حسان أبوعياش فنان سوري يجمع بين الرسم وفن الديكور التلفزيوني

الفنان التشكيلي حسان أبوعياش يدعو إلى ضرورة توظيف الجماليات المحلية في الفن في مواجهة اجتياح العولمة.
الجمعة 2020/04/10
المُصمّم لا يُفكّر في المُطلق، إنما يُفكّر وهو يرسم

شكّل حضور الفنان حسان أبوعياش منعطفا هاما في تاريخ فن الديكور التلفزيوني في سوريا، واستطاع به تقديم قفزات نوعية هامة، خاصة مع المسلسل الشهير “أيام شامية” الذي أنتج عام 1993، العمل الذي مثّل منعطفا هاما في تاريخ الدراما السورية وكرّس بشكل منهجي ما يُسمّى أعمال البيئة الشامية. مسلسل كان وراءه شيخ كار فن الديكور التلفزيوني، حسان أبوعياش الذي كان لـ”العرب” معه هذا اللقاء.

دمشق – في المسلسل السوري الشهير “أيام شامية” قدّم الفنان التشكيلي حسان أبوعياش جهدا حاز على إشادة من الكثيرين من صناع الفن الدرامي السوري. فوصفه صباح قباني أول مديري التلفزيون السوري وشقيق الشاعر الراحل نزار قباني بأنه نقل أجواء الحارة الدمشقية بتنوّعاتها وتفاصيلها إلى الأستوديو، وفي نفس الاتجاه تحدّث المخرج الشهير هيثم حقي مبديا أن العمل شكل خطوة متقدّمة في ديكور الأعمال التلفزيونية السورية.

واشتغل أبوعياش أيضا على ديكورات العديد من الأعمال التلفزيونية السورية الهامة، منها “باب الحارة” المسلسل العربي الأشهر والأطول، كذلك مسلسل “العبابيد” ولاحقا “دليلة والزيبق”، كما قدّم في السينما فيلم “الأم” مع المخرج باسل الخطيب ومسرحيا “كاسك يا وطن” مع دريد لحام.

حرفة فنية

حسان أبوعياش: الرسم يساعدني على تخيّل الأماكن التي أصمّم ديكوراتها
حسان أبوعياش: الرسم يساعدني على تخيّل الأماكن التي أصمّم ديكوراتها

تسأله “العرب” عن مساحة التلاقي بين الجمالي والدرامي في المسلسل التلفزيوني، فيقول “التفرقة بين الفنون المختلفة أو بين المهنة والفن أمر يحتاج إلى توضيح، مثلا مهنة هندسة الديكور لها أُسس ومًقوّمات، فإن التزم المُصمّم بالقواعد الأساسية فيها والتي تخدم العمل الذي كلّف به، كتوافقها مع المقولة الدرامية ومع أسلوب الإخراج وإمكانيات الجهة المنتجة. عندئذ يُلقّب بالمهني الماهر، وإن أضاف عليها من تجربته الشخصية عناصر إبداعية مُتجدّدة ومتفرّدة ووضع فيها بعضا من أفكاره الإبداعية وأسلوبه الخاص أصبح يلقّب بالمهني الفني”.

وهنا ينبّه إلى أن الجهة المنتجة بإمكانياتها المادية والزمنية وجهة الإخراج بالأسلوب الإخراجي الذي تتّبعه قد تسمح أولا للمُصمّم بإضافة الكثير أو القليل من أفكاره الفنية وإبداعه وأسلوبه الخاص، وهو ما يميّز عملا مّا عن آخر.

عمل أبوعياش طويلا في الديكور التلفزيوني وحقّق خلال ما يُقارب النصف قرن مكانة عالية، الأمر الذي جعل بعض المهنيين يُلقّبونه بشيخ كار الديكور التلفزيوني في سوريا، وعن ذلك يُضيف “عُيّنت في التلفزيون العربي السوري عام 1967. ولم يكن لديّ أيّ  فكرة عن الديكور التلفزيوني، فهذا الفن لم يكن من مناهج كلية الفنون الجميلة. كما أن التلفزيون كان حديث النشأة (1960)، ولم تكن الكوادر الفنية والتقنية  قد اكتسبت المهارة الكافية بعد”.

