دول عربية تخطط لمواصلة التعلم الإلكتروني ما بعد كورونا

تدرك الدول العربية الآن أهمية التعلم عن بعد ليس فقط كخيار بديل في الحالات والأوضاع الاستثنائية لكن كخطوة مستقبلية ضرورية، ويعدّ هذا واحدا من دروس كثيرة قدمتها أزمة فايروس كورونا للحكومات العربية وشعوبها.
لندن - كشفت الأزمة الوبائية الحالية هشاشة الأنظمة التعليمية في بعض البلدان العربية، لكنها في المقابل جعلت الحكومات تدرك أكثر فأكثر أهمية التخطيط لمواصلة تجربة التعلّم عن بعد حتى في فترة ما بعد كورونا.
واستفادت دول عربية من توفّر منصّات للتعلّم الإلكتروني لديها من قبل انتشار كوفيد – 19 ومن بينها دول خليجية، ما جعلها تنجح في التعامل مع الأزمة الوبائية العالمية وتتجنّب تداعياتها السلبية على قطاع التعليم وعلى الطلبة.
وشجع نجاح التعلّم عن بعد في زمن كورونا عددا من الحكومات على مواصلة سياساتها في هذا المجال لتعلن أن هذه المبادرة لن تقتصر على الفترة محاربة انتشار الفايروس المستجد، مؤكدة التخطيط لمواصلتها ما بعد كورونا.
وقال وزير التعليم السعودي، حمد آل الشيخ، إن “التعليم الإلكتروني بعد أزمة كورونا لن يكون كما هو الحال قبلها”، معتبرا أن التعليم عن بعد سيكون خيارا مستقبليا وليس مجرد بديل للحالات الاستثنائية.
فيما أكد مدير عام المركز الوطني للتعليم الإلكتروني، عبدالله الوليدي، أن الوضع الحالي فرصة للتطوير في التعليم عن بعد لإحداث نقلة نوعية بعد أزمة كورونا.
أما في الإمارات، فيعدّ التعلّم الذكي من العوامل الأساسية التي تعمل الحكومة على مزيد تطويرها من أجل تحقيق هدف الاستثمار في رأس المال البشري وتطويع التكنولوجيا لخدمة المجتمع.
وتحدثت تقارير إعلامية عن ارتفاع أصوات تنادي باعتماد التعلّم الإلكتروني ما بعد كورونا في حالات معيّنة من بينها شهر رمضان وعند ارتفاع درجات الحرارة وأثناء التقلّبات الجوية.
واستثمرت الإمارات بالفعل في منظومة التعلّم الذكي في السنوات الأخيرة ما جعلها تخوض تجربة رائدة في هذا المجال غنمت ثمارها مع تطبيق إجراءات الوقاية الشاملة ضد انتقال عدوى فايروس كورونا والتي تتضمّن فرض الحجر الصحي العام.
وكانت وزارة التربية والتعليم الإماراتية قد أطلقت بوابة التعلّم الذكي، وهي منظومة تعلم متكاملة تأخذ في الاعتبار الأدوار المختلفة لكل عناصر العملية التعليمية من طلبة ومدرسين ومديري المدارس وأولياء أمور التلاميذ.
والتعلّم عن بعد وسيلة مهمة ترافق الجهود الرامية إلى منح الشباب كل الفرص في الالتحاق بالجامعات غير الافتراضية لتعزيز معارفهم، وتسهيل دخولهم إلى معترك الحياة المهنية، ولا يمكن أن يكون بديلا عن المنظومة التعليمية المتكاملة، بحسب غولدا الخوري مديرة مكتب اليونسكو الإقليمي في البلدان المغاربية.
وفيما يجري الحديث في دول مثل الإمارات والسعودية عن التعلّم عن بعد إثر انتهاء أزمة كورونا، تعطّل مشكلات البنية التحتية، من بين العديد من العوائق الأخرى، تنفيذ خيار التعلم عن بعد في دول أخرى.
وأكدت الخوري أن من الدروس التي يمكن استيعابها من أزمة كورونا ضرورة تكييف تجارب التعليم عن بُعد مع المعوقات المتعددة التي تُطرح من بلد إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى داخل البلد الواحد.
وتعدّ الجزائر واحدة من الدول العربية التي تصطدم تجربة التعلّم عن بعد فيها لمواجهة تداعيات انتشار فايروس كورونا بصعوبات كثيرة.
ودفعت جائحة كوفيد – 19 المتفشية بالجزائر حكومة البلاد بعد تعليق الدراسة، إلى اللجوء إلى نظام التعليم عن بعد، وسط تساؤلات عن مدى نجاح هذه التجربة في ظل وجود عدد من العقبات التي تواجهها.
وفي 5 أبريل الجاري، أطلقت وزارة التعليم الجزائرية، برنامج الدعم عبر الإنترنت لفائدة تلاميذ السنة الرابعة المرحلة المتوسطة والثالث ثانوي (بكالوريا) من خلال منصّات رقمية للديوان الحكومي للتعليم والتكوين عن بُعد.
وخصّصت الوزارة منصّة رقمية لفائدة تلاميذ السنة الخامسة المُقبلين على امتحان شهادة التعليم الابتدائي.
وتأتي هذه الخطوة تجسيدا للخطة التي رسمتها وزارة التربية في إطار التدابير المتخذة لمجابهة انقطاع التعليم عن التلاميذ في 48 محافظة، والحدّ من تفشي كورونا في الوسط المدرسي.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، قد أمر بوقف فوري للدراسة في المدارس والجامعات لمنع تفشي فايروس كورونا، ابتداء من الخميس 12 مارس الماضي، ولغاية انتهاء العطلة الربيعية في 5 أبريل ليتم تمديد القرار حتى 29 من الشهر نفسه.
