إيران تغلق مسار اتّهام رئيس الوزراء العراقي بالتواطؤ في قتل سليماني

الدفع بسيناريو الجواسيس للتغطية على فشل استخباراتي وأمني فادح.
الأربعاء 2020/06/10
تفرّق دمه بين الجواسيس

إعلان إيران قرارها بإعدام جاسوس متهم بالمشاركة في عملية قتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، يدفع بسيناريو جديد للعملية المهينة والمحرجة للسلطات الإيرانية بعيدا عن سيناريو اتّهام رئيس الوزراء العراقي الحالي بالضلوع في عملية القتل وهو اتّهام لم يعد من المناسب التمادي فيه بعد أن تمكّن الرجل من الصعود إلى أهم منصب تنفيذي في بلاده، وأصبح من الأفضل لطهران التعامل معه كأمر واقع.

بغداد - تلقّت الأوساط السياسية العراقية باهتمام، إعلان السلطات الإيرانية قرارها بإعدام مواطن إيراني قالت إنّه أدين بتهمة المساعدة على قتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني في غارة جوية أميركية خارج مطار بغداد الدولي مطلع العام الجاري، وهي الغارة التي أودت أيضا بنائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس.

ومأتى الاهتمام العراقي بالقضية أنّ اسم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي نفسه كان واردا بشكل معلن على رأس قائمة المتّهمين من قبل حلفاء إيران في العراق بالتواطؤ في مقتل سليماني والمهندس على أساس أنّ “مشاركته” في العملية جاءت من موقعه آنذاك كرئيس لجهاز الاستخبارات العراقي.

وأعلنت إيران الثلاثاء أنها ستعدم إيرانيا أدين بالتجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل عبر مساعدة واشنطن على تحديد موقع سليماني لدى تنفيذ طائرة  أميركية مسيّرة لغارة على موكبه الذي كان يضم أيضا مجموعة من كبار مساعديه في العراق.

وبالإضافة إلى خسارة إيران في تلك العملية لأقوى ذراع لتدخّلها في البلدان العربية والمشرف على إدارة شبكة واسعة من الميليشيات التابعة لها والمنتشرة من لبنان إلى  سوريا والعراق واليمن، فقد عصفت العملية بسمعتها الأمنية وكشفت عن عيوب وثغرات في جدارها الأمني جعلتها غير قادرة على حماية مسؤول بذلك المستوى.

وبالنسبة للعراقيين فإنّ بروز سيناريو “جاسوس جديد” يعدّ تنصّلا من تهمة خطرة موجّهة لأهم شخصية في السلطة التنفيذية بالعراق ووضع التهمة المجانية التي يمكن ان تترتّب عليها نتائج سياسية ومسؤوليات جزائية في ذمّة الميليشيات العراقية التي أطلقتها في ظلّ تأكيدات بأنّ إيران هي التي أوعزت لها بذلك رغبة في إحراج الكاظمي الذي أخذ اسمه يصعد بشكل لافت على الساحة العراقية، فيما هو غير محسوب على معسكر الموالاة لإيران المتصدّي لحكم العراق منذ سنة 2003.

وسبق لميليشيا حزب الله العراقي التي تعلن ولاءها التام لإيران أن اتّهمت “إحدى الرئاسات الثلاث” في العراق بتسهيل قتل سليماني والمهندس على يد القوات الأميركية.

وقالت الميليشيا على لسان أحد قادتها إنّ أحد القادة الأمنيين يمتلك معلومات عن ضلوع رئيس جهاز المخابرات العراقي (آنذاك) مصطفى الكاظمي في قتل سليماني، مدّعية استعدادها لتقديم معلومات عن العملية التي تمت قرب مطار بغداد ووضعها بين يدي رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي.

وأثار ذلك الاتهام تساؤلات عن مدى جدّيته، خصوصا أنّه كان في حال القدرة على إثباته وسيلة فعّالة لمنع وصول الكاظمي إلى منصب رئيس الوزراء.

