حسين صبور عراب العقارات في مصر يواجه كورونا على طريقته

تصريحات صبور تبدو متماشية مع التصور الشائع للاقتصاد الرأسمالي الذي يحمّل الطبقات الفقيرة الأزمات الاقتصادية وارتفاع البؤس والبطالة.
الأحد 2020/04/12
حسين صبور: موت البعض بالفايروس أفضل من الإفلاس

ظل رجال الأعمال المصريون الظهير الاقتصادي الداعم لقرارات الحكومة، ينتفضون لدعم سياساتها، ويتطوعون للإشادة بتحركاتها، ويتدخلون بأموالهم لتخفيف التداعيات السلبية لتوجهاتها على القطاعات الفقيرة، قبل أن تأتي جائحة كورونا لتظهر موقفًا استثنائيا للمستثمرين الكبار بزعامة المهندس حسين صبور، أشهر وأقدم مطور عقاري محلي.

ولكن صبور، عراب قطاع العقارات في مصر، يرفض سياسة الدولة في تطبيق حظر التجوال، ويهاجم دعوات التبرع للعمالة غير المنتظمة المتضررة من قرارات البقاء في المنازل، ويرفع شعار “وفاة البعض بكورونا أفضل من الإفلاس”.

وجّه صبور صدمة للشارع المصري بتصريحات رفض فيها تقييد حركة البشر وتجمعاتهم كوسيلة لمواجهة تنامي أعداد المصابين بكورونا، وانتقد تقليص المصانع لساعات الدوام وتقليل أعداد العمال المتواجدين على خطوط الإنتاج، واعتبر أن موت البعض بالفايروس أفضل من الإفلاس الاقتصادي.

لا يغرد منفرداً

أفكار صبور تتناغم مع طروحات رجلي الأعمال نجيب ساويرس ورؤوف غبور، اللذين يحافظان على مكانتهما ضمن قائمة أغنى الأثرياء العرب، ليطالب الثلاثة بعودة جميع العمال إلى أعمالهم فورًا، بصرف النظر عن مخاطر الوباء العالمي

تواكبت أفكار صبور مع رجلي الأعمال نجيب ساويرس، ورؤوف غبور، وهما اللذان يحافظان على مكانتهما ضمن قائمة أغنى الأثرياء العرب ليطالب الثلاثة بعودة جميع العمال لأعمالهم فورًا، بصرف النظر عن مخاطر الوباء العالمي، ما يراه البعض تجسيًدا للتوجه البلوتقراطي، أي حكم الأثرياء، لطائفة من رجال الأعمال بمصر، وانتمائهم ولو دون قصد لأنصار “الرأسمالية المتوحشة” التي تعتد فقط بتنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها باعتبارها الغاية والوسيلة والهدف.

لكن صبور، الذي تجاوز 84 عامًا، كان أكثر تماديًا، حينما قال إنه لا غضاضة في تنامي المصابين بكورونا، ولا أزمة حتى لو عجزت المستشفيات عن استيعابهم، ولا ضرر في ترك بعض الإصابات دون علاج، رافعًا شعارًا عريضًا “شعب قائم يعمل وناقص شوية أفضل من شعب مفلس تماما لا يجد قوته غدًا”.

أبدى المليونير رفضه التام والقاطع للتبرع لجهود المجتمع المدني الرامية لتخفيف الضغط على العمالة غير المنتظمة التي تواجه شبح الجوع بسبب توقف النشاط الاقتصادي، فأمواله لأسرته ولموظفيه فقط وليس مسؤولاً عن دخل الشعب، ليضرب صورة رسمها رجال الأعمال المصريين على مدار عقود بتبنيهم مسحة تكافلية ومشاركة قدر من أرباحهم مع الفقراء.

أعاد رجل الأعمال إلى الأذهان الاتهامات للرأسمالية الاقتصادية بالجور على حقوق العمال والتضحية بأجسادهم البشرية من أجل استمرار دوران عجلة الإنتاج وطنين الآلات، ليصبح الدافع وراء النشاط الإنتاجي تحقيق الأرباح لمالكيه، وليس تلبية الاحتياجات الأساسية للبشر وفي مقدمتها سلامتهم الصحية، ما يجعل علاقة العمل كأنها قائمة على الاستغلال.

