التشهير بمخالفي العزل الصحي يثير جدلا دستوريا في الكويت

برلمانيون وحقوقيون يضغطون على الحكومة للتراجع عن قرار التشهير بمخالفي العزل الصحي.
الخميس 2020/04/23
حقوق الإنسان خط أحمر

وجدت الحكومة الكويتية نفسها مرة أخرى في مرمى انتقادات الأوساط البرلمانية والحقوقية بسبب قرار لا يزال صداه يثير جدلا واسعا منذ الإعلان عنه مطلع هذا الأسبوع يتضمن التشهير بمخالفي العزل الصحي وحظر التجول عبر وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية في ظل إجراءات مكافحة الوباء، بسبب ما اعتبر خرقا للدستور ومسا من سمعة الأفراد.

الكويت – طرح تحرك الحكومة الكويتية في إطار مساعيها لتطويق انتشار فايروس كورونا المستجد بالبلاد عبر التشهير بكل من يخالف العزل الصحي وحظر التجوال في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مسألة دستورية باتت مثار نقاش محتدم داخل الأوساط السياسية والحقوقية.

وبينما تبرر الحكومة تصرفها ضمن أجندة موسعة للحفاظ على الصحة وفق ما تقتضيه المصلحة العامة، لكن البعض اعتبر الخطوة لن تكون ذات نتائج إيجابية من الناحية الإنسانية كونها ستسيء إلى المواطنين وحتى المقيمين.

وهاجم حقوقيون وبرلمانيون الحكومة جراء اتخاذها القرار باعتباره لا ينسجم مع الدستور الكويتي، والذي يمنع القيام بمثل هذه الممارسات، الأمر الذي سيضع البلد الخليجي أيضا أمام انتقادات منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية.

وكانت الحكومة قد أصدرت خلال اجتماع استثنائي الاثنين الماضي قرارا يقضي بتكليف كل من وزارتي الداخلية والإعلام بنشر أسماء المخالفين عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والصحف المكتوبة، فضلا عن الشبكات الاجتماعية.

محمد الدلال: قرار مجلس الوزراء باطل وغير دستوري ويجب إلغاؤه
محمد الدلال: قرار مجلس الوزراء باطل وغير دستوري ويجب إلغاؤه

واعتبر محمد الدلال النائب في مجلس الأمة (البرلمان) القرار باطلا وغير دستوري ويجب إلغاؤه على نحو سريع قبل تفاقم المشكلة.

واستدل النائب على ذلك في تبرير نقلته عنه وسائل إعلام محلية بعدم وجود سند قانوني يسمح بذلك. وقال إن “القرار يمثل تطاولا على حقوق الناس”.

ولم تقف هذه الانتقادات عند ذلك الحد، فقد رأى النائب شعيب المويزري أن الحكومة أرادت بالقرار تسليط قوتها على ضعاف الحال، بينما يفترض أن توجه ذلك في “ملاحقة الفاسدين”.

ويؤكد متابعون للشأن الكويتي أنه من المفترض أن يحال المخالف للحجر الصحي وحظر التجول إلى المحكمة حتى تبت في شأنه وأن الحكومة إذا أرادت أن تقوم بذلك فعليها أن تحصل على حزام سياسي من البرلمان لتنفيذ خططها.

وتفرض السلطات العزل على كافة السكان وأيضا الكويتيين العائدين من الخارج، والذين لم تظهر عليهم أعراض مرضية، وذلك لالتزام المنزل فترة محددة حتى يتم التأكد من خلوهم من كورونا.

وكانت الحكومة قد فرضت حظرا للتجوال جزئيا منذ مارس الماضي، في إطار جهودها لمكافحة الوباء، غير أنها ستخففه بداية من شهر رمضان ليصبح من الساعة الرابعة بعد الزوال وحتى الثامنة صباحا من اليوم الموالي.

ومن الناحية القانونية، رأى المحامي خالد السويفان، عضو مجلس إدارة جمعية المحامين الكويتية، أن القرار يجمع عدة إخلالات ولا بد أن تعي الحكومة ذلك وتتدارك ما قامت به فورا.

