"خلف الخط الأزرق" بين الارتباك والافتعال

رواية فرنسية للكاتبة التونسية أمال الشريف عن التسامح الديني والثقافي في تونس قبل الاستقلال.
الاثنين 2020/03/30
فتاة تبحث عن الحب (لوحة وليد نظمي)

عن دار “نقوش عربية” أصدرت الكاتبة التونسية الناطقة بالفرنسية أمال الشريف مؤخرا رواية بعنوان “خلف الخط الأزرق” بطلتها تدعى لينا، وهي فنانة تشكيلية متخرجة من معهد الفنون الجميلة بتونس العاصمة. وعند بلوغها سن الثامنة والعشرين، تقرر أن تتوقف نهائيا عن الاحتفال بيوم عيد ميلادها في الخامس من أغسطس كما تعودت أن تفعل، وتشرع في سرد ذكرياتها لنعلم من خلالها أنها تنتمي إلى عائلة بورجوازية من العاصمة.

نكتشف من حكايات البطلة أن والدها الذي توفي في حادث سيارة في طريق ريفي بعد أن اصطدمت سيارته بكلب سائب، كان يتحلى بأخلاق إنسانية عالية. كما أنه كان منفتحا على الآخرين بقطع النظر عن ثقافتهم، وديانتهم. أما والدتها فتعيش في المغرب مع أختها الصغرى ياسمين التي كانت قد تزوجت من شاب مغربي تعرفت عليه أيام دراستها للحقوق في باريس. وهي توحي لنا من خلال العديد من الإشارات والوقائع أن علاقتها متينة بوالدتها، وبأختها الصغرى. لذا، هي لا تتردد في طلب النصيحة منهما خصوصا في أوقات الأزمات النفسية التي بلغت ذروتها عند بلوغها سن الثامنة والعشرين.

وهي تستعيد ذكرياتها، نعلم أن لينا عاشت قصة حب أيام الدراسة مع شاب يدعى خليل. وهو مثلها من عائلة بورجوازية. وفي البداية، هي ظنت أنه سيكون “فارس أحلامها”، فقد كان وسيما، ومحبا للحياة مثلها. لكن شيئا فشيئا تكتشف من خلاله أناسا انتهازيين، ومنافقين، تغرهم المظاهر، وتجلبهم الحياة المسطحة، الخالية من العواطف ومن المشاعر الإنسانية الأصيلة، تقول “انتهازيون لا يترددون في أية لحظة في إشعال النار من أي حطب كان. وهم يزحفون على طول الحيطان المرمرية مثل كلاب برزت من مكان مجهول، ويمنحون أجسادهم مشوهة الشكل غذاء لكي يتختّروا في بيوت الأغنياء”.

الكاتبة عوض أن تركز على سرد تفاصيل أزمات بطلتها انشغلت بمواضيع ثانوية
الكاتبة عوض أن تركز على سرد تفاصيل أزمات بطلتها انشغلت بمواضيع ثانوية

ومن بين هؤلاء هناك أيضا فنانون مزيفون يبحثون عن الشهرة بأي ثمن، ونساء مطلقات وعزباوات وأرامل يعشن برودة الوحدة، ويعانين من اليأس، وفي نفس الوقت يحلمن بـ”أنهار من الجواهر الثمينة”. وشيئا فشيئا، تكتشف لينا أن خليل يقودها إلى حياة تافهة، مجردة من كل ما يمت بصلة إلى أفكارها وأحلامها وآمالها. لذا تنصرف عنه غير آسفة، لتبحث عن طريق آخر يمكن أن يقنعها بأن “على الأرض ما يستحق الحياة” بحسب تعبير الشاعر الراحل محمود درويش.

وكانت لينا لا تزال تتخبط في هواجسها وكوابيسها التي تعيشها في اليقظة وفي المنام، لما دق باب بيتها المفتوح على البحر شاب مغربي جاءها برسالة من أختها. ومن أول نظرة، تشعر أنه قد يكون الرجل الذي يمكن أن ينقذها من أزمتها النفسية. وتزداد اقتناعا بذلك عندما يفتح لها الشاب قلبه، لتعلم أن والده كان صديقا لوالدها في سنوات الشباب، وأن كل واحد منهما كان يكنّ الود للآخر.

ورغم أن ظروف الحياة فرّقت بينهما فإن علاقة الصداقة ظلت متينة بينهما. وبعد جولات في العاصمة، تمضي لينا برفقة الشاب المغربي الذي يدعى حكيم إلى مدينة تونسية على البحر ليعيشا قصة حب قد تكون سعيدة “خلف الخط الأزرق”.

ولكن يجدر بي أن أسوق بعض الملاحظات بشأن رواية أمال الشريف. أولاها تتعلق باللغة والأسلوب، حيث نلاحظ رتابة في السرد، وجملا واستعارات بادت من كثرة الاستعمال، وحوارات باهتة وطويلة كان بالإمكان اختصارها إلى بضع كلمات أو إلى إشارات سريعة.

وأما الأمر الثاني فهو أن رواية “خلف الخط الأزرق” أحالتني إلى قولة للشاعر البريطاني أودن الذي كتب يقول في نص له بعنوان”كيف نقرأ؟”، “يتوجّبُ على الشاعر وعلى الروائي أيضا أن يتعلم كيف يكون متواضعا أمام موضوعه، وأمام الحياة أيضا”.

وأظن أن أمال الشريف لم تكن متواضعة أمام موضوعها إذ أنها عوض أن تكتفي بسرد تفاصيل أزماتها النفسية، قفزت بنا إلى العديد من المواضيع من دون أن تتعمق فيها لتسقط في الإسهاب، وفي الافتعال الذي هو “عدو الفن” بحسب بورخيس. وهذا الافتعال يبرز بالخصوص في استعادتها لزمن بورقيبة، ولزمن بن علي وكأنها ترغب في أن تقنعنا بأنها كانت معارضة لهذين النظامين، رغم أنها لا تقدم أي دليل على ذلك، بل هي تكتفي بإدانة النظامين من خلال قصص الآخرين، أي من خلال السماع، ولبس من خلال التجربة المعاشة.

وبسبب إقحام نفسها في مثل هذا الموضوع، فإن أمال الشريف ضلّت طريقها، وراحت تبحث مرتبكة عمّا يمكن أن يبرر فعلتها. كما أنها رغبت أن تحدثنا عن التسامح الديني والثقافي الذي كانت تتميز به تونس قبل الاستقلال، وبعده بسنوات قليلة، إلاّ أنها سرعان ما انقطعت عذ ذلك لتنصرف إلى مواضيع أخرى. وفي النهاية نحن لا نعلم أي موضوع أرادت أمال الشريف أن تسرد وقائعه علينا في “خلف الخط الأزرق”.

15