تتبع مواقف صبور ومعتقداته على مدار عمره الطويل لا يجعل آراءه مستغربة، وربما يكمن الاستهجان من طبيعة اللغة المستخدمة في خطابه فقط دون المضمون، فالرجل استطاع أن يحافظ عبر لسانه على خط في علاقته مع الدولة يقوم على الدفاع عن مصلحته، والشراكة مع الدولة، ومناكفتها أحيانا لكن دون الدخول في عداء معها.

ظل طوال حياته العملية الممتدة لنصف قرن محافظًا على مكان ثابت تحت جناح الدولة كأحد رجالها الأوفياء، وكان حاضرًا في مشروعاتها الضخمة كمترو الأنفاق وبناء المدن الجديدة.  ولا يزال محافظًا على ذلك الدور عبر شركته “الأهلي للتنمية العقارية” ومكتبه للاستشارات الهندسية، بالمشاركة في مشروعات الحكومة الحالية في العاصمة الإدارية، وتولي أعمال التصميمات والإشراف على تنفيذ عشرة مشروعات سكنية تابعة لمجموعة من المطورين العقاريين بالقطاع الخاص بداخل الأحياء السكنية.

مشروعات عملاقة

صبور يصدم الشارع المصري بتصريحاته التي يرفض فيها تقييد حركة البشر وتجمعاتهم كوسيلة لمواجهة تنامي أعداد المصابين بكورونا، منتقداً تقليص المصانع لساعات الدوام
صبور يصدم الشارع المصري بتصريحاته التي يرفض فيها تقييد حركة البشر وتجمعاتهم كوسيلة لمواجهة تنامي أعداد المصابين بكورونا، منتقداً تقليص المصانع لساعات الدوام

استطاعت شركات صبور إنشاء وتطوير 57 مشروعًا عملاقًا في القطاعات السكنية والتجزئة العقارية والمساحات المكتبية والسياحية والاجتماعية والأندية الرياضية بمساحة إجمالية، تصل إلى 12 مليون متر مربع، وحافظ خلالها على مبدأ لن يتركه طالما تدب الأنفاس داخل صدره بأن “رأس المال لا يعرف العواطف”.

يقترن دفاع صبور وغيره من رجال الأعمال عن الحكومة بشرط مسبق يتعلق بعدم تبنيها سياسات تمس أرباحهم، ولا يستعف من إشهار أنيابه في الهواء حال شعور بالقلق إزاء مكاسبه، فعلى مدار الشهور الماضية وجه هجومًا مستترًا لدخول الحكومة سوق البناء وتشييدها وحدات سكنية لذوي الدخل المرتفع، وطالب بأن يكون دورها منظما للسوق وليس منافسًا لأطرافه.

ولا تمثل الحساسية التي يعاني منها صبور إزاء مطالبته بالتبرع أمرًا جديدًا عليه، فلم يخش من رفع ورقة الرفض في وجه الرئيس الأسبق حسني مبارك، حينما سأله عن سبب إحجام رجال الأعمال عن التبرع للمشروعات القومية، مثلما يحدث في الولايات المتحدة، كان رده أن الثروات في الغرب تشكلت بسبب انتهاجها الرأسمالية لعقود، بينما لا تمتلك الرأسمالية المصرية الحديثة النشأة ثروات كافية.

يقدم نفسه دائمًا كرجل عصامي كافح من أجل الوصول، وأسس شركته في عمر 35 عامًا فقط، لكنها نصف الكوب الفارغ فحسب، فالشاب الذي تخرج في كلية الهندسة وجد دعما مستمرا من أسرة تضم والده فايق صبّور رئيس مصلحة المساحة الحكومية، وعائلة متمتعة بالمناصب حتى أنه أسس مكتبًا استشاريًا بشراكة اثنين من أبناء الأثرياء في سن مبكرة. ووجد في الرأسمالية الصرفة غايته في تحقيق طموحاته في اعتلاء عرش المطورين العقاريين بمصر، فعمره الطويل أهله لمعاصرة النظام الملكي في شبابه، ومعايشة جميع حكام مصر في عهد الجمهورية وتنقلاتها السياسية بين الاشتراكية والرأسمالية أو الجمع بينهما، وفي رأيه فإن الرئيس الراحل أنور السادات كان أفضل من جلس على عرش مصر.

