التكنولوجيا الحديثة تعيد الشباب إلى العمل الزراعي

الزراعة بين كل القطاعات تملك أكبر الإمكانات لخفض الفقر والبطالة.
الأحد 2020/03/15
مجال مثالي لتلبية متطلبات المجتمع والشباب

دخلت التكنولوجيا الرقمية مجال العمل الزراعي بقوة، وساهمت الابتكارات والتطبيقات المتعددة في جذب الشباب إلى هذا القطاع الذي لم يعد تقليديا، وغزاه روبوت آلي يساعد في كافة المهام الزراعية، ما جعله قطاعا واعدا لمعالجة المعدلات العالية للبطالة في صفوف شباب المنطقة.

 دبي - تجذب مجالات العمل المرتبطة بالتقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي جيل الألفية، الذي هجر الأعمال التقليدية والمهنية مثل الزراعة، لكن بعد أن اخترقت التكنولوجيا الحديثة هذا المجال، بات يشد انتباه الشباب، وظهرت مبادرات مبتكرة في العديد من دول العالم ومنها العالم العربي.

تمكن المهندس إبراهيم يوسف العبيدلي، مؤسس “مؤسسة أرضية الإبداع للحلول المعلوماتية” الإماراتية، وعضو مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، من ابتكار جهاز يختص بالزراعة الحديثة، يعمل على تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، ويرتبط بإنترنت الأشياء. من خلال مبادرة تصنيع روبوت إلكتروني “مزارع”، يعمل على البذر وسقي الماء وتحليل خصوبة التربة، حيث يمكن أن يتواصل مع الآخرين عبر الأجهزة الذكية والإنترنت.

ويعمل الجهاز على طباعة البيانات بتقنية ثلاثية الأبعاد، من خلال زراعتها في المساحة المحددة، حيث يحدد نوع النبات المناسب للزراعة واحتياجه للماء بالكمية والوقت المناسبين، فضلا عن متابعة رطوبة التربة ودرجة الحرارة، كما يتيح للمستخدم رؤية محصوله بالرغم من بُعده عنه، بواسطة كاميرا مثبتة به، وإعلامه بموعد قطف الثمار، من خلال وصول رسالة تخبره بذلك.

ويقول متابعون للمشروع المبتكر، إن مجال الزراعة لا يجذب اهتمام الشباب. فهي تقليديا تعتبر عملا يدويا شاقا مقابل أجر منخفض، وفي مناطق خارج المدن، لذلك لا تروق للأجيال الجديدة، لكن اليوم ومع تزايد صعوبات الحياة وارتفاع البطالة، إضافة إلى الابتكار في هذا المجال، كل هذا جعل الشباب يعيد التفكير في شأن العمل الزراعي.

وبدأ مزارعون في الإمارات، استخدام تقنيات حديثة وروبوت آلي، يساعد في زراعة وحصد المحصول، وتنظيم عملية الري، بما يتناسب مع درجة حرارة الجو والتربة، وإخطار المزارع بالأمراض والآفات التي قد تهدد أي صنف من المحصول، مما يسهم في درء المخاطر، وتوفير الوقت والمال.

ويعتبر مجال الزراعة فرصة مثالية لمعالجة المعدلات العالية والمزمنة للبطالة في صفوف شباب المنطقة، ويوصي خبراء الاقتصاد الحكومات بمنح الشباب الدعم الكافي لإدارة مشاريع زراعية تساهم في الناتج الاقتصادي الوطني.

مبادرة إماراتية

مبادرات الأغذية والزراعة للحد من الفقر
مبادرات للحد من الفقر

وبالفعل اتخذت بعض الحكومات العربية إجراءات متقدمة في هذا المجال، فقد أطلقت مريم بنت محمد المهيري، وزيرة الأمن الغذائي بالإمارات، في ديسمبر الماضي، “مبادرة نعم إكبا – نعم لمساهمة الشباب” والتي ينظمها المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) بهدف إلهام الشباب للتواصل على الصعيد المحلي والدولي لدعم التحديات المحلية والعالمية في الأمن الغذائي والإنتاج الزراعي والاستدامة في البيئات الهامشية والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وتتبنى مبادرة “نعم إكبا” إطارا استراتيجيا يتمركز على أربعة محاور رئيسية وهي الإلهام والتواصل والتنوع البيولوجي وريادة الأعمال لإيجاد حلول مبتكرة للتحديات المتعلقة بالأمن الغذائي والبيئات الهامشية وذلك من خلال تعاون الشباب مع أصحاب المصلحة المعنيين بما فيهم المزارعون ورجال الأعمال وصناع السياسات.

وأكدت المهيري، على أهمية توعية الشباب وتواصلهم حول القضايا المتعلقة بتعزيز الأمن الغذائي مع المحافظة على التنوع البيولوجي لدعم النظام البيئي الزراعي وتنمية ريادة الأعمال الزراعية.

