الولادة القيصرية قرار طبي أم تجاري

تشهد العديد من الدول العربية إقبالا واسعا من قبل النساء الحوامل على الولادات القيصرية، باعتبارها طريقة آمنة لولادة أطفالهن دون ألم، حتى أنها أصبحت في كثير من دول العالم هي القاعدة، بينما الولادة الطبيعية أصبحت الاستثناء.
لندن- أصبح ارتفاع نسب الولادات القيصرية دون موجب في العديد من الدول العربية يثير جدلا عن دوافع هذا الارتفاع خاصة في عيادات ومستشفيات القطاع الخاص، حيث تتهم النساء بالسعي إلى تجنّب آلام الولادة ويتهم الأطباء بالتحوّل إلى تجار.
وسجلت كثير من دول العالم العربي، ارتفاعا ملحوظا في نسب اللجوء للولادة القيصرية، حيث تقدّر نسبة الولادات القيصرية في الجزائر بـ30 في المئة من إجمالي الولادات سنويا، مقابل 26.7 في المئة في تونس، وكشفت الوكالة الوطنية المغربية للتأمين الصحي ارتفاع الولادات القيصرية في القطاع الخاص إلى 66 في المئة بمعدل يتجاوز نسبة الـ15 في المئة التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية، والسبب أن فئة من النساء يفضلن اللجوء إلى الولادات القيصرية خوفا من آلام الولادات الطبيعية.
وقالت القابلة ليتيسيا روستينميير لبرنامج “هي الحدث” الذي يذاع على فرانس 24 إن نسبة اللجوء إلى الولادات القيصرية في ارتفاع، وغالبا ما تكون الأسباب غير مبررة أي دون مبررات طبية، مضيفة “أعتقد أنه يمكن وبسهولة تقليلها بنسبة 50 في المئة والأهم من ذلك تهيئة السيدات جيدا للولادة الطبيعية”.
ووصفت منظمة الصحة العالمية الولادة القيصرية بـالـ «وباء» نظرا إلى انتشارها الواسع في السنوات الأخيرة في كافة دول العالم على الرغم من مخاطرها على الأم والمولود.
وكشف تقرير لوكالة “ سبوتنيك” أن ما يزيد عن مليون و400 امرأة مصرية يجرين عمليات ولادة قيصرية سنويا في مصر، غالبيتها دون مبرر طبي يحول بين ولادة المرأة طبيعيا، وهي النسبة التي جعلت مصر على رأس الدول التي ينتشر فيها «وباء» الولادة القيصرية، فبحسب منظمة الصحة العالمية تحتل مصر المرتبة الثالثة في ارتفاع معدلات الولادات القيصرية بها، بنسبة 52 في المئة من إجمالي الولادات سنويا، بعد جمهورية الدومينيكان التي تبلغ النسبة فيها 56.5 في المئة والبرازيل التي تحتل المرتبة الثانية عالميا بنسبة 55.5 في المئة في الوقت الذي حذرت فيه المنظمة الأممية كافة دول العالم من تجاوز نسبة الولادات القيصرية 15 في المئة، لما لها من مضاعفات على صحة الأم ومولودها.
وحددت أميرة مصطفى (30 سنة) مميزات الولادة القيصرية، وأسباب اللجوء إليها عند ولادة أطفالها الثلاثة، قائلة لـ”سبوتنيك”، “أشرف بنفسي على كل إجراءات استقبال طفلي، فأستطيع أن أختار يوم ميلاده، وموعد ولادتي، وأتابعه منذ لحظة خروجه من بطني دون أن أشعر بأي ألم”.
وقالت إن الطبيب الذي تابعت معه مراحل الحمل لأطفالها الثلاثة لم يخيّرها بين الولادة الطبيعية والقيصرية، وإنما منذ اليوم الأول للحمل كان قراره الولادة القيصرية، لتجنّب الشعور بألم الولادة الطبيعية، وعدم تعريض مولودها للخطر.