لا يزال رجل الأعمال أسيرًا لفترة السبعينات حتى في الدفاع عن آرائه حول ممارسة الحياة الطبيعية في عهد كورونا دون محاذير أو إجراءات احترازية، فالأمر عنده يشبه قرار حرب أكتوبر 1973 الذي اتخذه السادات دون تفكير في إمكانية وفاة الكثير من الجنود أو دراسة قدرة المستشفيات حينها على إنقاذ الجرحى، ليصبح الأمر شبيهًا بالعمل أولاً وليمت من يمت، ومعروف أن أول المشروعات التي دشنها في حياته المهنية كان بناء مدافن في القاهرة مقابل 375 دولارًا أميركيًا لكل مدفن.

ارتبط بعلاقة قوية بنظام السادات أهلته لرئاسة المجلس المصري الأميركي، المشرف على إنفاق المعونة العسكرية الأميركية لمصر طوال حقبتي السبعينات والثمانينات، وعمل على التأثير على السياسات الاقتصادية للقاهرة وإدخال تعديلات هيكلية على مضمون التشريعات والنظم القائمة بها وربطها بمتطلبات تحقيق النجاح لسياسة الانفتاح الاقتصادي.

كان المجلس اللبنة الأولى التي استتبعها إنشاء حزمة من روابط لرجال الأعمال وتعزيز وجودهم الاقتصادي، فتأسست جمعية رجال الأعمال المصريين عام 1977 والتي يرأسها صبور حتى الآن بصورة شرفية، وجمعيات مشابهة في المدن الصناعية الجديدة والمحافظات، بجانب الغرفة التجارية الأميركية، والتي هدفت جميعها إلى تهيئة المناخ لمساعدة رجال الأعمال على ممارسة دورهم في البناء الاقتصادي، ووضع تصورات أمام المسؤولين تعزز مقاربتهم الإيجابية في تنفيذ السياسة الاقتصادية.

يدين بعض الأثرياء المصريين في نفوذهم ووضعيتهم في المجتمع إلى الفترة التي تلت حرب 1973 وشهدت بدء العمل بقانون الاستثمار والتي كونوا خلالها لأنفسهم طائفة صغيرة، سرعان ما عوضت نقصها العددي بالانغماس في جميع جوانب الحياة الاقتصادية والجمع بين الاقتصاد والسياسة وتوجيه كفة المشروعات الحكومية تجاه منفعتهم الخاصة.

ويحمل صبور عداءً لنظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ومبادئه، ينبع من تأثيرها على حلمه الكبير في بداية حياته المهنية، فشريكه وصديق عمره هاجر إلى كندا بعد قوانين التأميم مطلع الستينات خوفًا من مصادرة الدولة لمكتسبات القطاع الخاص، ومع دخول الشاب حينها عالم العقار صدرت قوانين تحديد إيجارات المساكن التي أوقفت القطاع الخاص عن البناء، وحينما غيّر وجهته إلى إنشاء الورش الصناعية لصالح الحكومة جاءت نكسة 1967 لتوقف النشاط الصناعي.

كانت القوانين الاشتراكية وراء قرار صبور ترك مصر والتوجه إلى ليبيا التي يدين لها ببناء ثروته، فخلال عمله داخلها استفاد من انفتاحها على أوروبا والمنافسة الشرسة بين أكبر المكاتب العالمية على مشروعات البنية الأساسية، واكتسب خبرات في كيفية تقديم العروض والمنافسة على الجودة وليس السعر فارتفع مستواه بعد عودته مع تولي السادات زمام الأمور.

