سكانه مليوني نسمة.

2