ماذا تفعل تركيا في ليبيا؟

كثيرا ما تساءل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما الذي يعطي واشنطن الحق في أن تلعب دورا فعالا في الحرب الأهلية السورية، ذلك الصراع الذي تدور رحاه على الحدود التركية مباشرة وليس له تأثير يذكر على الولايات المتحدة التي تبعد عنه كثيرا.
ولكن بعد المعلومات الجديدة التي جرى الكشف عنها بخصوص حجم الدعم العسكري الذي تقدمه أنقرة لحكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، فقد أثيرت نفس الأسئلة عن تدخل تركيا في الحرب الأهلية الليبية.
لقد ساهم هذا الدعم التركي، بما في ذلك شحنات المركبات المدرعة والطائرات العسكرية دون طيار، في إنقاذ حكومة الوفاق الوطني من هجوم شنه الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، الذي هدد بالسيطرة على عاصمة البلاد هذا العام.
ويمثل دعم أنقرة لحكومة الوفاق الوطني ذات الجذور الإسلامية واحدا من قرارات السياسة الخارجية الكثيرة التي وضعتها في الجهة المعاكسة لمصر وحلفائها من الدول الخليجية، مما دفع بعض المحللين إلى وصف الصراع الليبي بأنه حرب إقليمية بالوكالة.
حين بدأت الانتفاضة ضد الزعيم الليبي معمر القذافي في العام 2011، عارض أردوغان في بادئ الأمر تدخل حلف شمال الأطلسي في البلاد، قبل أن يرضخ للضغوط ويرسل سفنا حربية لدعم العملية التي ساعدت في الإطاحة برجل ليبيا القوي.
وتعرضت البلاد إلى سلسلة من الأزمات السياسية المتعاقبة منذ سقوط القذافي. وقد برز تدخل تركيا في ليبيا بصفة خاصة بعد عام 2014، حين رفضت العناصر الإسلامية التي تشكل حكومة الوفاق الوطني أن تعترف بالهزيمة في الانتخابات، مما أدى إلى تشكيل حكومة منافسة يدعمها جيش حفتر. صحيح أن الأسباب وراء دعم تركيا لحكومة الوفاق الوطني معقدة، إلا أن هناك عددا من السيناريوهات والتفسيرات في هذا الصدد.
وتقول إحدى النظريات الأكثر شيوعا إن تركيا قد استُدرجت إلى الصراع بسبب تقاربها الأيديولوجي من عناصر جماعة الإخوان المسلمين البارزة داخل حكومة الوفاق الوطني. فما من أحد ينكر تأثير جماعة الإخوان المسلمين على العلاقات التركية مع دول مثل سوريا والسودان وفلسطين ومصر. وتعتبر مصر وحلفاؤها من دول الخليج الجماعة الإسلامية بمثابة منظمة إرهابية، وأدانوا دعم أنقرة لها.
وقد أسفر دعم تركيا المستمر لحكومة الوفاق الوطني وميليشياتها عن وصول الطرفين إلى حد الاعتماد المتبادل على بعضهما البعض؛ فالإسلاميون يحتاجون إلى دعم أنقرة للدفاع عن أنفسهم في مواجهة الجيش الوطني الليبي، بينما تحتاج تركيا للإسلاميين إن كان لديها أي أمل في أن تكون لها كلمة مسموعة بالبلاد في المستقبل.
ولعل ما يرتبط بذلك ارتباطا وثيقا هو علاقة تركيا مع قطر، تلك الدولة الخليجية الصغيرة التي كان لها تأثير كبير على السياسة الخارجية التركية. كانت تركيا هي التي أنقذت قطر من أسوأ آثار للمقاطعة التي فرضتها السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين على الدوحة عام 2017، حين اتهمت الدول الأربع الحكومة القطرية بدعم جماعة الإخوان المسلمين.
وفي حين تملك أنقرة القدرة العسكرية اللازمة للإمداد بالقوة في هذه العلاقة، كانت قطر ممولا مخلصا يمد الحكومة التركية بالأموال طوال فترة التدهور الاقتصادي الأخيرة، وتعاون البلدان في تناغم تام لتحقيق المصالح المشتركة في المنطقة. ومن بين تلك المصالح ليبيا، التي يُنظر فيها من جديد إلى قطر على أنها تمول حكومة الوفاق الوطني بينما تقدم لها تركيا المساعدة العسكرية.
لم يخف الرئيس التركي معارضته للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ أن أطاح بسلفه محمد مرسي عام 2013. كان مرسي صديقا حميما لأردوغان الذي ندد مرارا بالسيسي والانقلاب العسكري. ومن ثم ربما تكون المغامرة الليبية جزءا من خطة الرئيس التركي الرامية للنيل من السيسي الذي يدعم هو وحلفاؤه الخليجيون حفتر والجيش الوطني الليبي.
من ناحية أخرى، ثمة غنائم اقتصادية واضحة في ليبيا، البلد الذي يملك بعضا من أغنى موارد النفط والغاز في أفريقيا ويمكنه في ظل قلة عدد سكانه أن يصدر تلك الاحتياطيات بالكامل تقريبا.
ربما يفترض أردوغان أن التركيبة القبلية للبلاد وافتقارها إلى المؤسسات الديمقراطية سيجعلان من بسط الهيمنة هناك أمرا سهلا، ولعله يعول على نيل جزء كبير من الغنائم إذا ساعد حكومة الوفاق الوطني على تحقيق النصر.
وفي أي حال من الأحوال، هناك بالفعل موارد مهمة يسهل لتركيا الوصول إليها. وعلى الرغم من أن الجيش الوطني الليبي يسيطر حاليا على معظم الموارد النفطية، لا تزال حكومة الوفاق الوطني تحوز مصافي التكرير وبعض الاحتياطيات الهيدروكربونية.