رحلة حزب أردوغان: من الأمل فاليأس ثم الانحلال والتفتّت

تعرّف الجمهور التركي على الترف والبذخ والوفرة مع حزب العدالة والتنمية الحاكم برئاسة رجب طيب أردوغان بدرجة لم يشهدها من قبل. ودفاعا عن ذلك، قال أردوغان سنة 2015، إن الأجانب كانوا مفتونين بعظمة بلاده عندما يرون القصر الرئاسي الذي يشمل 1150 غرفة بناها الرئيس لنفسه على أرض مملوكة للدولة. وينتشر هذا التبجّح والبذخ بين مختلف كوادر حزب العدالة والتنمية.
ونجد حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل واحد يحمل اسم أبناء حزب العدالة والتنمية، لإظهار نمط حياة أعضاء الحزب، مع سياراتهم الفاخرة، وحفلاتهم الكبيرة، وهَوسهم الغريب بالحمامات الفاخرة الخاصة في المكاتب العامة. وتتضارب هذه المشاهد مع واقع البلاد، ومع الشعب الذي يبحث عن فتات الخبز في الفضلات والمنتحرين بسبب البطالة.
تخلّى الحزب الحاكم عن سمة التواضع منذ فترة طويلة لممارسة الأنشطة العادية في رفاهية. ونذكر مثال السيدات اللاتي وثّقن مائدة طعامهن مما أثار جدلا واسعا، أو سيارة الرينج الروفر الذهبية لإحدى النساء المحافظات، أو مجموعة الشابات اللاتي تباهين بثرواتهن في حفلات خاصة بالفتيات، أو سيارة الرينج روفر التي تلقتها شابة أخرى كهدية عيد ميلاد.
قد نبدو غير عادلين بإشارتنا إلى الفتيات والشابات على وجه الخصوص. ولكن، وباستثناء قلة مختارة ممن أصبحوا من أصحاب الأعمال الناجحين في الأوضاع الحالية في البلاد (وهو أمر يسهل على النساء المحافظات، خاصة إذا ارتدين الحجاب)، لم يصل الكثيرون إلى هذه الدرجة من الثروة.
في 2013، كانت تركيا غارقة في الفساد، عندما سُرّبت تسجيلات لمكالمات هاتفية على وسائل التواصل الاجتماعي يُزعم فيها أن نجل أردوغان سأل الرئيس عمّا يجب أن يفعله بآخر 30 مليون يورو (34 مليون دولار) لم يستطع التصرف فيها. ومع سيطرة حزب العدالة والتنمية بشكل أفضل على المؤسسات التركية، بدت هذه الحوادث شائعة.
ومن الأمثلة الأحدث، يمكن أن نذكر محمد صالح ساراتش، رئيس جناح الشباب في فرع حزب العدالة والتنمية في شانلي أورفا، الذي نشر مقطع فيديو وهو يسترخي في حوض استحمام ساخن، مطالبا “الفقراء” بعدم إزعاجه لأنه يستمتع مع نفسه.
لن تكون الثروات الأسطورية لعائلة أردوغان مفاجئة لأي شخص. ونجد اسم السيدة الأولى أمينة أردوغان باستمرار في هذه المحادثات بما يتجاوز حقيبتها التي تبلغ قيمتها 50 ألف دولار، وبزياراتها إلى الخارج حيث تعطّل حركة المرور لتتسوق.
وكشفت تسريبات “أوراق الجنة” عن سفن صغيرة وأصول أخرى في بلدان أخرى. وتكرر اسم بنت الرئيس سميّة أردوغان مع قائمة مطالبها بالمنازل الفاخرة على شاطئ البحر في غرب تركيا، والتي كُشِف عنها في مكالمة هاتفية مسرّبة زُعم أنها جرت بينها وبين رجل الأعمال لطيف توباش.
بالطبع، لم يكن الإنفاق المفرط القضية الوحيدة التي أغضبت الشعب من حزب العدالة والتنمية. وظهرت صور لأركان يلدريم، نجل بن علي يلدريم، آخر رئيس وزراء لتركيا قبل دخول مشروع أردوغان الرئاسي حيز التنفيذ، على طاولة المقامرة في سنغافورة، مما وضّح أن نخب حزب العدالة والتنمية تنافس أغنى الأغنياء في الغرب.
وتم استبدال وتعيين مسؤولين يمثلون حكومة أردوغان في أكثر من 50 بلدية في المدن والمقاطعات التي فاز بها حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد.
