بوركينا فاسو.. من ترويض الإرهاب إلى الوقوع في مرمى نيرانه

الإطاحة بكامباوري سرعت في تحوّل البلاد إلى ملجأ للقاعدة وداعش، والإرهاب تحوّل إلى أداة للاسترزاق في ظل الحمية القبلية.
الثلاثاء 2020/04/28
بوركينا فاسو: غابت الدولة فتمدد الإرهاب

تحول بوركينا فاسو من العلاقة الودية مع الجماعات الإرهابية، حيث كانت واغادوغو تقود عمليات التفاوض مع الجماعات الإرهابية، ولعبت دورا مهما في الوساطة في الأزمة المالية، كان محكوما بمنعرج سقوط نظام الرئيس بليز كامباوري الذي تزامن مع تصدّع مؤسسات الدولة وتفكيك قوات الأمن والمخابرات، أشّر إلى تحوّل بوركينا فاسو إلى ملجأ للتيارات الإرهابية المتشددة.

عندما تولّى بليز كامباوري رئاسة بوركينا فاسو، عام 1987، سعى إلى تجنّب وصول الجماعات الجهادية إلى بلاده وعموم منطقة الساحل، حيث تولى مستشاره رجل الأعمال والمعارض الموريتاني المصطفى ولد الإمام الشافعي، ورئيس أركانه الخاص الجنرال جيلبرت دينديري، إجراء اتصالات مع بعض قادة الجهاديين، للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن الغربيين الذين كانوا يقعون بين أيديهم.

استفاد نظام كامباوري من العلاقات الوطيدة التي كانت تجمع بين مستشاره ولد الشافعي مع قادة الجماعات الإرهابية. حتى سمي بقائد المفاوضات مع تنظيم القاعدة، وعرف بعلاقاته الوطيدة مع الإرهابي مختار بلمختار، وبأنه من المقربين من النظام القطري، واختاره الشيخ تميم بن حمد ليرافقه في زياراته إلى عدد من العواصم الأفريقية.

اعتمد كامباوري على ولد الشافعي في التواصل مع الجماعات الإرهابية وتوفير الدعم لها، مقابل عدم تهديد الاستقرار في بلاده، ويبدو أن خطته نجحت، لكن في 29 ديسمبر 2011 أصدر القضاء الموريتاني مذكرة اعتقال دولية بحق الناشط ولد الشافعي المقيم في بوركينا فاسو.

وصدرت مذكرة الاعتقال من طرف قاضي التحقيق المكلف بالإرهاب لدى الادعاء الموريتاني، كما شملت المذكرة ثلاثة نشطاء من تنظيم القاعدة تتهمهم السلطات الموريتانية بالضلوع في عمليات “إرهابية” وتهديد أمنها واستقرارها الداخلي، وقال وكيل النيابة الموريتانية إن ولد الشافعي متهم بتمويل الإرهاب، وبالتخابر لصالح الجماعات الإرهابية الناشطة بمنطقة الساحل والصحراء الكبرى، وبتوفير الدعم المالي واللوجستي لها لضرب أمن موريتانيا واستقرارها.

في نهاية عام 2012، وبعد اندلاع حرب مالي، عملت بوركينا فاسو كوسيط ورحبت بوفود من حركة أنصار الدين والحركة الوطنية في واغادوغو من أجل التفاوض مع الحكومة المالية، وفي عام 2013، تدخلت بوركينا فاسو في مالي ضمن بعثة الدعم الدولية، ثم إلى البعثة المتكاملة. لكن في نوفمبر 2014، تم إسقاط كامباوري بعد انتفاضة شعبية أدت إلى تراجع أداء الجيش والأجهزة الأمنية.

تحول بوركينا فاسو إلى ملجأ للجماعات الإرهابية، يعود إلى تفكيك قوات الأمن وإلى الوضع الاقتصادي المتردي

أدت الإطاحة بنظام كومباروي إلى نهاية العلاقات الودية البوركينابية مع الجماعات الإرهابية، فالقادرون على ترويض على ترويض الأفاعي غابوا عن المشهد السياسي والأمنية في واغادودغو، في عام 2015، بدت بوركينا فاسو بدورها هدفاً للهجمات الجهادية، في 23 أغسطس 2015، أصيب أحد رجال الدرك بجروح قاتلة في هجوم على موقع عورسي من قبل ثلاثة رجال مسلحين، زعموا، حسب أحد الشهود، أنهم ينتمون إلى جماعة بوكو حرام.

كان هذا أول هجوم جهادي على مركز للأمن في بوركينا فاسو بالقرب من الحدود مع النيجر ومالي، سرعان ما تبعته هجومات أخرى، فبين أغسطس 2015 وأكتوبر 2016، تعرّضت سبعة مواقع للهجوم في شمال وغرب بوركينا فاسو، خلّفت 15 قتيلا وأكثر من 11جريحا. في 9 أكتوبر 2015، قُتل ثلاثة من رجال الدرك وإرهابي ومدني خلال مواجهة في سامورغوا.

