الشلل العالمي يربك خطط الرياض لإغراق أسواق النفط

استئجار الناقلات قد يرتد على السعودية مع انحسار الطلب وارتفاع تكاليف الشحن لمستويات فلكية.
الأربعاء 2020/03/25
حسابات جديدة لشحن النفط في عهد كورونا

دخلت مغامرة السعودية باستئجار عدد كبير من ناقلات النفط في إطار عزمها إغراق الأسواق، في حسابات جديدة بسبب تفاقم تراجع الطلب وتردد شركات التكرير في قبول الشحنات الإضافية. ويبدو أن مصير رهان الرياض سوف يعتمد على التحولات المقبلة في مسار تفشي فايروس كورونا.

لندن - تواجه خطط السعودية لإغراق أسواق النفط بإمدادات إضافية كبيرة وقيامها باستئجار العشرات من الناقلات، تحديات كبيرة، لا تقف فقط عند تراجع الطب بسبب شلل الاقتصاد العالمي نتيجة تعطيل الحركة في الكثير من دول العالم لمنع تفشي فايروس كورونا المستجد.

وظهرت العقبة الأكبر في تردد شركات التكرير في قبول الشحنات الإضافية بعد أن أدى استئجار الرياض للناقلات إلى ارتفاع تكاليف الشحن لمستويات فلكية.

وقد تعجز السعودية جراء ذلك عن تصريف عشرات الملايين من البراميل المحملة على متن سفن راسية باهظة التكلفة في ظل انهيار الطلب على النفط بفعل انتشار فايروس كورونا وفقدان الأسعار العالمية أكثر من 60 في المئة من قيمتها مقارنة مع بداية العام.

وكانت الرياض، أكبر مصدر للنفط في العالم، قد أعلنت أنها ستزيد الإنتاج لمستويات قياسية في حرب على الحصص السوقية، بعد أن أخفقت الرياض في إقناع موسكو بدعم تعميق تخفيضات الإنتاج خلال اجتماع لمنظمة أوبك وحلفائها في إطار ما يعرف بمجموعة أوبك+ في وقت سابق هذا الشهر الحالي.

وتقول مصادر في قطاع الشحن إن السعودية حجزت عددا كبيرا من الناقلات العملاقة يصل إلى 25 واستأجرت بشكل مبدئي 15 سفينة أخرى لإرسال النفط إلى عملاء جدد وقدامى بهدف إزاحة روسيا من بعض الأسواق.

ويمكن لذلك العدد الكبير من الناقلات والسفن أن تحمل معا أكثر من 80 مليون برميل من النفط، وهو ما يوازي تقريبا يوما من الطلب العالمي في ظل تراجع الطلب حاليا.

وتسببت حمى استئجار السفن في زيادة ضخمة في أسعار الناقلات، مما دفع الرياض إلى إخطار المشترين بتخليها عن سياستها المعتادة بتقديم تعويض عن القفزات في أسعار الشحن، وانعكس ذلك في تراجع جاذبية الخصومات الكبيرة، التي تعرضها السعودية.

200 ألف دولار يوميا متوسط تكلفة استئجار ناقلة نفط، مقابل 30 ألفا قبل 3 أسابيع

ونسبت وكالة رويترز إلى أربعة مصادر تجارية تأكيدها أن عددا من شركات النفط الأوروبية الكبرى وشركات التكرير تخوض محادثات مع شركة أرامكو السعودية في محاولة لخفض مشتريات أبريل.

وأضافت الوكالة أن المصادر طلبت عدم الإفصاح عن هوياتها نظرا لحساسية الأمر في حين امتنعت أرامكو السعودية عن التعقيب.

ولم يعرف بعد ما إذا كانت أكبر شركة نفط في العالم قد أخطأت التقدير أم أن لديها استراتيجية طويلة المدى لفرض قواعد جديدة في الأسواق من أجل حرمان منافسيها عمليا من الكثير من السفن والناقلات العملاقة.

وتخزن أرامكو في العادة الخام في مستودعات أرضية بمراكز عملياتها، مثل رأس تنورة، وفي مراكز استهلاك آسيوية وأميركية وأوروبية، لها فيها مساحات تخزين، حيث تدفع القليل نسبيا مقارنة مع أسعار الناقلات الحالية.

لكن محللين يعتقدون أن خطط رفع الإمدادات بنحو 3 ملايين برميل يوميا يتطلب الآن التخزين في البحر، لأن تلك المستودعات لن تكون كافية.