كما كشف عدنان سلجوق ميزراكلي، عمدة ديار بكر المنتخب الذي أطيح به وألقي القبض عليه سنة 2019 بتهم تتعلق بالإرهاب والتي يؤكّد أنها ملفقة، فقد نشر فيديو عن الحمام الفاخر الذي بناه أحد المعينين في مكتبه على وسائل التواصل الاجتماعي قبل اعتقاله. وقال ميزراكلي إن كل هذا بني بثروات الشعب ووعد بالعمل على كشف كل هذه الانتهاكات.
وصوّرت إحدى المشاهير على موقع اليوتيوب حفلا لانتظار مولودها في أحد قصور “أهلامور” العثمانية في منطقة بشكتاش في إسطنبول، مما أثار جدلا كبيرا على وسائل التواصل الاجتماعي. وانتقدت المتزوجة من وكيل وزارة الصحة أحمد أمين سليمان، بسبب هذا البذخ. وزوجها هو أيضا ابن أوغور سليمان، الذي قُتل في أسطول الحرية عندما صعدت السلطات الإسرائيلية على متن السفينة في ما أصبح يعرف باسم غارة أسطول غزة في 2010.
وشاركت مرشحة برلمانية عن حزب العدالة والتنمية، أهو كالفا، مقطع فيديو للقاء مفاجئ مع أقربائها العام الماضي، والذي أظهر المزيد من الرفاهية والترف.
وكُشف أمر حمزة يرليكايا، المصارع الأولمبي ونائب وزير الشباب والرياضة، وتلقيه العديد من الرواتب من مختلف المناصب الحكومية رفيعة المستوى كصديق مقرب للرئيس أردوغان. كما عُيّن عضوا في مجلس إدارة بنك تعود ملكيته للحكومة في يونيو، مما يدل على درجة الفساد في هذا القطاع.
وجاء تعيين إيبوبكير شاهين، رئيس هيئة البث التركية التي تفرض رقابة على أجهزة التلفزيون التركية ووسائل الإعلام الأخرى بناء على أوامر أردوغان، في مجلس إدارة بنك خلق المملوك للدولة، بعد أن أجبر سابقا على الاستقالة من مجلس إدارة شركة اتصالات الأقمار الصناعية تركسات.
كما يشغل شاهين منصبا آخر وهو نائب الرئيس في الاتحاد الدولي للووشو، الذي تورط مؤخرا في فضيحة فساد.
ووصف وزير المالية السابق محمد شيمشك الأموال التي أنفِقت على آلاف سيارات الموظفين في القصر الرئاسي والوزارات بـ”مصاريف الجيب” في 2015، بحجة أن المبلغ الإجمالي المدفوع لم يبلغ سوى 0.00005 في المئة من ميزانية البلاد.
وكانت النخبة في حزب العدالة والتنمية في مرمى الغضب لممارساتها التي تحتقر الشعب.
ففي 2006، سخر أردوغان من مزارع تحدث عن الصعوبات التي كان يعاني منها. وقال المزارع “والدتي تبكي”، مستخدما تعبيرا شائعا باللغة التركية للدلالة على المعاناة. فأجابه أردوغان “خذ أمك وارحل”.
وعندما شوهدت امرأة غجريّة فقيرة في مقطع فيديو تشكو من أنها اضطرت إلى التسوّل أثناء عمليات الإغلاق بسبب الأزمة الصحية حتى لا يتضور أطفالها جوعا، رد نائب مقاطعة إسطنبول للسياسات الاجتماعية والأسرية نيل نواي على تويتر “موتي”، وأثار تعليقه هذا موجة غضب على وسائل التواصل الاجتماعي أدّت إلى إقالته.
وتشعر الغالبية العظمى من الأتراك بالقلق من قلة الطعام وما إذا كان سيكفيهم حتى نهاية الشهر.
لقد صعد الحزب الحاكم في تركيا إلى السلطة واعدا بتوزيع عادل للثروة، لمحو الفجوات الضخمة بين الأغنياء والفقراء. لكن الكثير تغير منذ 2002. وأفسدت السلطة الحزب ببطء.
وتتضارب قيم كوادر حزب العدالة والتنمية تماما مع وعودهم في العقد الماضي. وقد تغلغل الفساد إلى أدنى صفوف الحزب من جوهره. فكما هو الحال في مثال محمد صالح ساراتش وتعليقه عن الفقراء، يشاهد زملاؤه في حزب أردوغان الأشخاص العاديين الذين يعانون من الأزمات وهم يمرون من أمام نوافذ قصورهم، ويسترخون في أحواض الاستحمام الساخنة، والحمامات المطلية بالذهب مع ابتسامة على وجوههم.