أي دور للثقافة في أوقات الأزمات

أبوظبي – نظمت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي بالتعاون مع منظمات ثقافية عالمية تجربة بث مباشر حصري لحلقة حوارية بعنوان “الثقافة ودورها في توحيد العالم في أوقات الأزمات” عبر قناتها على اليوتيوب وذلك في ضوء تأجيل فعاليات “القمة الثقافية – أبوظبي 2020” إلى العام المقبل.
وترأس محمد خليفة المبارك رئيس الدائرة الحلقة الحوارية التي جاءت بعنوان “الثقافة ودورها في توحيد العالم في أوقات الأزمات” بمشاركة إرنيستو أوتون راميرز، مساعد المدير العام للثقافة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونيسكو” وأليكساندرا مونرو كبيرة القيمين الفنيين بقسم “سامسونج” للفن الآسيوي وكبيرة مستشاري “الفنون العالمية” في متحف ومنظمة سولومون آر جوجنهايم، وريبيكا ليونز مديرة التعليم والمقتنيات في الأكاديمية الملكية للفنون، وميلاني نورونها محرر أول ريادة الفكر لوحدة “ذي إيكونوميست” في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، وماريسا هندرسون، رئيسة الاقتصاد الإبداعي في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.
وقال محمد خليفة المبارك لمتابعي الجلسة “إن ‘القمة الثقافية أبوظبي‘ انطلقت أساسا من إيمان مشترك بقدرة الثقافة على إحداث تغيير إيجابي من خلال إلهام المجتمعات للتسامي فوق جراحها وبلوغ آفاق حضارية جديدة”. وأضاف أن “الثقافة هي الرابط الذي يوحدنا جميعا بصرف النظر عن هوياتنا أو مناطقنا الجغرافية مع دخول العالم مرحلة جديدة من العزل أكثر من أي وقت مضى في التاريخ” .
وأكد أن الثقافة هي ترياق المجتمعات والمنارة التي تهتدي بها في أوقات الأزمات. منوها إلى أن النسخة القادمة من فعاليات “القمة الثقافية أبوظبي” ستعقد في مارس 2021 تحت شعار “الاقتصاد الثقافي واقتصاد الثقافة”.
وبدأت الجلسة الحوارية بالحديث عن تأثير الوباء العالمي على الفنانين والمؤسسات الثقافية.. وقال إرنيستو أوتون راميرز، مساعد المدير العام للثقافة في منظمة اليونسكو، إن الأزمة الصحية ضربت قطاع الثقافة في العمق وأرخت بظلالها على سلسلة القيمة الإبداعية بالكامل مع عجز الكثير من الفنانين والمبدعين حول العالم عن تغطية نفقاتهم.
وأضاف أنه في ظل الإغلاق التام أو الجزئي لنحو 89 في المئة من جميع مواقع التراث العالمي حول العالم، بات هذا الوضع يهدد سبل العيش على نحو خطير وتتكبد المؤسسات الثقافية خسارات مالية فادحة تضطر معها إلى تسريح موظفيها وبذلك أصبحت المنظومة الثقافية أكثر هشاشة.
ولفت إلى أنه -على الرغم من نقل الكثير من المحتوى الثقافي إلى الإنترنت- إلا أن أكثر الناس حاجة للوصول إلى الثقافة لا يجدون سبيلا إلى التكنولوجيا والإنترنت، وبالتالي يجب علينا أن نبذل ما بوسعنا للوصول إليهم وإيجاد حلول جديدة.
من جانبها ناقشت ماريسا هندرسون رئيسة الاقتصاد الإبداعي في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، خطورة الوضع الاقتصادي في جميع أنحاء العالم. مشيرة إلى أن تباطؤ التصنيع وانخفاض الصادرات يؤثران بشكل كبير على البلدان النامية تحديدا، خصوصا وأن هذه البلدان غير قادرة على تقديم المستوى ذاته من حزم التحفيز الاقتصادي التي أطلقتها الدول المتقدمة.
وقالت إن الخدمات الثقافية والإبداعية تأثرت بصورة كبيرة. وإن خدمات التكنولوجيا باتت على ما يبدو شريان الحياة لنا جميعا الآن.
وفي إطار إجابتها على سؤال كيف تتعامل المؤسسات الثقافية مع الوضع الراهن. تحدثت ريبيكا ليونز مديرة التعليم والمقتنيات في الأكاديمية الملكية للفنون بلندن عن الصراع الذي تخوضه الأكاديمية حاليا باعتبارها مؤسسة أنشأها ويديرها الفنانون وتعتمد في جني إيراداتها كليا على الزوار والأعضاء
والمانحين.
وأكدت أن التحدي الأبرز بالنسبة إلى الأكاديمية يتمثل في كيفية إشراك الجمهور والاحتفاظ به في ظل غياب أي مصادر دخل.. مشيرة إلى أن فريق الأكاديمية يبذل قصارى جهده للحد من تداعيات هذه الأزمة مع الحفاظ على معنويات مرتفعة لدى المجتمع.
وقالت ميلاني نورونها، محرر أول ريادة الفكر لوحدة “ذي إيكونوميست” في أوروبا – أفريقيا والشرق الأوسط، إن الإعلام أفضل حالا بكثير من بقية الجوانب الأخرى للاقتصاد الثقافي. مشيرة إلى استخدام الصحافيين التكنولوجيا لإجراء البحوث وإجراء المقابلات عن بعد.
