هيئة تحرير الشام تتوجس من انقلاب تركي عليها في إدلب

تستشعر هيئة تحرير الشام إمكانية انقلاب تركيا عليها، في ظل مؤشرات عدة من بينها عودة مسلسل الاغتيالات، وهذا ما دفعها إلى استنفار قواتها استعدادا لأي توجه لضرب نفوذها في شمال غرب سوريا.
دمشق- تسود حالة من الاستنفار والتململ هذه الأيام، صفوف هيئة تحرير الشام التي تقودها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) وسط مخاوف متنامية من خضوع تركيا فعليا للضغوط الروسية بشأن الإسراع في تحييد الهيئة، وهو أحد الشروط التي وضعتها موسكو لوقف إطلاق النار في إدلب الذي دخل حيز التنفيذ قبل شهر.
وتقول أوساط متابعة للوضع في إدلب ومحيطها إن الفصائل المنضوية ضمن الهيئة أعادت الانتشار في المناطق الواقعة تحت سيطرتها وفصائل أخرى في المحافظة بالتوازي مع استمرار استقدام تركيا للمزيد من التعزيزات العسكرية للمنطقة.
وتشير الأوساط إلى أن قيام الهيئة بشن حملة اعتقالات في صفوف الجماعات المعارضة في اليومين الأخيرين، وتشكيل ألوية عسكرية جديدة (3 ألوية) وتعزيز الحواجز لاسيما بالقرب من الطريق الدولي “أم 4”، تبدو خطوة استباقية لأي توجه لضرب نفوذها لصالح القوى المقاتلة الأخرى التي تسوق أنقرة على أنها معتدلة مثل الجبهة الوطنية لتحرير سوريا.
وبدأت تركيا قبل فترة إعادة تجميع الفصائل الخارجة عن عباءة الهيئة وضمها في جسم موحد، وسط معلومات تتحدث عن أن هذا المشروع يجري بنسق متسارع.
وتوصلت أنقرة وموسكو في مارس الماضي لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار في شمال غرب سوريا بعد حملة عسكرية بدأها نظام الرئيس بشار الأسد بدعم من حليفته روسيا في ديسمبر الماضي ونجح خلالها في السيطرة على مناطق واسعة وعلى أجزاء كبرى من طريقين دوليين يعرفان بـ“أم 4” و“أم 5”.
ويقضي الاتفاق الذي جرى إبرامه، بالإبقاء على وضع الراهن، أي دون تراجع القوات الحكومية إلى ما قبل ديسمبر، مع تسيير دوريات مشتركة روسية تركية على طول الطريقين الدوليين الرابطين بين حلب ودمشق وحلب واللاذقية تمهيدا لفتحهما واستئناف النشاط التجاري بهما، وتضمن الاتفاق بنودا سرية في مقدمتها تحجيم هيئة تحرير الشام التي تضم فصائل جهادية لها صلات بتنظيم القاعدة.
ولطالما راهنت تركيا على هيئة تحرير الشام باعتبارها القوة العسكرية الأكثر صلابة وتنظيما في مشروعها التوسعي في سوريا، وسعت على مدار السنوات الماضية إلى الحفاظ على الهيئة رغم أنها مدرجة على لائحة الإرهاب الدولي، ولكن أنقرة تجد نفسها اليوم مضطرة لاتخاذ خطوة حل الهيئة وتقليص نشاطها وإلا فإنها ستجد نفسها في مواجهة غير متكافئة مع الجانب الروسي الذي يرقب اليوم كل خطواتها في تنفيذ الالتزامات المنوطة بها بموجب الاتفاق الأخير، خاصة وأن تركيا سبق وأن نكثت بتعهداتها (اتفاق سوتشي 2018).
وعمدت تركيا مؤخرا إلى فض اعتصام بالقوة لعناصر يقال إنهم ينتمون لهيئة تحرير الشام بلباس مدني، عملوا على عرقلة تسيير الدوريات الروسية التركية المشتركة على الطريق الدولي “أم 4”.
ونتج عن فض هذا الاعتصام عودة الدوريات المشتركة، حيث أعلن مركز المصالحة الروسي أنه جرى الأربعاء تسيير رابع دورية مشتركة في منطقة إدلب.
وكانت روسيا علقت مشاركة قواتها في القيام بدوريات مع الجانب التركي قبل أسابيع لأسباب قالت إنها أمنية.
وأدخلت هذه الخطوة التركية شكوكا في نفوس قيادات الهيئة حيال إمكانية أن تتخلى عنهم أنقرة، وتعزز هذا الشعور مع عودة مسلسل الاغتيالات لقياداتها “الروحية” وعناصرها، حيث أكدت مصادر معارضة والمرصد السوري مقتل “قاضِ” بتحرير الشام وشخص آخر بعبوة ناسفة انفجرت بسيارة يستقلانها الثلاثاء في مدينة كفر تخاريم بريف إدلب الشمالي الغربي.
استؤنفت الدوريات الروسية التركية المشتركة على الطريق الرابط بين حلب واللاذقية بعد فض اعتصام رافض للوجود الروسي
وكان المرصد السوري أعلن قبل أيام، إصابة قيادي في جبهة ثوار سراقب بجروح، جراء إطلاق نار عليه من مسلحين مجهولين حاولوا اختطافه في مدينة إدلب.
وسبق أن جرت عمليات اغتيال في صفوف قيادات الفصائل الجهادية والمعارضة اختلف في تأويل أسبابها المتابعون بين من اعتبرها حرب تصفية حسابات ومعارك على النفوذ، وآخرون قالوا إن قوى إقليمية ودولية تقف خلفها.
ويقول محللون إن عودة سلسلة الاغتيالات لتضرب عناصر هيئة تحرير الشام في هذه الظرفية لا يمكن قراءتها بمعزل عن التسوية الروسية التركية، خاصة وأن هناك قيادات متشددة في الهيئة لا تخفي رفضها لتلك التسوية وهي لا تقبل خسارة مركز نفوذها لفائدة قوى أخرى.
وانتشرت الأربعاء، مقاطع فيديو لعناصر يقال إنهم ينتمون للهيئة يتوعدون فيها الجنود الأتراك، وبث المرصد السوري لحقوق الإنسان إحداها حيث يظهر عناصر ملتحون يقفون بالقرب من جنود أتراك على طريق “أم 4” الرابط بين حلب واللاذقية، من جهة بلدة النيرب شرق إدلب.
وقال أحد العناصر موجهاً كلامه بطريقة لا تخلو من سخرية وتهكم إلى الجنود الأتراك “نحن نحبكم وبإذن الله عز وجل سنضع رؤوسكم هنا على الطريق، لن نأخذها معنا، لا تخافوا”. وتابع العناصر استهزاءهم بالجنود الأتراك عبر مصطلحات “عسكرية” متعارف عليها لدى السوريين بالإضافة إلى شتمهم باللغة التركية في نهاية مقطع الفيديو المصور.