وقف التسليح الألماني لتركيا يصطدم بالحسابات الاقتصادية

تواصل ألمانيا المنتقدة بشدة لعدوانية تركيا التي تخوض حربا في شمال سوريا، تسليح الجيش التركي على الرغم من إعلانها تسليط عقوبات تحظر تصدير الأسلحة إلى أنقرة، ما يطرح تساؤلات بشأن الدوافع الحقيقية لعدم التزام برلين بتعهداتها.
برلين - عادت إلى الواجهة التساؤلات حول دور ألمانيا في تسليح الجيش التركي على الرغم من الاعتراضات البرلمانية والشعبية للقيام بهذا الدور خلال غزو الجيش التركي لشمال سوريا في عام 2019، إذ حالت الحسابات الاقتصادية دون التزام برلين بتطبيق عقوبات حظر على تسليح تركيا اتخذتها في وقت سابق رفقة دول أوروبية أخرى كفرنسا وهولندا.
ويرى مراقبون أن الجانب البراغماتي الاقتصادي البحت للحكومة الألمانية يقف وراء مواصلة بيع الأسلحة لتركيا خلافا للموقف السياسي المعلن من الأزمة السورية.
ويؤكد هؤلاء أن تركيا هي الدولة الأولى في قائمة الدول التي تصدر لها ألمانيا أسلحة وذخائر ومنظومات دفاعية وهجومية على مستوى العالم، حيث بلغت قيمة صادرات الأسلحة الألمانية عام 2018 إلى تركيا ما يناهز 250 مليون يورو، أي ثلث القيمة الإجمالية للصادرات العسكرية الألمانية خلال نفس العام.
ووصلت قيمة مبيعات الأسلحة الألمانية لتركيا إلى 200 مليون يورو في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2019، بمعدل يجعل هذا العام هو الأكبر بالنسبة لحكم الصادرات العسكرية الألمانية إلى تركيا منذ عام 2004.
وبهذا تصبح تركيا أكبر مشتر للأسلحة الألمانية داخل حلف شمال الأطلسي بصادرات عسكرية تجاوزت قيمتها الإجمالية منذ عام 2000 وحتى 2019 مليارا وسبعمئة وخمسين مليون يورو.
ووفقا لرد على استفسار برلماني تقدمت به النائبة في البرلمان الألماني عن حزب اليسار سيفيم داجديلين، وافقت ألمانيا على تصدير أسلحة بملايين اليوروهات إلى تركيا حتى بعد التوغل التركي في سوريا.
وخلال الفترة الممتدة لتسعة أشهر ونصف الشهر بين بدء التوغل في 9 أكتوبر 2019 وحتى 22 يوليو 2020، أعطت برلين الضوء الأخضر لعمليات تسليم بقيمة 25.9 مليون يورو (30.4 مليون دولار) على الرغم من أنه لم تكن هناك أسلحة قتالية بين هذه الصادرات.
ودخلت القوات التركية شمالي سوريا لمحاربة وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها الحكومة في أنقرة منظمة إرهابية لتفرض الحكومة الألمانية بعد ذلك حظرا جزئيا على تصدير الأسلحة، والذي يطبق فقط على الأسلحة والمعدات العسكرية التي يمكن استخدامها في سوريا.
وأثارت صادرات الأسلحة إلى تركيا الجدل ليس فقط بسبب الهجوم على سوريا، ولكن أيضا بسبب المشاركة التركية في الصراع الليبي.
1 مليار و750 مليون يورو قيمة صادرات ألمانيا إلى تركيا منذ عام 2000 وحتى 2019
ووفقا للأمم المتحدة، فإن تركيا هي واحدة من الدول التي لا تزال لا تلتزم بحظر الأسلحة المفروض على ليبيا، على الرغم من أنها تعهدت بالالتزام بذلك في قمة برلين بشأن ليبيا في يناير.
ويطالب حزب اليسار بوقف كامل لصادرات الأسلحة إلى تركيا. وتعتقد داجديلين، الخبيرة في السياسة الخارجية، أن الصادرات التي تمت الموافقة عليها منذ أكتوبر يمكن استخدامها أيضا في سوريا. وأكدت أن “الحكومة الاتحادية تضلل الشعب عندما تدعي أنها لا توافق على تصدير الأسلحة لتركيا التي يمكن استخدامها في سوريا”.
وكانت الحكومة الألمانية قد منحت تصاريح بتصدير أسلحة لتركيا العام الماضي بقيمة 31.6 مليون يورو، لتزيد بذلك عن الضعف مقارنة بصادرات الأسلحة الألمانية لتركيا عام 2018.
وبحسب رد وزارة الخارجية الألمانية على طلب إحاطة من الكتلة البرلمانية لحزب اليسار، فإن هذه الصادرات لم تتضمن أسلحة حربية.
وتراجعت تصاريح تصدير أسلحة ألمانية لتركيا بوضوح عقب بدء تركيا هجوم عسكري في شمال سوريا الخريف الماضي، إلا أنها لم تتوقف بالكامل.
وكانت برلين من ضمن عشر دول أعلنت عن عقوبات تسليحية على الجيش التركي، تصل إلى منعه من إبرام أي صفقات جديدة للتزود بالأسلحة والذخائر والمنظومات الدفاعية والهجومية.
ولعل العلاقات بين أنقرة وبرلين، والتي تشوبها توترات كبيرة، تحكمها ملفات أساسية تجعل من العلاقة بين البلدين ضرورة ملحة يحرص عليها الطرفان خاصة برلين، فمن جهة تخشى من ملف المهاجرين الذي تلوح به أنقرة، ومن ناحية أخرى تخشى فقدان مصدر مهم من مصادر الدخل القومي الألماني وهو التصدير العسكري إلى تركيا، وهذا يفسر بصورة كبيرة عدم تفعيل برلين لعقوبات عسكرية سابقة كانت قد أعلنتها على تركيا عام 2016، عقب العملية العسكرية للجيش التركي في عفرين السورية.
ووافقت الحكومة الألمانية عام 2018 على 58 صفقة توريد أسلحة لتركيا بقيمة 12.9 مليون يورو، بينما وافقت العام الماضي على 187 صفقة بقيمة 31.6 مليون يورو.
وأشارت البيانات إلى أن صادرات الأسلحة الألمانية لتركيا تراجعت بشدة في أعقاب بدء الهجوم التركي ضد وحدات حماية الشعب الكردية في 9 أكتوبر الماضي، حيث لم توافق الحكومة الألمانية في الثلاثة الأشهر الأخيرة من العام الماضي سوى على 5 صفقات بقيمة 3.1 مليون يورو.
وسبق أن اتهمت منظمة غرينبيس (السلام الأخضر) برلين بمخالفة معايير تصدير السلاح بشكل متكرر منذ عام 1990، واستندت المنظمة في اتهامها إلى نتائج دراسة نُشرت في يوليو 2020 أعدتها مؤسسة “هيسن لأبحاث السلام والصراع” التابعة لمعهد لايبنيتس حيث أعدت قائمة ضمت حالات تصدير سلاح إلى جهات تمثل إشكالية في الأعوام الـ30 الماضية.