وأضافت “تكلفتها قد تكون مرتفعة كثيرا عن الولادة الطبيعية، لكن بالنسبة إليّ هي الأكثر أمانا لي وللمولود”، موضحة أنها دفعت في ولادتها الأخيرة ما يقرب من 17 ألف جنيه مصري (ألف دولار أميركي) في حين أنها كانت ستدفع أقلّ من ربع هذا الثمن إذا اختارت الولادة الطبيعية، ولكنها اختارت القيصرية حتى لا تتعرض هي ومولودها لأي خطر.
وكشف مسح صحي صادر عن وزارة الصحة والسكان المصرية، أن المصريين ينفقون حوالي 14 مليارا و525 مليون جنيه على الولادات القيصرية سنويا، مقابل 3 مليارات و675 مليون جنيه، في الولادات الطبيعية.وقالت منظمة الصحة العالمية إن نسب الوفيات الناتجة عن “وباء القيصرية” تتعدى أربعة إلى عشرة أضعافه لدى النساء اللواتي تمّت ولادتهن طبيعيا على مستوى العالم، سواء للطفل أو الأم، وحذرت المنظمة من اللجوء إلى الولادة القيصرية دون مبرر طبي، لتسببها في ارتفاع إمكانية إصابة النساء بعدها بالنزيف أو العدوى، ومضاعفات التخدير، واكتئاب بعد الوضع، وفضلا عن زيادة احتمالات العقم.
ولفت الدكتور محمد فرحات، استشاري النساء والتوليد بجامعة الأزهر، إلى أنه لا خلاف على مخاطر الولادة القيصرية، وضرورة اللجوء إليها عند وجود ضرورة طبية، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن إغفال عوامل أخرى تجعل منها ضرورة قهرية أيضا، موضحا أن غالبية النساء يفضّلن الولادة القيصرية عن الطبيعية، بسبب طول مدة الولادة الطبيعية والألم المصاحب لها.
وأكد أن الولادة الطبيعية الواحدة قد تستغرق من 10 إلى 16 ساعة وهو الوقت الذي يكفي لإجراء 16 عملية ولادة قيصرية، فضلا عن أن كثير من الأطباء يلجؤون إلى الولادة القيصرية لتجنّب أي مشاكل صحية قد تحدث للأم أو للجنين خلال فترة الولادة الطبيعية، مثل انخفاض نبض الجنين، أو تعرّض الأم لعسر الولادة، أو انفجار الرحم الذي يؤدي إلى وفاة الأم والجنين في الحال.
ما يزيد عن مليون و400 امرأة مصرية يجرين عمليات ولادة قيصرية سنويا في مصر
وكشف فرحات أن الأطباء مسؤولون بنسبة كبيرة عن زيادة معدلات الولادات القيصرية، حيث يقوم الغالبية بإجرائها دون مبرر طبي اختصارا للوقت، إضافة إلى كونها مربحة ماديا حيث تفوق تكلفتها أضعاف تكلفة الولادة الطبيعية، بالنسبة للطبيب وللمستشفى.
وقالت الطبيبة الجزائرية، ليندة زبيب، إن الولادات القيصرية عادة ما تجرى داخل المستشفيات الخاصة، كنوع من الوجاهة الاجتماعية، مشيرة إلى أن غالبية النساء يعتبرنها آمنة، في حين أنها تتسبب في بعد الأم عن طفلها في المرحلة التالية مباشرة للولادة، بسبب الآلام الناتجة عن الجراحة، مما يحرم المولود من فوائد الرضاعة الطبيعية.
وطالبت الطبيبة الجزائرية منظمة الصحة العالمية، بشنّ حملات توعية لمخاطبة النساء وليس الحكومات بمخاطر الولادة القيصرية، وخصوصا على الرضاعة الطبيعية، حتى تطالب النساء من تلقاء أنفسهن الأطباء بالولادة الطبيعية.
وأكد مختصون أن النساء العربيات لديهن معتقدات خاطئة عن الولادة الطبيعية بأنها يمكن أن تسبب خطرا للجنين وآلام ومضاعفات على الأعضاء التناسلية، منبهين إلى أن العملية القيصرية مخاطرها أكثر على النساء والمواليد.