وعلى الرغم من أنّ إيران لم تكن مرتاحة لشخص الكاظمي وهو ما عبّر عنه حلفاؤها من قادة أحزاب وميليشيات عراقية، فإنّها اضطرّت في الأخير للقبول به رئيسا للحكومة العراقية، الأمر الذي أرجعه مراقبون لحالة الضعف الشديد التي تمرّ بها جرّاء وضعها الاقتصادي والسياسي الصعب نتيجة العقوبات الشديدة المفروضة عليها من قبل الولايات المتّحدة.

تحركات قاسم سليماني كانت مكشوفة بدقة للأميركيين، ومقتله كان فقط رهين تحديد الزمان والمكان المناسبين
تحركات قاسم سليماني كانت مكشوفة بدقة للأميركيين، ومقتله كان فقط رهين تحديد الزمان والمكان المناسبين

ويبدو أنّ طهران لم يعد بوسعها سوى التعامل مع رئاسة الكاظمي للحكومة العراقية كأمر واقع وحثّه على الحفاظ على حدّ أدنى من المصالح الإيرانية في بلاده ومن ضمنها عدم تخلّيه عن استيراد الغاز والكهرباء من إيران.

ولم يعد مناسبا لإيران في ظلّ هذا الوضع مواصلة اتهام رئيس حكومة بلد جار بالتورّط في عملية قتل مسؤول أمني إيراني كبير، ما يجعل الدفع بسيناريو الجاسوس الإيراني في هذا الوقت أمرا مقصودا.

وأفاد المتحدّث باسم السلطة القضائية الإيرانية غلام حسين إسماعيلي خلال مؤتمر صحافي أن محمود موسوي مجد، أدين بالتجسس على القوات المسلحة الإيرانية وخصوصا فيلق القدس ومكان تواجد وتنقلات الجنرال قاسم سليماني، لقاء مبالغ كبيرة من كل من جهاز الموساد الإسرائيلي ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وأضاف أن المحكمة العليا أيّدت الحكم الصادر بحقه والذي “سينفّذ قريبا”.

وقُتل سليمان بضربة نفّذتها طائرة أميركية مسيّرة قرب مطار بغداد في يناير الماضي. وردّت إيران بإطلاق وابل من الصواريخ الباليستية على القوات الأميركية المتمركزة في العراق في هجوم لم يسفر عن مقتل أي من الجنود الأميركيين واختار الرئيس دونالد ترامب عدم الرد عليه عسكريا.

وقال إسماعيلي إنّ المدان “سيواجه عواقب أفعاله وسيشهد أسياده كذلك على عزم وقوة الجمهورية الإسلامية وإمكانياتها الاستخباراتية”.

وأصدرت إيران حكما مشابها في فبراير الماضي بحق أمير رحيم بور الذي أدين كذلك بالتجسس لصالح الولايات المتحدة والتخطيط لبيع معلومات متعلّقة ببرنامج إيران النووي.

وأعلنت طهران في ديسمبر الماضي توقيف ثمانية أشخاص قالت إنّهم على صلة بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية واتّهمتهم بالمشاركة في الاحتجاجات التي اندلعت قبل شهر من ذلك ضد قرار مفاجئ برفع أسعار الوقود.

كما أفادت في يوليو 2019 أنها فكّكت خلية تجسس تابعة للاستخبارات المركزية وأوقفت 17 من المشتبه بهم بين مارس 2018 ومارس 2019 وحكمت على بعضهم بالإعدام.

وكثيرا ما كانت عمليات الإعلان من قبل السلطات الإيرانية عن تفكيك شبكات تجسس تابعة للولايات المتحدة وإسرائيل وحتى لبلدان عربية، ومحاكمة أعضائها وإعدامهم، تأخذ طابعا استعراضيا يراد منه التأكيد على يقظة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإيرانية وقدرتها على تأمين البلاد والحفاظ على مصالحها، غير أنّ عملية قتل سليماني من قبل القوات الأميركية أسقطت جانبا كبيرا من الهيبة الإيرانية، بعد أن أكّدت العديد من المصادر الأمنية والاستخباراتية أن العملية تمت بيسر وسلاسة غير متوقّعين، وأن تحرّكات سليماني بين لبنان وسوريا والعراق وإيران كانت مرصودة بدقّة من قبل الاستخبارات الأميركية، وأن ما كان يُنتظر فقط هو تلقّي الإشارة من القيادة السياسية لتحديد مكان ولحظة قتله.

3