ويُواصل “إضافة  إلى أنه لم تكن هناك محطات خارجية تلتقط في سوريا تمكن الاستفادة من تجربتها، إلاّ محطتان في لبنان والأردن حديثتي الولادة أيضا وضعيفتي الإرسال، ولم تكن هناك مصادر مُتوفّرة لاكتشاف أسلوب وطريقة الديكور التلفزيوني”.

أيامها كان العاملون في الديكور التلفزيوني يقولون إنه شبيه بالديكور المسرحي ذي الجدران الثلاثة، فأتت الديكورات الأولى تشبه الديكور المسرحي. ويوضّح أبوعياش “كنا نستعين غالبا بالرسم بالرمادي ودرجاته لإظهار عناصر الديكور وتأثيراته، ثم نضيف إليه المفروشات المناسبة”.

وأيامها كانت الأعمال محصورة في الأستوديوهات فقط، حيث تُنفّذ هناك، ولم يكن التصوير خارجها مُمكنا، ومع الوقت بدأ الإرسال الملوّن عام 1980، وما لحقه من تصوير خارجي في التسعينات. حينها، فقط، صارت تجارب مُصمّمي الديكور وغيرهم من الفنانين تتجدّد وتتكثّف، ومن ثمة بات يتمّ تبادل الخبرات، الأمر الذي استمر إلى اليوم. ثم أصبح الديكور التلفزيوني أقرب إلى فنّ العمارة.

أما في خصوص ما يُقال عن كونه “شيخ الكار”، يؤكّد أبوعياش “جميع مهندسي ديكور الفترة الأولى أسّسوا بنجاح لهذه المهنة ولهم تجاربهم المهمة. وأعزو أن سبب النجاح الذي نسب إليّ هو حبي للمهنة التي اخترتها وتوظيف خبراتي الفنية التشكيلية لخدمتها، وللمدة الطويلة في ممارستها في التلفزيون العربي السوري وفي القطاع الخاص، والذي ناهز الخمسين عاما وما زلت مستمرا فيها إلى الآن”.

مسؤولية أخلاقية

توافق بين الرؤية الجمالية والمنظر البصري
توافق بين الرؤية الجمالية والمنظر البصري

عن الفنان التشكيلي الذي بداخله والذي غاب طويلا في انشغالات الديكور، يقول حسان أبوعياش “الرسم كان هوايتي الأولى بتأثير والدتي، سعدى الغريب، التي أورثتنا هذه الهواية. ولم يكن فن الديكور من تطلعاتي وأحلامي، إلاّ أن ظروف الحياة قد توجه مسيرة الإنسان إلى غير ما هو مُخطّط له، فقد اخترت فن الديكور للدراسة في كلية الفنون الجميلة، لأنه أقرب ما يمكن إلى فن الرسم”.

ومع أن لوحاته التي يرسمها تسير في خط مختلف عن عمله في مهنته في تصميم الديكور، يُضيف “إلاّ أنّ الرسم كان معينا لي في تخيّل الأماكن التي كُلّفت بتصميم ديكوراتها. فقبل أن أُصمّم المخطّطات الهندسية لأيّ عمل كانت تسبقه رسوم سريعة ومناظر ملوّنة تُوضّح لي أفكاري في هذا المجال، فالمُصمّم لا يُفكّر في المُطلق بل يُفكّر وهو يرسم. أما عندما أرسم لوحاتي فلا تشغلني أيّ أفكار مُسبقة ولا أيّ تأثيرات مهنية أو حياتية أو مادية”.

ومن هناك تتداعى الأفكار تلقائيا أمام لوحته أثناء الرسم، وكثيرا ما يُدهش لما وصلت إليه وكأنه ليس هو من رسمها. وعن بدايته التشكيلية يقول “بدأت أعمالي الأولى بالأسلوب الواقعي ثم السريالي ومن ثم التجريدي العضوي. وبما أن الإنسان لا يُمكن أن ينفصل عن ذاته، فمهنتي في هندسة الديكور وطبيعتي العلمية وجّهت أعمالي فيما بعد نحو الخطوط الهندسية الصارمة، والأحجام المُتوازنة والمُتحرّكة في نفس الوقت، وربما أثّر فيما بعد تصميمي للديكورات الدرامية التاريخية والبيئية في دخول الزخرفة العربية والكتابات في مكونات اللوحة. وكنت أرى دائما أنه من الضروري عدم إغفال التراث الوطني في الفن. ولا بدّ من استخدامه وتطويره”.