وكان من المقرر أن تبدأ العطلة الربيعية في 19 مارس، على أن تدوم 15 يوما، لكن بداية من 4 أبريل الجاري، وسّعت السلطات الجزائرية، حظر التجوال الليلي ليشمل كافة محافظات البلاد، لتفادي انتشار فايروس كورونا، كما علقت كافة النشاطات السياسية والرياضية والثقافية إلى غاية 29 من الشهر نفسه.
وفي 13 أبريل، أشرف وزير التربية الجزائري محمد واجعوط على اجتماع بتقنية مؤتمرات الفيديو مع مديري التربية بمحافظات البلاد للوقوف على الحصيلة الأسبوعية لبث حصص التعليم عن بُعد للتلاميذ.
وقال واجعوط إنّ “عملية بث حصص التعليم تجاوزت 10 ملايين مشاهدة حسب إحصاء منصة اليوتيوب”.
وأضاف أنّ ”الجهود لمجابهة انقطاع التعليم متواصلة ووجب تفعيل البرنامج وتوسيعه ليشمل الإذاعات المحلية، خاصة للتلاميذ الذين لا يملكون وسائل التكنولوجيا والاتصال”.
وفي ظل الحجر الصحي شكّلت خطوة وزارة التربية باللجوء إلى المنصات الافتراضية لإتمام الدروس للتلاميذ، مخاوف في قطاع التعليم وعلى منصّات التواصل الاجتماعي.
وأكّدت منظمة أولياء التلاميذ أنّ بث الحصص التعليمية على المنصات الرقمية أو عبر قنوات التلفزيون الرسمي سيقابله صعوبة في تحقيق الفهم لدى التلاميذ.
وقالت المنظمة في بيان إنّ “القضية تستوجب عمق التفكير ومراعاة مصلحة التلاميذ بالدرجة الأولى، سواء التربوية والتعليمية أو النفسية أو المادية من ناحية وسائل التكنولوجيا والتحكّم فيها عند التلاميذ”.
وقال البرلماني والنقابي عن الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين مسعود عمراوي إنّه ”لا يمكن بأي حال من الأحوال تعويض المعلّم الذي يلقّن التلاميذ داخل القسم بمنصة افتراضية”.
وأضاف “ولكن يبقى للتعليم عن بعد إيجابيات تمنع انقطاع التعليم عن التلاميذ”.
ووفق عمراوي “يوجد بالجزائر 17 مركزا للتعليم عن بعد، غير أنّ الإشكال يكمن فقط في الامتحانات الرسمية وهي شهادات التعليم الابتدائي والمتوسط والبكالوريا”.
واعتبر أنّ “الانتقال من سنة دراسية إلى أخرى في كل المراحل عادي، ويمكن تحقيقه بما أنّ التلاميذ درسوا فصليْن كامليْن من السنة”.
واقترح النائب البرلماني حلا في حال استمرار الحجر الصحي قائلا “الحل في الامتحانات الرسمية التي تتعلق بالانتقال من مرحلة إلى أخرى يقتصر على توزيع التلاميذ على كل مراكز التعليم بأعداد محدودة تفاديا لعدوى فايروس كورونا”.
من جهته، يرى البرلماني ورئيس الاتحادية الجزائرية لعمّال التربية فرحات شابخ أنّ قرار الحكومة التوجّه إلى التعليم عن بُعد “كان يفترض أن يكون قبل وباء كورونا”.
وقال شابخ “انتظرنا أن تكون هذه التجربة قبل كورونا حتى نساعد التلاميذ وخاصة الفقراء منهم الذين لا يملكون وسائل التكنولوجيا في التعلّم عن بعد”.
وأكدّ أنّ “نجاح هذه المبادرة صعب على صعيد التحضير للامتحانات والنتائج ستكون كارثية لكون التلاميذ لا ينتبهون للدروس بحضور الأستاذ، فما بالك في غيابه”.
وأوضح “أنّ مبادرة الحكومة إيجابية ونتائجها ستظهر بعد ثلاث أو أربع سنوات وليس الآن في ظل تفشي فايروس كورونا”.
بعد شروع الحكومة في التعليم عبر منصّات رقمية للتلاميذ، أعرب ناشطون عبر منصّات التواصل الاجتماعي عن قلقهم إزاء إقدام الدولة على المبادرة.
وكتبت وداد سالي على فيسبوك ”السؤال المطروح: هل يتم تقييم استيعاب التلاميذ لهذه (الدروس) عبر عدد المشاهدات أم ماذا؟”.
وأضافت “كيف يمكنكم (الوزارة) التأكد من أن التلاميذ تابعوا واستوعبوا الدروس فعلا؟”.
وقالت الإعلامية لمياء قاسمي على صفحتها في فيسبوك “هناك عدة مناطق في الجزائر تعاني من انقطاع متكرر للكهرباء من يضمن أن التلميذ سيشاهد التلفزيون خلال فترة عرض المادة؟”.
وأردفت قاسمي “إذا سلّمنا أيضا أنّ الأولياء سيفرضون على أولادهم متابعة الدروس عبر الشاشة، هل كل العائلات باستطاعتها توفير غرفة خاصة للتلميذ كي يدرس عن بُعد؟”.
وأشارت إلى أنّ ”الفكرة تعتبر بعيدة عن تحقيق غايتها المرجوة وهي التحصيل العلمي”.