ناظم نعيم يلتحق برفيق ألحانه ناظم الغزالي

لندن- ودّع العالم العربي الموسيقار العراقي ناظم نعيم بعد أربعة عقود من الاغتراب في الولايات المتحدة عاش فيها يستذكر تاريخه الموسيقي الفذّ.
وغادر ناظم نعيم العراق في بداية ثمانينات القرن الماضي بعد رحلة موسيقية قدّم فيها سفير الغناء العراقي الفنان الراحل ناظم الغزالي (1921 – 1963) إلى العالم العربي في نهاية عقد الخمسينات وبداية ستينات القرن الماضي.وكان ناظم نعيم ملحن جميع أغاني ناظم الغزالي تقريبا، إلاّ أن رحيله المفاجئ في ستينات القرن الماضي جعل نعيم يقول “وفاة ناظم الغزالي أصابتني في الصميم وشعرت بأن الحياة برمتها تخلت عني”.
وولد ناظم لعائلة مسيحية عراقية في عام 1925 وكان والده نعيم سلمو عازفا موسيقيا، الأمر الذي جعل الطفل ناظم يعيش أجواء موسيقية باهرة، صنعت منه لاحقا ملحنا تعبيريا يمزج بين الشعبية العراقية المتمدّنة وروح المقامات العراقية بعد أن تخصص في العزف على آلة الكمان.
درس ناظم نعيم في معهد الفنون الجميلة في بغداد في أوج ازدهاره على يد نخبة من الموسيقيين الأتراك والأرمن وتعمّق في تاريخ الموسيقى العراقية واستلهم التعبيرية البغدادية في ألحان الموسيقار العراقي صالح الكويتي، وهو ما يعدّه النقاد امتدادا لألحان صالح الكويتي.
فبينما هاجر الكويتي إلى إسرائيل في خمسينات القرن الماضي بعد أن قدّم أروع الأغاني في أصوات سليمة مراد وزكية جورج وعفيفة إسكندر، بقي ناظم نعيم يصنع الألحان الباهرة في صوت ناظم الغزالي وسليمة مراد وعفيفة إسكندر وأحلام وهبي ومائدة نزهت وفؤاد سالم وهناء حتى أشهر أغاني الفنان الراحل صلاح عبدالغفور “بغدادية”.
الناقد العراقي الراحل سعاد الهرمزي يرى أن نجاح ناظم الغزالي لم يكن من صنع يديه، بل إن جهد ونصائح الملحن ناظم نعيم دفعته لذلك
وشكل ناظم نعيم مع الشاعر جبوري النجار والفنان ناظم الغزالي ثلاثيا فنيا فتح الآفاق العربية أمام الأغنية العراقية، فقدّموا كل أغاني ناظم الغزالي التي كانت سائدة في المحطات التلفزيونية العربية آنذاك، والتي يعيد أداءها اليوم العشرات من الأصوات الشابة مثل “طالعة من بيت أبوها” و”ما أريده الغلوبي” و”أحبك وأحب كلمن يحبك” و”فوك النخل” و”يم العيون السود” و”مروا عليّ الحلوين” و”تصبح على خير”.
وكتب الصحافي كرم نعمة في استذكار رحيل ناظم الغزالي “لا يمكن رسم مقطع تاريخي للفنان ناظم الغزالي بعد خمسين عاما على رحيله، من دون أن يحضر ناظم نعيم، لأنه في كل الأحوال ستكون (الرسمة التاريخية) غير جديرة بالوفاء، تصل متأخرّة ومكرّرة ككل ما كتب عن ناظم الغزالي في الصحافة العراقية، ولنا أن نتخيّل الصورة الشائعة عنه في الكتابات العربية!”.
وقال نعمة “ليس ثمة شك بأن ناظم نعيم كان مدركا لحجم صوت الغزالي لذلك رسم له الألحان بحسّ يتّفق مع أبعاد هذا الصوت، فبهر العالم العربي بأداء ملتاع مرة ومتسائل مرات، وهو يؤدّي القصائد العربية في مقامات عراقية معبّرة أيما تعبير”.
ولا يوجد تفسير واضح غير العمر القصير، لاكتفاء ناظم الغزالي بألحان ناظم نعيم، بينما كان هناك جيل الخمسينات البارع من الملحنين مثل يحيى حمدي وعباس جميل ورضا علي وأحمد الخليل، “ثمة من يذكر أنه شارك في أوبريت غنائي وطني من ألحان رضا علي عن تمجيد عبدالكريم قاسم”.
ناظم نعيم مع الشاعر جبوري النجار والفنان ناظم الغزالي.. ثلاثي فني فتح الآفاق العربية أمام الأغنية العراقية
ويرى الناقد العراقي الراحل سعاد الهرمزي أن نجاح ناظم الغزالي لم يكن من صنع يديه، بل إن جهد ونصائح الملحن ناظم نعيم دفعاه إلى النجاح، بعد أن انعدمت بينهما عوامل الخلاف والفرقة. فناظم نعيم بنظر الهرمزي “فنان بحق، أما الغزالي فهو مغن فقط، أخفق في أدائه أن يكون قرارا صحيحا، بل إن غناءه كان جوابا قاصرا عن مقتنيات الغناء الصحيح”.
وقدّم ناظم نعيم ألحانا معبّرة للأصوات العراقية بعد رحيل ناظم الغزالي وتوجّ تجربة الفنانة عفيفة إسكندر بمجموعة من الأغاني ما زالت ماثلة في الذاكرة العراقية مثل “هلك منعوك”، كما غنّت له الفنانة أنصاف منير “أنا موبيدي أهلي ما يرضون”.
ونجح في تقديم صوت مائدة نزهت في مجموعة معبّرة من الأغاني التي كانت تستوحي المزاج البغدادي المتمدّن آنذاك مثل أغنية “الروح محتارة” و”كالو حلو”. لكن لحنه لقصيدة الشاعر داود الغنام “محتارين” ارتقى بتعبيرية صوت مائدة نزهت إلى آفاق غنائية ملتاعة قل نظيرها في الغناء العراقي.
واليوم تتردّد كثيرا أغنية الفنان العراقي الراحل فؤاد سالم “أعاتب والعتب سكتة” بينما كان الموسيقار ناظم نعيم يستمع إليها في مغتربه الأميركي البارد ويتذكّر أجواء تلحينها، فلا يجد من يعتب عليه لأنه أخلص لجوهر الغناء وارتقى بالذائقة الموسيقية على مدار عقود في تجربته اللحنية.
.