فايروس كورونا يزيد عدد الفقراء وحالات الطلاق في سوريا

أدت إجراءات الحجر الصحي التي فرضتها دول العالم ومن بينها سوريا بسبب تفشي فايروس كورونا المستجد، إلى الكثير من السلبيات التي أثرت على استقرار حياة الأفراد والأسر، حيث عمّق تزايد نسب البطالة والفقر من مشاكل السوريين المادية والأسرية.
دمشق – فاقمت جائحة كورونا فقر السوريين الذين يعيش الكثير منهم تحت خط الفقر، حيث تسببت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية، للتصدي للفايروس، ومن أبرزها إغلاق المحال التجارية، والمطاعم، والمنشآت السياحية، وتوقف حركة قطاع النقل الداخلي والخارجي، في إخراج عشرات الآلاف منهم من سوق العمل، وجعلتهم بلا تغطية مالية وحكومية يواجهون بها مصيرهم ومصير أسرهم.
ويقول أبوزاهر أسعد وهو يعمل سائق سيارة أجرة بريف دمشق “تعتمد حياتنا اليومية ومعيشتنا، بشكل أساسي على ما نحصل عليه يوميا من عملنا، فإذا تعرضت السيارة الّتي أعمل عليها لعطل تقني ليوم أو يومين، أعاني من ضائقة مالية، فكيف تكون أوضاعنا الآن ونحن بلا عمل لأكثر من عشرين يوما.. ولا ندري إلى متى تستمر الأزمة”.
ويضيف أبوزاهر الرجل الخمسيني “هذه السيارة تعيل أسرتين مؤلفتين من 13 شخصا، وأغلبهم أطفال. لا أدري كيف نتدبر معيشتنا اليومية وسط هذا الغلاء الفاحش في أسعار المواد الغذائية والخضار”.
فيما تقول مرام وهي معلمة في مدرسة حكومية إن “الرواتب التي نحصل عليها لا تكفي أساسا لنصف الشهر، ولا أدري كيف أتدبر أمري وأمر عائلتي في ظل هذا الارتفاع الكبير في الأسعار، والتي وصلت نسبة الزيادة في بعضها لنحو 100 في المئة وأخرى إلى 50 في المئة، وبالتالي فإن الراتب لم يعد يكفي لعدة أيام فقط”.
وتضيف مرام “بعد الدوام المدرسي كنت أعطي عددا من التلاميذ دروسا خصوصية، وبعد التحذيرات الحكومية والعزل، طلب مني الأهل تأجيل تلك الدروس.. وضعنا الآن صعب للغاية، ونخاف من قادم الأيام في حال استمرار الحظر والحجر المنزلي”.
اضطرار العائلات للتجمع في منزل صغير بسبب غلاء الإيجار، أثر سلبًا على الناحية النفسية لتلك العوائل، وفاقم من معاناتها اليومية
من جانبه يرى أستاذ القانون الإداري في جامعة دمشق وأمين عام مجلس الوزراء السوري السابق الدكتور محمد العموري أن آثار “الإجراءات الوقائية الحكومية السورية كان لها أشد التأثير، وأبلغ المدى على الشعب السوري من بقية شعوب العالم، كون مختلف جوانب الحياة ومعظم القطاعات أنهكتها الأزمة التي مضى عليها نحو تسع سنوات.. فتراجع مستوى وإمكانيات القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية، بما فيها القطاع الصحي”.
وأوضح العموري أن “انخفاض مستوى الدخل الفردي بشكل كبير يرجع إلى تراجع قيمة الليرة السورية، إذ يلاحظ أن الفئة الضعيفة في المجتمع هي الأكثر تأثرًا”، وتوقع “ازدياد الأوضاع الاقتصادية سوءًا لعمال المياومة الّذين يتلقون أجورهم بشكلّ يومي في حال استمرار الإجراءات الحكومية الاستثنائية لمواجهة فايروس كورونا”.
وأشار إلى أن “المياومين يشكلون شريحة لا بأس بها من العمال السوريين، فهم يعملون في المطاعم، ومحلات صيانة الآليات، وفي قيادة وسائل نقل عامة، وغيرهم.. وحتّى أولئك المرتبطين بعقود سنوية، وضعهم لا يبدو أفضل من نظرائهم المياومين فهناك من تم إنهاء عقودهم، ومنهم من ينتظر، بسبب عدم توفر الإمكانيات لدى أصحاب الفعاليات الاقتصادية في تحمّل دفع أجورهم خلال فترة توقف العمل”.
وانتقد الخبير القانوني “غياب المجتمع المدني والمبادرات الأهلية في ظل عجز نظام التأمينات الاجتماعية في حماية أو ضمان أوضاع هذه الفئة. ومع شبه انعدام المبادرات الأهلية والمدنية للقيام بأي دور في هذا المجال.. يمكن القول إن هذه الفئة وأسرهم أصبحت حياتهم في مهب الريح”.