وأشارت إلى أن إحدى إمكانيات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي في الإمارات هي إشراك المجتمع ومنهم الشباب لتغيير المفاهيم والسلوكيات المرتبطة بإنتاج واستهلاك الغذاء، حيث يهدف هذا البرنامج إلى بناء قدرات الشباب في هذا المجال.

وتحث المبادرة، المؤسسات التعليمية والأكاديمية والشبابية على المشاركة فيها للاستفادة من خبرات الباحثين والمتخصصين في هذا المجال لإحداث تغيير عملي وميداني في البحث والتطوير العلمي وبرامج التدريب لتنمية القدرات ذات الصلة.

مزارعون في الإمارات بدأوا استخدام روبوت آلي، يساعد في الزراعة وتنظيم عملية الري، بما يتناسب مع درجة الحرارة والتربة

وتم إطلاق “نعم إكبا” خلال المنتدى العالمي للابتكارات في البيئات الهامشية بدبي الذي استقطب ما يقارب على 300 مشارك من قرابة 70 بلدا لعرض أحدث التطورات على صعيد البحوث والابتكار والتنمية والسياسات ضمن ميدان الزراعة وإنتاج الأغذية في البيئات الهامشية، وهي مناطق العالم الأسرع تأثرا بالتغير المناخي وندرة المياه والملوحة.

وقالت طريفة الزعابي، نائب المدير العام للمركز ومدير المشروع “نسعى لإشراك المزيد من شباب العالم للمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي وأهداف التنمية المستدامة لإيجاد أفضل الحلول بعام 2030 حيث ستكون نعم إكبا بمثابة منصة لأفضل الممارسات والحلول المبتكرة والتقنيات والتي سيتم تطبيقها عمليا في دول مختلفة ابتداء من الإمارات. فشباب اليوم هم صناع الغد والعلماء ورواد الأعمال المستقبليون”.

وتقول المنظمة الدولية للأغذية والزراعة (فاو) في تقرير لها إن الزراعة تملك أكبر الإمكانيات بين جميع القطاعات للحد من الفقر، فالعدد المتزايد من الشباب يحتاج إلى عمل مثمر، والأغذية والزراعة لديهما الإمكانيات لتقديم ذلك للشباب، إذا أُعيد النظر بالطرق المستخدمة فيهما.

وانتشرت طرق جديدة للعمل الزراعي باستخدام الابتكارات الرقمية والتكنولوجية لتجعلها أكثر كفاءة، وليست كمنتج ثانوي صغير، وتوفر فرصا وخدمات جديدة لرواد الأعمال الشباب.

الأفكار الجديدة للشباب تساهم في إطلاق العنان لإمكانيات الأغذية والزراعة للحد من الفقر والبطالة وإتاحة فرص متساوية للوصول إلى المعلومات والتكنولوجيا والأسواق

وتشير بعض التقديرات إلى أن قطاع الأغذية والزراعة سيكون ثاني أكبر مستخدم للطائرات من دون طيار في العالم خلال السنوات الخمس القادمة. وقد استخدمت منظمة الفاو بالفعل الطائرات من دون طيار في العديد من البلدان لجمع بيانات متعمقة في الوقت الحقيقي عن التحديات الغذائية والزراعية مثل مخاطر الكوارث الطبيعية، وتقديرات الأضرار التي تلحق بها.

وتساعد الأفكار الجديدة من الشباب ومن المنظمات، والجامعات، والشركات حول العالم على إطلاق العنان لإمكانيات الأغذية والزراعة للحد من الفقر، ولجسر الفجوة الريفية، وتوظيف الشباب وتمكينهم من حياة أفضل، وإتاحة فرص متساوية للوصول إلى المعلومات والتكنولوجيا والأسواق.

وطورت الفاو أداة لالتقاط البيانات التي يقوم بتحميلها المزارعون في حقولهم. ويتم نقل المعلومات المضافة إلى التطبيق إلى منصة عالمية قائمة على شبكة الإنترنت، ويتم تحليلها لتقديم تقارير عن الوضع في الوقت الفعلي، وحساب مستويات الإصابة بالأمراض، واقتراح إجراءات للحد من الأثر.

وتوفر أربعة تطبيقات جديدة للمزارعين خدمات في الوقت الفعلي من خلال معلومات عن الطقس، ورعاية الماشية، والأسواق، والتغذية. ويجمع تطبيق “تقويم الطقس والمحاصيل” بين المعلومات عن التنبؤات الجوية، وجداول المحاصيل، مما يوفر الإنذار المبكر بالمخاطر المحتملة.

ويساعد تطبيق “علاج وإطعام ماشيتك” في الحد من الخسائر من خلال توفير معلومات حول استراتيجيات مكافحة الأمراض الحيوانية، وإطعام الحيوانات. ويمكّن تطبيق “الأسواق الزراعية” المزارعين من الحصول على معلومات أفضل عن الموردين من أجل مشتريات المواد الخام، والأسواق لبيع منتجاتهم، وأسعار السوق. ويقدم تطبيق “نظام الأغذية المغذية الإلكتروني”، للسكان الريفيين توصيات بشأن إنتاج الأغذية المغذية، وحفظها، وتناولها.