تصريحات موجهة

آراؤه الإشكالية لم تفقده موقعه طوال حياته العملية الممتدة لنصف قرن، تحت جناح الدولة، كواحد من رجالها الأوفياء الحاضرين في مشروعاتها الضخمة
آراؤه الإشكالية لم تفقده موقعه طوال حياته العملية الممتدة لنصف قرن، تحت جناح الدولة، كواحد من رجالها الأوفياء الحاضرين في مشروعاتها الضخمة

لا يبالي الرجل كثيرا بمعادلة الآثار الاجتماعية للقرارات السياسية القاسية، فهو دائم المطالبة بالتخلص من نحو 5 ملايين موظف يعملون في المؤسسات العامة والشركات الحكومية لتقليل عبء بند الأجور بموازنة الدولة، دون تقديم مقترحات تضمن كيفية توظيفهم في أنشطة أخرى ينفقون منها على أسرهم.

على مدار الأعوام العشرة الأخيرة وقف صبور مع الدولة ضد الطبقات الفقيرة، ليرفض دعوة بشأن تحسين رواتب العمال بعد ثورة 25 يناير 2011 ووصفها بمطالب فئوية، وفي كل أزمة اقتصادية يصف المصريين بالكسل والاتكالية والتهرب من العمل. ودائما ما يكون الطرف الأضعف هو المتهم من وجهة نظر رجل الأعمال الكبير، فحينما انهار كوبري حكومي بجنوب مصر بعد افتتاحه مباشرة حمّل العمال المسؤولية واتهمهم بالتقصير لتأتي النيابة وتنصفهم وتنقل الإدانة إلى المهندسين، وفي قضايا الرشوة الكبرى كان موقفه موجهًا ضد صغار الموظفين ويبرئ الكبار من تلويث أيديهم بالمال الحرام، قائلاً إنه على مدار نصف قرن من التعامل مع الحكومة لم يجد مسؤولاً واحد مرتشيًا.

ضد إسكان الفقراء

تبدو تصريحات صبور متماشية تماما مع التصور الشائع للاقتصاد الرأسمالي الذي يحمّل الطبقات الفقيرة الأزمات الاقتصادية وارتفاع البؤس والبطالة، باعتبارهم الأكثر إنجابا والسبب في زيادة معدلات النمو السكاني، وهم الذين يستنزفون الجهود التنموية للحكومات الرأسمالية ويضيعون مجهودات كبار رجال الأعمال في زيادة التصدير والناتج المحلي.

وحينما قررت الحكومة تعويم الجنيه المصري قبل ثلاثة أعوام ما سبب موجة ارتفاع أسعار أضرت بالقطاعات الفقيرة وأدت إلى تذمرها، كان رد إمبراطور العقارات حينها الطلب من المواطنين التأني والصمت بدل إبداء اعتراضهم ولو على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وحمّلهم مسؤولية وصول الاقتصاد المحلي إلى “التسول” من الخارج، أي ارتفاع معدل الاقتراض من الخارج والديون لمستويات قياسية.

قال في تصريحات تلفزيونية أخيرًا، إنه يرفض الدخول كغيره من المطورين في بناء وحدات سكنية للفقراء أو محدودي الدخل أو الفئات التي لا تستطيع الدفع، ومجهوده يقتصر على بناء مشروعات لمن يملك المال، قائلا “لن أخدم المجتمع ببناء وحدات للفقراء فتضيع أموالي هباء”.

رغم علاقة صبور بالحكومات المصرية المتتابعة إلى درجة مشاركة البنك الأهلي المصري، أكبر البنوك الحكومية في شركة مشتركة معه “الأهلي للتنمية العقارية” التي تأسست خلال التسعينات بنسبة مساهمة تمنحه الإدارة تقدر بستين في المئة، إلا أنه فضّل عدم الانضمام إلى الحزب الحاكم “الحزب الوطني” في حينها، رغم تلقيه عروضًا متكررة، مبررًا ذلك أن انشغال الحاكم بالتجارة يفسد الحاكم والتجارة، والأمر ذاته ينطبق على التجار.

يرى صبور الذي ترعرع في حي مصر الجديدة الراقي في كنف أسرة تنتمي إلى الطبقة فوق المتوسطة أن الحكومة الحالية تتعامل مع المواطنين برفق ولين غير مطلوبين، فيما هو لا يريد من الشارع أن يشتكي أو يتذمر من ارتفاع الأسعار أو انخفاض الأجور، فذهنه دائما مشغول بسلسلة من قوائم الجداول، وأكثرها بريقا لعينيه المستترتين وراء نظارته الضخمة “صافي الأرباح”.

8