ويقول رافد وهو صاحب مطعم في دمشق “تكبدت خسائر كبيرة جداً بسبب إغلاق المطعم الذي لم يمر على افتتاحه سوى عدة أشهر، ويضيف رافد “بدأت بتجهيز مطعم، منذ نحو عام، من خلال استئجار المكان وتجهيزه بشكل كامل، وسددت ما ترتب عليّ من أقساط، حيث لم تمض أشهر على الافتتاح حتّى توقف المطعم عن العمل.. لديّ أكثر من 30 عاملا، أغلبهم مياومون، والباقي يعملون براتب، فكيف أستطيع دفع الأقساط المترتبة على المطعم، ورواتب عمال لا يداومون.. والمشكلة الأكبر هي العمال الّذين كان عملهم يعتمد على وجود الزبائن في المطعم”.
وفقد مئات الآلاف من العمال الذين يعملون بنظام المياومة عملهم على امتداد الجغرافيا السورية، وتبقى الأرقام الحقيقية غير معروفة، وأكدت مصادر رسمية سورية لـوكالة الأنباء الألمانية “د.ب.أ” أن الحكومة السورية تتابع وضع العمال الّذين فقدوا عملهم من خلال عملية الحجر عبر تقديم مبلغ مالي يقدر بـ100 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 100 دولار أميركي لكل عامل متضرر.
وتعاني الكثير من الأسر السورية من مشاكل في السكن بعد تهجيرها عائلات من البلدات والأحياء، لذلك تضطر تلك العائلات للتجمع في منزل صغير بسبب غلاء الإيجار، وهو ما أثر سلبًا على الناحية النفسية لتلك العوائل، وفاقم من معاناتها اليومية، وأدى إلى حدوث مشاكل كبيرة بين الأزواج قد تصل إلى حد الانفصال. وتركت سعاد
منزل زوجها وعائلة أهله متجهة إلى منزل عائلتها في ضواحي العاصمة دمشق.
وقالت سعاد، وهي أم لأربعة أطفال “أعيش مع عائلة زوجي منذ ثلاث سنوات في شقة سكنية لا تزيد مساحتها على 120 مترا مربعا، وفيها 14 شخصا.. فقبل كورونا كان الأطفال يذهبون إلى المدارس والكبار إلى أعمالهم، ولكن الآن الجميع في البيت.. الوضع أصبح لا يطاق.. وحصلت الكثير من المشاكل بين الأسرة وبيني وبين زوجي.
وكشف مستشار وزير الأوقاف السوري حسان عوض في حديث لإذاعة محلية عن “ارتفاع تقديري لحالات الطلاق بلغ خمسة أضعاف، خلال فترة حظر التجول المسائي”،
مرجعا الأسباب إلى “التماس المباشر والواقع السيء الموجود في بعض العلاقات الزوجية، والذي لم يكن ملحوظاً في السابق، بسبب انشغال الزوجين”.
وأوضحت الدكتورة كوثر شراب لوكالة “سبوتنيك” الأسباب التي يمكن أن تسبب ازدياد نسبة الطلاق في المجتمعات في فترة الحجر الصحي، واعتبرت أنه من أهم أسباب ازدياد نسب الطلاق في فترات الحجر هي “الضغوط المالية الكبيرة التي يسببها الحجر الصحي على المجتمع بشكل عام، خصوصا بعد توقف أغلب الأعمال التي يمكن تصنيفها اقتصاديا بالأعمال الصغيرة والمهن والحرف البسيطة، والتي تعتمد على مبدأ الأجر اليومي، وتعيش منها عائلات كاملة، على سبيل المثال، توقف مطعم واحد في دمشق القديمة، تسبب بتوقف الطهاة وعمال الخدمات الأخرى التي تقدم في المطعم، وهي كوادر كبيرة”.
واعتبرت شراب أن “توقف حرفة صغيرة عن العمل هي مؤشر على توقف سلسة اقتصادية كاملة، وبالتالي توقف جميع العاملين في هذه السلسلة أو الدائرة الاقتصادية، والتي في النهاية تشكل الدائرة الكبرى في الاقتصاد الكلي للمجتمع والدولة”.
كما نبهت إلى أن انخفاض الدخل أو توقفه بشكل مفاجئ “يؤثر بشكل كبير على الحالة النفسية للزوج في أغلب الأحيان، ويشكل ضغطا كبيرا على الأسرة، والتي من الطبيعي أن يسبب تواجدها في المنزل بشكل دائم إلى ازدياد نفقاتها بسبب ازدياد استهلاك الطعام، وهو أمر لوحظ مؤخرا عن العديد من الأشخاص، حيث أدى الجلوس لفترات طولية في المنزل لزيادة عدد الوجبات الغذائية وكميتها”.
وأشارت شراب إلى أن الكثير من الأشخاص “غير معتادين على الجلوس الدائم في المنزل، أو بالأحرى هم نادرا ما يتواجدون في منازلهم، حيث يقضون أغلب أوقاتهم في العمل، ومن الطبيعي أن يشكل تواجدهم واحتكاكهم الدائم مع أفراد الأسرة الكثير من المشكلات”.