وكتب في تغريدة على حسابه في تويتر “يبقى المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع”.

وحذر السويفان من عواقب القرار على الدولة، معتبرا أنه سيعرض السلطات لقضايا التعويض في حال برأ القضاء من تم اتهامه والتشهير به.

وساند موقف السويفان المحامي الكويتي فهد هلال البادي، حيث أكد أن قرار مجلس الوزراء لم يكن صائبا بالمرة كما أنه “معيب ومخالف للدستور”.

وقال في تغيردة على حسابه في تويتر إن “النص الدستوري صريح بشأن مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة، لا مجال للاجتهاد مع صراحة النص”.

ويرجح مراقبون سياسيون تراجع الحكومة عن هذا القرار المثير للجدل في ظل الضغوط المستمرة من نواب البرلمان والحقوقيين الكويتيين.

ويأتي هذا الجدل، بينما أعلنت السلطات الصحية الكويتية الأربعاء عن تسجيل حالتي وفاة و168 إصابة جديدة بالفايروس لتبلغ الحصيلة حتى الآن 13 حالة وفاة، فيما أصبح إجمالي عدد الإصابات 2248.

خالد السويفان: الخطوة بها إخلالات قانونية والحكومة عليها تدارك الأمر
خالد السويفان: الخطوة بها إخلالات قانونية والحكومة عليها تدارك الأمر

ويعد النقاش المحتدم حول التشهير بمخالفي العزل الصحي وحظر التجول آخر حلقات الانتقاد التي تتعرض لها الحكومة بعدما شنت حملة لترحيل الأجانب.

وفي محاولة لتطويق الأزمة التي تضررت منها الكويت بشكل أكبر من بقية جيرانها في منطقة الخليج، أطلقت مطلع هذا الشهر حملة باسم “غادر بأمان” تستمر شهرا لترحيل الوافدين المخالفين لقانون الإقامة.

وتخشى الكويت أن يجرّ عليها انفلات الخطاب السلبي تجاه الوافدين تهمة إساءة معاملة العمّال الأجانب، وهي التي عانت بالفعل خلال السنوات الأخيرة صعوبات في إدارة ملف هؤلاء العمّال مع بلدانهم الأصلية.

وتجسد ذلك الأمر بوضوح في السجال الحادّ الذي دار قبل نحو سنتين بين السلطات الكويتية والسلطات الفلبينية بشأن العمالة الفلبينية في المنازل وكاد يتطوّر إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين.

وحذّرت مصادر أمنية وقضائية كويتية في وقت سابق هذا الشهر من استفحال ظاهرة إهانة المقيمين وتحميلهم مسؤولية أزمة كورونا وتجارة الإقامات.

ووجد نواب في مجلس الأمة الفرصة مواتية للعمل على تعديل التركيبة السكانية، التي طالما كانت الشغل الشاغل للبرلمان، حيث طالب نواب بالاستغناء عن مليوني وافد، خلال السنوات الخمس المقبلة.

وطالبت النائبة صفاء الهاشم، في تصريح صحافي، بتطبيق نظام “الكوتا” على الجاليات، بحيث لا يتجاوز عدد كل جالية 100 ألف شخص، ووقف تغلغل الوافدين في المناصب الحساسة، وسيطرتهم على القرار الحكومي.

وما يضاعف القلق لدى دوائر كويتية حريصة على سمعة البلد وعلاقاته الخارجية، محاولة بعض الأطراف الاستثمار في حالة القلق من انتشار الوباء للضغط على جاليات بعينها، على غرار استهداف الإخوان المسلمين للجالية المصرية.

ويريد هذا التيار إفساد العلاقة بين الكويت ومصر والتي تضرّر منها الإخوان بشكل مباشر عندما قاد التنسيق بين البلدين العام الماضي إلى تسليم السلطات الكويتية عناصر فارّين من الجماعة إلى السلطات المصرية.

ولطالما واجهت الكويت انتقادات من لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بسبب قضايا حقوقية من بينها مسألة التجنيس.

3