بريطانيا تدفع ثمن عقد من التقشف في القطاع الصحي

لندن - منذ بداية أزمة وباء كوفيد – 19 الذي أودى بحوالي 14 ألف شخص في المملكة المتحدة، انهالت الانتقادات بسبب نقص التمويل المزمن للنظام الصحي الوطني (أن.اتش.أس) الشامل والمجاني الذي يعتز به البريطانيون.
وبات رئيس الوزراء بوريس جونسون، أحد الناجين من الوباء والذي وعد خلال حملة الانتخابات التشريعية بضخ المليارات في النظام الصحي، يؤكد أنه سيقدم له “كل ما يلزم”.
وتعاني دول عديدة أخرى من الوضع نفسه، وخصوصا فرنسا حيث يحتج السلك الطبي منذ سنوات محذرا من ضعف خدمات الطوارئ. وفي وقت تجاوز فيه الوضع قدرة المستشفيات وباتت الوفيات تعد بالآلاف، وعد الرئيس إيمانويل ماكرون بـ”خطة واسعة” للاستشفاء.
وأكد أستاذ سياسة الصحة الدولية في جامعة “امبريال كوليدج أوف لندن” فرانكو ساسي، ردا على سؤال لوكالة فرانس برس، أن الاستعداد لأزمة صحية مثل وباء كوفيد – 19 “كان غير كاف بشكل واضح في غالبية الدول الصناعية بما فيها بريطانيا”.
وأوضح موسيالوس أن ميزانية النظام الصحي البريطاني “تمثل 7.6 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي، أي النسبة نفسها تقريبا التي كانت محددة في 2012 بينما ارتفع عدد السكان وكلفة العلاج”.
وتابع أن هذه الميزانية كانت ترتفع بحوالي 4 في المئة سنويا، لكن بعد الأزمة المالية في 2008 – 2009 التي أدت إلى تقليص كبير في نفقات الخدمات العامة، لم ترتفع سوى 1.5 في المئة على مدى عدة سنوات.
لكن الميزانية استأنفت ارتفاعها خصوصا بعد فضيحة واسعة عرفت باسم “ميد ستاف” عندما نسبت المئات من الوفيات إلى سوء العناية في أحد المستشفيات التابعة للنظام الصحي الوطني.
وهذا النقص المزمن في الأموال يترجم بنقص في عدد الأسرة الذي يبلغ في المعدل 2.5 لكل ألف شخص في بريطانيا، مقابل ستة لكل ألف في فرنسا وثمانية لكل ألف في ألمانيا، حسب أرقام منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.

والفارق أكبر في عدد الأسرة المخصصة للعناية المركزة التي يتحدد فيها مصير المرضى المصابين بكوفيد – 19 بأعلى درجات الخطورة. وتملك بريطانيا أقل من نصف ما لدى فرنسا وأقل بخمس مرات مما تملكه ألمانيا، حسب موسيالوس.
من النتائج الأخرى المترتبة على سنوات التقشف هذه النقص الخطير في الطواقم. وقال موسيالوس إن “حوالي مئة ألف وظيفة شاغرة حاليا في النظام الصحي الوطني، أي وظيفة من كل 12”، معظمها لأطباء وممرضين وخصوصا في أقسام العناية المركزة الممتلئة اليوم.
وأكد فرانكو ساسي أن المملكة المتحدة التي كانت تضم في الأساس عددا من الممرضين والممرضات أقل مما هو في فرنسا أو ألمانيا، “واحدة من الدول النادرة في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي” والتي شهدت “انخفاضا” في عددهم في السنوات الأخيرة.
وهذا الوضع ناجم خصوصا عن صعوبة التوظيف بسبب ظروف العمل التي تزداد ضغطا لا بل لا تحتمل أحيانا، والأجور الضئيلة. لذلك يتخلى كثيرون عن عملهم أو يتجهون إلى القطاع الخاص.
وردت بريطانيا على أزمة كوفيد – 19 باستدعاء الممرضين والأطباء المتقاعدين لاستئناف عملهم، لكن هؤلاء في وضع هش وهامش حركتهم محدود لأنهم مسنون.
وتشير فيونا جونسون من مركز الدراسات المتخصص في القطاع الصحي “نوفيلد تراست” إلى أنه مع انتشار الوباء “تم تأجيل العديد من العمليات (غير المرتبطة بكوفيد – 19)”، ما يمكن أن يؤثر على الصحة العامة في وقت لاحق.
وتضيف أنه في المقابل “ستكون لدينا طواقم منهكة وسيطرح ذلك مشكلة أخرى. حاليا نحن في وسط ميدان المعركة”.