وقال مستشار غربي مطلع على السياسات السعودية رفض ذكر اسمه، إن “التخزين العائم هو الطريقة الوحيدة للتعامل مع النفط الإضافي إذا كان السعوديون يجربون ما لم يفعلوه من قبل، وهو بلوغ صادرات قياسية بعشرة ملايين برميل يوميا”.

وعادة ما تهيمن على التخزين العائم كبرى شركات النفط ودور التجارة، التي تستأجر السفن لتخزين الخام الذي تنتجه أو تشتريه بأسعار رخيصة من السوق، مراهنة على إمكانية إعادة بيعه بهامش ربح كبير عند ارتفاع الأسعار.

وتعتمد هذه الاستراتيجية على هيكل للسوق تقل فيه أسعار التسليمات قصيرة الأجل عن أسعار الآجال الأطول، وهو أمر محتمل حاليا إذا ما تمت السيطرة على وباء فايروس كورونا خلال أشهر معدودة.

وإذا حدث ذلك فإنه يمكن أن يحقق أرباحا بعشرات الملايين من الدولارات، كما كان الحال في عام 2009 عندما جرى تخزين أكثر من 100 مليون برميل في ناقلات عائمة في البحر.

خطط رفع الإمدادات بنحو 3 ملايين برميل يوميا يتطلب الآن التخزين في البحر
خطط رفع الإمدادات بنحو 3 ملايين برميل يوميا يتطلب الآن التخزين في البحر

في المقابل يمكن لاندفاع السعودية لاستئجار ذلك العدد الكبير من الناقلات ألا يعود عليها بمثل تلك العوائد، بل يمكن أن يؤثر سلبا أيضا على المضاربين التقليديين الذين يتعين عليهم حتى في أفضل الأحوال الدفع مقابل التخزين والتأمين وتكلفة نقل النفط.

وتشير البيانات إلى أن الاندفاع لاستئجار الناقلات أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن إلى مستويات قياسية تجاوزت المئتي ألف دولار يوميا في الأيام العشرة الأخيرة، مقارنة مع متوسط بنحو 40 ألف دولار يوميا في العام الماضي.

وبحسب تقديرات متعاملين، تتطلب بيئة ارتفاع أسعار الشحن علاوة في الأسعار الآجلة للتسليم بعد 12 شهرا لا تقل عن 15 دولارا للبرميل. وقد بلغت، أمس، علاوة عقود مزيج برنت القياسي للتسليم بعد 12 شهرا حوالي عشرة دولارات للبرميل فوق شهر أقرب استحقاق.

ويتردد المتعاملون في أسواق النفط حاليا بسبب غموض مستقبل تفشي وباء فايروس كورونا، وهم يبحثون عن إشارة لمعرفة ما إذا كانوا سيدفعون علاوة لاستئجار السفن لفترات محدودة أم أن الاستئجار سيمتد لفترة طويلة.

وقال ريتشارد ماثيوز مدير الأبحاث لدى إي.أي جيبسون لسمسرة السفن إن “من كان يتطلع إلى استئجار لمدة محدودة قبل ثلاثة أسابيع لتخزين محتمل كان عليه دفع حوالي 30 ألف دولار يوميا وربما استطاع تحقيق ربح من ذلك أو من خلال إعادة تأجير الناقلة في السوق مقابل 200 ألف دولار يوميا.

وأضاف أنه “إذا أراد أحد أخذ ناقلة نفط عملاقة ولو لثلاثة أشهر في الوقت الحالي فستكلفه 110 آلاف دولار يوميا. الزيادة في الأسعار الآجلة مقارنة مع الفورية لن تدعم على الأرجح أكثر من 90 ألف دولار يوميا”.

في المقابل يبدو أن تلك الرهانات الغامضة لم تمنع بعض المتعاملين من الغامرة باستثمار الأسعار المتدنية حاليا على أمل تحقيق أرباح كبيرة.

فقد استأجرت شركة غلينكور لتجارة السلع واحدة من ناقلتين فقط في العالم قادرتين على حمل ثلاثة ملايين برميل من النفط للتخزين العائم. كما استأجرت شركة النفط العملاقة رويال داتش شل ناقلتي خام عملاقتين للتخزين في البحر بسبب تخمة المعروض.

ويمكن لأي اختراق أو تحوّل نوعي مفاجئ في مسار وباء كورونا أن يقلب تلك المعادلات في أي لحظة إذا ما تحركت عجلات الاقتصاد العالمي في المستقبل المنظور.

11