ووجه المبارك بعد ذلك الحديث إلى أليكساندرا مونرو، كبيرة مستشاري الفنون العالمية في متحف ومنظمة سولومون آر جوجنهايم، متسائلا عن أي تحديات أخرى -عدا فايروس كورونا- تواجه المتاحف والمؤسسات الثقافية اليوم.
وأجابت مونرو أن الثقافة نفسها كمفهوم لا تعاني من أي أزمة على الإطلاق، وإنما تكمن الأزمة لدى المؤسسات والفنانين المسؤولين عن إنتاج الثقافة. مشيرة إلى أن مظاهر التضامن التي يبديها الناس حول العالم، مثل حفلات الشرفات، هي ثقافة قائمة بحد ذاتها.
وبالحديث عن دور الثقافة في هذه الأزمة، قال إرنيستو أوتون راميرز “إن الطبيعة العالمية للأزمة وتأثيرها على المؤسسات الثقافية قاطبة فتحا الباب أمام توجه جديد بعدما أتاح الأمر لهذه المؤسسات استكشاف التكنولوجيا بطرق جديدة، وساعدها في كثير من الحالات على استقطاب جمهور أكبر.. وما يهم في نهاية المطاف أن تبقى الثقافة هويتنا، وستكشـف لنا فترة العـزلة هذه مدى أهمية الثقافة في حياتنا اليومية”.
وأعرب عن أمله في أن تدرك المجتمعات وصناع السياسات بعد الأزمة مدى أهمية دعم الفنانين والقطاع الإبداعي، فقطاع الثقافة غالبا ما يكون الأولوية الأخيرة، ونأمل أن يعاد النظر في ذلك بعد الأزمة.
وعن الطريقة المبتكرة التي تستجيب بها المؤسسات الثقافية والقطاع عموما للأزمة، قالت أليكساندرا مونرو إن المحتوى الذي طرحته منظمة ومتحف جوجنهايم عبر قنواتهما على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية حقق نجاحا مذهلا، حيث وصل إلى جمهور أوسع وحقق مستويات أعلى من المشاركة والتفاعل أكثر من أي وقت مضى.
ولفتت ماريسا هندرسون إلى أن الطلب على الاقتصاد الرقمي ارتفع أكثر من أي وقت مضى، فاستخدام الإنترنت بات يتعدى أغراض الدراسة والعمل إلى الترفيه. ولأن الوظائف في القطاعات الإبداعية تعتبر من بين الأكثر هشاشة، لذا من الضروري أن نضمن لها مستوى أعلى من المرونة والحماية.
وتحدثت ريبيكا ليونز عن مزايا وإخفاقات الحضور الافتراضي للمتاحف مشيرة إلى ضرورة إبداء مستوى كاف من المرونة والتكيف في الوصول إلى الجمهور وتفعيل مشاركتهم. ونوهت إلى أن المرونة هي شيء يكتسبه الفنان عبر تكرار المحاولة والفشل ولا ينبغي أن تخاف المؤسسات من القيام بالشيء نفسه.. وقالت أن الفن يجب أن يكون جذابا وتعاونيا، ومن هنا تنبع أهمية تلاقي الجمهور وتفاعله مع المحتوى الرقمي.
وأشادت ميلاني نورونها بمبادرة المؤسسات الثقافية حول العالم لتوفير وصولها أمام الجمهور خلال هذه الأوقات العصيبة. مؤكدة ضرورة تحري مواطن الضعف عند ترجمة المحتوى إلى الصيغة الرقمية، وأهمها أن التجربة الافتراضية لا يمكنها أن توفر نفس المستوى من الروعة والإلهام مثل التجربة الحقيقية.
وأكد محمد خليفة المبارك أن هذه ليست المرة الأخيرة التي سيتعرض فيها القطاع الإبداعي لمثل هذه الأزمات وبالتالي نحتاج إلى امتلاك الأدوات الضرورية لتعزيز مناعته في مواجهة مثل هذه الظروف مستقبلا.
وقدم المشاركون في نهاية الجلسة بعض الأفكار الختامية. حيث شجعت ريبيكا ليونز الناس في جميع أنحاء العالم على الانخراط في المشاريع الإبداعية بجميع الوسائل الممكنة. مؤكدة أن الثقافة والفن للجميع.
ودعت أليكساندرا مونرو إلى التعاون في المرحلة المقبلة، مشيرة إلى ضرورة الاستفادة من هذا الشعور الجديد بالتضامن لحث المؤسسات الكبرى على مساعدة نظيراتها الأصغر.
واختتم محمد خليفة المبارك الحلقة الحوارية بالإعلان عن تشكيل فريق عمل لمراقبة معطيات القطاع الثقافي، وإجراء التحليلات اللازمة لضمان مواجهة التحديات بشكل فاعل. ونوه إلى أن الثقافة تتطور باستمرار لكنها في الجوهر ركيزة ثابتة تحدد هوياتنا، ولهذا ينبغي علينا أن نلتزم بها أيا كانت الظروف.
وأعقب الحلقة الحوارية عرض خاص لكاتب ومنتج الأغاني الأميركي الحاصل على جائزة جرامي والمرشح لجائزة إيمي ديزموند تشايلد بالإضافة إلى اثنين من العروض الموسيقية التعاونية من تنسيق بيركلي أبوظبي.