ضغوط المرحلة تفرض على الأردن اختيار شخصية غير تقليدية لرئاسة الوزراء

عمان – تنشغل الأوساط السياسية في الأردن هذه الأيام باستشراف ملامح رئيس الوزراء المقبل، مع اقتراب انتهاء العمر الدستوري لمجلس النواب، والذي يحتم على الحكومة الحالية التي يقودها عمر الرزاز تقديم استقالتها.
وتنتهي الولاية الدستورية للبرلمان الحالي في أواخر أبريل المقبل، يليها تكليف رئيس وزراء جديد وإجراء انتخابات نيابية يتم فيها اختيار أعضاء المجلس القادم.
وتحاول الأوساط رسم تصورات عن رئيس الحكومة المقبل وما إذا كانت كاريزما السياسة والتجربة الأمنية ستطيحان بأهمية الخبرة الاقتصادية للوافد الجديد على الدوار الرابع في ظل تحولات داخلية وإقليمية لا يمكن التكهن بمساراتها المستقبلية.
وشهد الأردن 12 رئيس وزراء و18 حكومة منذ تولي العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، العرش في 7 فبراير 1999. وتنص المادة 35 من الدستور الأردني على أن “الملك يعين رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته ويعين الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالتهم بناء على تنسيب رئيس الوزراء”.
واختلفت الظروف التي تولى فيها كل رئيس وزراء أردني مهمته سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي، لكن المرحلة الاستثنائية التي تعيشها المملكة حاليا ستلقي بظلالها حتما على القرار بشأن شخصية رئيس الوزراء المقبل، الذي سيخلف الرزاز القادم من خارج عباءة النخبة التقليدية التي توالت على المنصب. ويواجه رئيس الوزراء المقبل تحديات سياسية واقتصادية كبرى تفرض عليه جهدا مضاعفا. ولعل التحدي الأبرز هو الخطة الأميركية للتسوية في الشرق الأوسط، أو ما يعرف إعلاميا بـ”صفقة القرن”، وآثارها المباشرة على المملكة إذا ما نفذ رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو تهديداته بضم أراضي غور الأردن، والتي ستجعل علاقة عمان وتل أبيب على المحك.
وستكون اتفاقية وادي عربة (اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية) بين البلدين أمام امتحان جديد.
كما أن علاقة الولايات المتحدة مع الأردن ستحتاج إلى “كاريزما” غير مسبوقة لرئيس الوزراء القادم، يتمكن من خلالها الحفاظ على مستوى التوازن بين عمان وواشنطن، باعتبار أن الأخيرة هي مصدر رئيسي للمساعدات.
ويقول محللون إن إدارة العلاقة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة محصورة بيد الملك عبدالله الثاني، ولكن ذلك لا يعني أن رئيس الوزراء معفى من تحمل أي مسؤولية تجاه ما يواجه العلاقة مع الطرفين من تحديات في حال تم البدء في تنفيذ خطة السلام، وسيكون رئيس الوزراء في مواجهة مباشرة هنا مع الشارع الأردني.
وعلى الصعيد الداخلي، يحتاج رئيس الوزراء المقبل إلى حنكة سياسية وأمنية في ذات الوقت، حيث ستشهد المملكة انتخابات نيابية جديدة، ليتمكن من إنجاح العملية الديمقراطية التي طالما لاقت تشكيكا من بعض القوى، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، في نتائجها.
وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأردن جراء الأزمات والحروب المحيطة به، إلا أن المرحلة القادمة تحتاج من رئيس الوزراء المقبل أن يكون سياسيا وأمنيا بالدرجة الأولى، وأن تكون المهمة الاقتصادية مسؤولية “نخبة تكنوقراطية”، يحملها أعضاء معينون من فريقه الوزاري.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الأردني فايز الفايز “اعتاد النظام السياسي في الأردن عبر التاريخ على مواجهة موجات من الأزمات والاضطرابات السياسية والاقتصادية الناتجة عن عدم الاستقرار في الشرق العربي والإقليم الشرق أوسطي”. واستدرك “ولمواجهة تداعيات القضايا المتعلقة بمستقبله المرتبط بقضايا حساسة، فإنه عادة ما كان يُعمد إلى تشكيل حكومة جديدة من مطلق مواجهة المتغيرات”.