في نهاية عام 2016، ازداد عدد الهجمات الإرهابية مع تشكيل حركة جديدة، وهي حركة أنصار الإسلام بقيادة إبراهيم مالام ديكو، الذي ينحدر من قبيلة فلاني، ومن مواليد بلدة جيبو، الواقعة بولاية سوم التي تبعد 300 كلم إلى الشمال من العاصمة واغادوغو، ويدعى في أوساط أنصاره بأمير المؤمنين.

تنشط أنصار الإسلام في المناطق الحدودية التي تفصل بين مالي وبوركينا فاسو وخاصة في مقاطعة سوم في بوركينا، في 16 ديسمبر 2016، قادت الجماعة الهجوم على ناسومبو حيث قتل 12 جنديا من جيش بوركينا فاسو، في 1 يناير 2017، اغتالت إماما في منطقة تونغومايل، بسبب نأيه بنفسه عن الجماعة بعد أن كان عضوا فيها، وفي 3 مارس اغتيل مدرس في قرية كرفايل، وفي 20 مارس، أصيب جندي بجروح طفيفة جرّاء إطلاق صاروخ على ناسومبو.

في 2017، أعلنت صحيفة لوموند الفرنسية مقتل إبراهيم معلم ديكو بسبب العطش والإرهاق في غابة فولساري، بعد غارة جوية فرنسية على معسكر تابع لجماعته، فانتقلت قيادة الجماعة إلى أخيه جعفر الذي يُنعت بأنه صاحب مزاج متوحش، ويفتقد إلى الكاريزما التي كان يتصف بها إبراهيم، ما جعل بعض العناصر ينشقون عنه وينقسمون بين الولاء لتنظيم داعش أو لحركة تحرير الكونغو.

بوركينا فاسو أصبحت ملجأ للتيارات الإرهابية المتشددة
بوركينا فاسو أصبحت ملجأ للتيارات الإرهابية المتشددة

وفي نهاية 2017 شنّت القوات المسلحة في بوركينا فاسو سلسلة من العمليات في شمال البلاد، وصاحب ذلك العديد من الانتهاكات، وحددت الأمم المتحدة ما يقرب من 25000 نازح بين ديسمبر 2017 ومايو 2018.

في عام 2018، استمر العنف في شمال بوركينا فاسو ولكنه بدأ أيضا في الانتشار إلى شرق البلاد.

وفي 28 أبريل 2019 بدأت الهجمات ضد المسيحيين. عندما قتل ستة أشخاص، بينهم قس، على يد مجموعة من 10 إلى 20 رجلاً مسلحا في معبد بروتستانتي في سيلجادجي، وفي 12 مايو، تم استهداف كنيسة كاثوليكية بدورها في دابلو من قبل مجموعة من 20 إلى 30 إرهابيا قتلوا ستة أشخاص، بينهم كاهن، وفي 13 مايو، تعرض موكب كاثوليكي للهجوم بين قريتي كايون وسينجا ريمابي، في مقاطعة زيمتانجا، قُتل أربعة أشخاص ودُمر تمثال لمريم العذراء.

وبحسب منظمتي “إيفنت ديتا بروجكت” و”جان كونفليكت لوكيشن”، فقد قضى 1800 شخص نحبهم بهجمات لتكفيريين شمال وشرق البلاد العام 2019، ما يعني تزايد عدد القتلى بنحو 190 في المئة مقارنة بعام 2018.

وحسب الأمم المتحدة، تسببت موجة الإرهاب الأخيرة في نزوح نصف مليون شخص من مناطق شمال وشرق بوركينا فاسو، واستمر الإرهابيون في تنفيذ عملياتهم عام 2020 مستهدفين الكنائس والقوات الحكومية والسكان المدنيين، وقال سياكابا كوليبالي، محلل بمركز الرصد المدني للسياسة العامة ببوركينا فاسو، إن الإرهاب يقترب تدريجيا من العاصمة نفسها، وما يزيد الأمر سوءا، غياب التجاوب الواضح من الحكومة مع التطورات.

يرد المراقبون تحول بوركينا فاسو إلى ملجأ للجماعات الإرهابية المرتبطة سواء بالقاعدة أو داعش، إلى تفكيك قوات الأمن الرئاسي وأجهزة المخابرات التابعة للرئيس السابق بليز كامباوري، وإلى الوضع الاقتصادي والمالي المتردّي في البلاد، وكذلك إلى تحوّل الإرهاب إلى أداة للاسترزاق في ظل الحمية القبلية، وإلى النشاط الكبير في مجال التهريب المرتبط بالإرهاب في المثلث الجغرافي بين بوركينا فاسو والنيجر ومالي.

12