حقول الحب في قبلة

يتشبه الفن بالحب. بين قبلتي غوستاف كليمت وأوغست رودان مسافة هي المادة التي استعملها الإثنان.
الزيت عند كليمت والحجر لدى رودان وما بينهما عالم خفيف ومحلق يقول الحقيقة من غير مواربة.
تلك حقيقة لا تسر. ذلك لأنها تختصر الألم في لحظة إلهام يتبعها فراق غير آمن. فلا كليمت ولا رودان اعتبرا القبلة بداية حياة سعيدة بل هي كما يوحي به عملاهما نهاية حياة، استطاع الفن أن ينحني أمامها تمجيدا لخلودها الذي سيكون آسرا.
عرف الفنانان أن تلك القبلة ستكون جزءا من تراث إنسانية ستمشي لاهثة، وهي تبحث عن لحظة خيال تعيدها إلى صلحها الداخلي المفقود.
لقد شغف الرسامون والنحاتون بلحظة يكونون فيها مخيّرين بين أن يصفوا صورة الحب من غير أن يتمتعوا بترفه وبين أن يتعذبوا من أجل أن تكون لهم حصة من ذلك الحب نافرين من الوصف الساذج.
يعيش الفنان الحب كما العاشق من غير أن يتمكن من وصفه.
بعد قبلتي كليمت ورودان ما من كلام آخر عن الحب الغائب. ذلك الكائن المفقود والمعذّب بما لم يعطه وهو الكريم. هناك إنسانية تبحث عن الإنصاف. كل ما يُثنى عليه من أفعالنا داخل الفن إنما هو استعادة لماضينا الذي لم يكن في الإمكان الإمساك به.
لو أن القبلة كانت سياق حياة هادئة ومطمئنة لما خلدها كليمت ورودان. تلك قبلة أخرى. سيكون علينا أن نتصفّح كتب الحب التي لم تُكتب. نقرأ القصائد التي لا يزال عسلها يضطرب على اللسان.
يتماهى الفن مع شهوة مَن لم يصل إلى قمة الجبل. هناك حكاية عن الحب لا يزال راويها يتلمّس طريقه في ليل المعجم بحثا عن مفردات لم تستعمل من قبل.
القبلة مفردة صنعت عملين فنيين شغف بهما الملايين من الناس وهم يدركون أنهما يصنعان حاجزا يحول دون الدخول إلى حقول الحب الشاسعة. ولكن أين تقع تلك الحقول؟ ذلك ما يحاول الفن أن يجيب عليه.