للفنان أبوعياش وجهة نظر خاصة في موضوعة التعامل مع البيئي وطريقة توثيق ذلك، خاصة في الأعمال التاريخية والبيئية “عندما تُقدّم عملا دراميا بيئيا أو تاريخيا، فإنك تُعطي مقولة ودرسا للأجيال الصاعدة التي قد تكون ابتعدت عن تاريخها وتراثها بسبب العولمة والحياة الاستهلاكية التي فُرضت علينا”.

ويُضيف “في الديكورات التي صمّمتها، أُحاول أن تكون مدروسة ومُوثّقة حسب المعطيات الموجودة لديّ أو بما أمكنني الحصول عليه من وثائق. وإن لم أحصل عليها أتخيّل هذه الأماكن بالمقارنة مع الحضارات المجاورة، وأسعى إلى أن تكون أقرب إلى الحقيقة وأن تكون حضارية وجميلة وتستدعي إعجاب المشاهد. ومن الضروري التمييز بين أنواع الطُرز المعمارية العربية والإسلامية وغيرها من الطُرز على مرّ العصور، إضافة للتمييز بين الطُرز البيئية وما يتبعهما من زخارف ورسوم ومفروشات وإكسسوارات وغيرها، والأخذ بعين الاعتبار تأثيرات عوامل الزمن والفصول وتأثير طبائع الإنسان والتقاليد على المكان”.

ديكور المسلسل التاريخي "العبابيد" كما تخيّله حسان أبوعياش
ديكور المسلسل التاريخي "العبابيد" كما تخيّله حسان أبوعياش

ويُؤكّد “هنا يجب أن نُلاحظ أن المُشاهد السوري والعربي عموما، يمتلك حسّ الملاحظة وموهبة الانتقاد، فكثيرا ما تصلنا رسائل تُبيّن انتقادا للقطة أو عنصر في الديكور، يرى المُرسل أنها غير صحيحة أو مُختلفة تاريخيا حسب ما يعتقد هو، وهنا أرى أن مُهندس الديكور كما مُصمّم الأزياء والمُؤلف الدرامي يتحملون جميعا مسؤولية وطنية وأخلاقية في إعطاء المعلومات الصحيحة والأشكال والطُرز الحقيقية لما يُؤلّف ويُصمّم”.

ومن موقعه كمهندس للديكور ضمن الأعمال التاريخية والبيئية التي تُقدّم الآن في مواجهة موجات الحروب الحضارية العالمية، يرى أبوعياش أن “الأعمال الدرامية التلفزيونية وربما السينمائية تتّبع في إنتاجها في الوقت الحالي طريقة العرض والطلب. وقد تتأثر بالأوضاع السياسية التي غالبا ما تُفرض من جهات خارجية وهي أوضاع مُتبدلة من زمن إلى آخر. وهذه الجهات تفرض شروطها على المُنتجين بما يخدم مصالحها المادية والفكرية، وهم بدورهم يحاولون لضرورة تسويق أعمالهم البحث عن مواضيع بيئية وحياتية مقبولة من الجمهور العريض وبعيدا عن طرح أيّ موضوع يمكن رفضه”.

ويشدّد “هنا لا بدّ أن نبحث عن جهة وطنية تُنتج أعمالا درامية عن التاريخ السوري المُوثق القديم منه والحديث بعيدا عن تأثيرات المصالح الخارجية، وبعيدا عن المُحرّمات الكثيرة التي تٌكبل حرية الفن والإبداع. وأن نختار من تاريخنا ما هو مُشرّف وحضاري وإنساني وجميل، وأن نُنتجه بأفضل الشروط الفنية والتقنية، إضافة إلى إيجاد بُنية درامية حقيقية كالمدن الدرامية والأستوديوهات، كما وجبت المُحافظة على الخبرات البشرية والعمل على تطويرها مهنيا نحو الأفضل، فأملي كبير في مُستقبل هذه الحرفة الفنية”.

17