وفي يونيو الماضي، نشر الصندوق الدولي للتنمية الزراعية تقريرَ التنمية الريفية لعام 2019، حول إيجاد الفرص لشباب الريف في أرجاء مناطق العالم النامي.

وذكر التقرير أن هناك مسألة بديهية لكن غالبا ما يتمّ غضّ النظر عنها، وهي أنّه عندما تكون الفرص الاقتصادية في منطقة ما محدودة، ستكون البرامج والسياسات الهادفة إلى مساعدة شباب الريف غيرَ فعّالة بالإجمال. إذ لا يكفي طرْح برامج وسياسات تستهدف شباب الريف، بل ينبغي أن تعمل هذه السياسات والبرامج ضمن هيكليات فرص محلية محدودة وأن تترافق مع أجندة أوسع للتنمية الريفية.

التحول الريفي

التطور التكنولوجي يساهم في تطور الزراعة
التطور التكنولوجي يساهم في تطور الزراعة 

وهذه المسألة مهمة جدا لصانعي السياسات في المنطقة التي تعاني من معدلات متزايدة لبطالة الشباب.

ونوه التقرير بأن حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومجتمع التنمية الدولي وضعت مجموعة متنوعة من السياسات والبرامج التي تهدف إلى معالجة تحدّي مشكلة بطالة الشباب، لكنها لم تحقق أيّ تقدّم ملموس من ناحية تحسين الظروف الاقتصادية للشباب عموما ولشبان وشابات الريف خصوصا.

ويشير التقرير إلى أن السياسات والبرامج المخصّصة للشباب لن تنجح إلا إذا طُرحت بالتوازي مع سياسات تعالج بنجاح القيود الأوسع التي يعاني منها التحوّل الاقتصادي الريفي والتنمية الاقتصادية عموما في الدول والمجتمعات التي يعيش فيها الشباب.

وفي بلدان شمال أفريقيا التي تسمح بوصول المنظمات الدولية إلى بياناتها، ترتفع معدلات بطالة الشباب أكثر في المدن. ففي المغرب مثلا، تزيد معدلات بطالة الشباب في المناطق الحضرية أربعة أضعاف عمّا في المدن.

ويفسّر التقرير هذه الظاهرة في سياق عملية التحوّل الريفي. فعندما تتباطأ التحولاتُ البنيوية في الاقتصاد غير الزراعي، فإنّها تُعيق قدرةَ الشباب على الانتقال من قطاع الزراعة إلى قطاعات أخرى كالتصنيع والخدمات، علما بأنّ الزراعة قطاع يمكّن الشباب من الانضمام إلى القوّة العاملة بسهولة أكبر. فتكون النتيجة معدّلات أعلى من العمالة الناقصة في المناطق الريفية ومعدّلات أعلى من البطالة في المناطق الحضرية.

تضامن شبابي

الروبوتات قد تحلّ محل البشر في الزراعة
الروبوتات قد تحلّ محل البشر في الزراعة 

ويُصنف مشروع أجيدا الذي أقامته مجموعة شبابية قرب مدينة الداخلة بالمغرب واحدا من أهم المشاريع الزراعية التي نجحت في تحويل منطقة صحراوية قاحلة إلى أرض خصبة تنتج محاصيل زراعية ذات جودة عالية. ويغطي هذا المشروع مساحة تقدر بسبعين هكتارا.

وقالت هدى بولحيت، إحدى الشابات المساهمات في المشروع، إن مجموعة أجيدا رأت النور في إطار مخطط المغرب الأخضر.

وأوضحت أن الوكالة الوطنية للتنمية الفلاحية طرحت برنامجا لوضع أراضي الدولة للاستثمار أمام المقاولين الشبان الراغبين في إطلاق مشاريع زراعية في منطقة الداخلة – وادي الذهب. وفي هذا الإطار تم انتقاء 27 من العناصر الشابة من ضمنهم 7 شابات للاستفادة من المشروع.

وبعد دراسة المشروع قرر الشباب التضامن لإنشاء مجموعة اقتصادية، من أجل تطوير مشروع مشترك بمعايير عالية. وأضافت بولحيت بدأنا بغرس 28 هكتارا، نصفها بالبطيخ والنصف الثاني بالطماطم، كما تعاقدت أجيدا مع مقاولة وطنية متخصصة في مجال التسويق في انتظار اكتساب أعضائها خبرة في هذا المجال.

ويقول القائمون على المشروع، إن أبرز متطلبات التنافسية في مجال التجارة الفلاحية للقرن الحادي والعشرين، هي الكفاءات والتكنولوجيا، مؤكدين أن الشباب يعتبر فرصة كبيرة نظرا لقابليته الكبيرة للتدريب وتطوير الكفاءات والخبرة في التكنولوجيا.

19