وأوضح الفايز “لعل هذه المرحلة هي من أخطر ما قد يواجهه الأردن بعد الإعلان عما يسمى صفقة القرن، التي أزاحت وبشكل عنيف كافة القواعد السياسية والأعراف الدولية والقرارات الأممية”.
وأردف “لهذا، فإن الملك عبدالله الثاني بات يفكر خارج الصندوق التقليدي للدور الأردني، وأدبيات التعاون مع الشركاء الغربيين وعلى رأسهم واشنطن، فضلا عن الأزمة الاقتصادية الخانقة وحالة البرود السياسي الداخلي، وانحصار المواجهة مع الجانب الإسرائيلي في ما يتعلق بمسائل أمن الإقليم ليس أكثر”.
وأضاف “بصفته الدستورية واطلاعه على تفاصيل استشرافية لما بعد خطة الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) ونتنياهو المهددة لاستقرار المنطقة، بات الملك يقرأ الخارطة لتشكيل حكومة تختلف تماما عن الحكومات التقليدية، بعدما اتضح فشل الكثير من المحاولات لإنعاش المحور الاقتصادي وإعادة إنتاج طبقة سياسية حقيقية تستطيع المساعدة في وضع خطة طريق لمواجهة أزمات الأردن”.
وأمام الملك خيارات محدودة، فرؤساء الوزراء القدامى استُنزفوا وقليل منهم من يستطيع أن يقود المرحلة الأمنية والسياسية التي يواجهها الأردن فضلا عن التحدي الاقتصادي، خصوصا مع برود في العلاقات مع الحلفاء الإقليميين والغربيين الذين انكبّوا لمعالجة أزماتهم الداخلية والخارجية أيضا.
وشدد الفايز على أن الوضع “يستدعي اختيار حكومة ترأسها شخصية ناضجة تستطيع التعامل مع الوضع الداخلي بكافة تفاصيله، من خلال معرفة تامة بالنسيج الاجتماعي والطيف السياسي والحساسية الأمنية، لتقود الأردن مجددا إلى إنتاج مجلس نواب جديد عبر قانون متقدم، وتكون أهم وظائفها مصالح الدولة العليا وحماية أرض الوطن وتسهيل الحياة المعيشية للمواطنين ومحاربة البيروقراطية الوظيفية الحكومية ووضع حد للفساد الأكبر”.
من جهته اعتبر وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، أنه “من المؤكد أنّ التحدي الاقتصادي الذي يواجه الأردن يفرض على تركيبة أي حكومة أن تمتلك فريقا اقتصاديا قويا محترفا يوازن في عمله بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية”.
وأضاف “لكن من غير الضروري أن يكون شخص رئيس الوزراء فنيا اقتصاديا، خاصة في مرحلة سياسية مثل التي تمر بها المنطقة والأردن”.
وأشار المعايطة إلى أن “المراحل السياسية الصعبة تحتاج إلى حكومات سياسية وأسماء تبعث الاطمئنان الوطني لدى الأردنيين، خاصة أن المرحلة القادمة قد تشهد تصعيدا عدوانيا من الاحتلال، مثل ضم غور الأردن الفلسطيني أو أي خطوات أخرى”.
وتولى رئيس الوزراء الحالي عمر الرزاز مهامه في 14 يونيو 2018، بعد استقالة سابقه هاني الملقي إثر احتجاجات شعبية ضد قانون ضريبة الدخل، وركز الرزاز على إنعاش الوضع الاقتصادي وقد حقق بعض النجاحات، بيد أن هناك مخاوف من حدوث انتكاسة في علاقة الإكراهات المقبل عليها الأردن.