قمة كوالالمبور الإسلامية لم تجنّب ماليزيا زلزالا سياسيا داخليا

أزمة سياسية تفجّرها استقالة رئيس الوزراء مهاتير محمد بعد فشل المحادثات لتشكيل ائتلاف حكومي جديد يستبعد خليفته المنتظر أنور ابراهيم .
الثلاثاء 2020/02/25
ارتباك المشهد السياسي

أدخلت استقالة رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد الاثنين، كوالالمبور في متاهات أزمة سياسية، في وقت كان يحاول فيه الائتلاف الحاكم هناك تجنّبها بتنظيم قمة كوالالمبور الإسلامية لكن الأخيرة فشلت في إخفاء التجاذبات السياسية التي تشق هذا الائتلاف.

كوالالمبور –  قبل ملك ماليزيا الاثنين استقالة رئيس الوزراء مهاتير محمد، وطلب منه الاستمرار في عمله إلى حين اختيار رئيس وزراء وتشكيل حكومة جديدة.

وقال كبير الأمناء مهد زوكي علي في بيان “أعطى الملك موافقته على تعيين الدكتور مهاتير محمد رئيسا مؤقتا للوزراء انتظارا لتعيين رئيس وزراء جديد”.

وكان مهاتير قدّم استقالته في خطوة مفاجئة بعد فشل محادثات بشأن تسليمه منصبه لمنافسه السابق أنور إبراهيم.

ويرى مراقبون أن “قمة كوالالمبور الإسلامية” التي جرى تنظيمها في ديسمبر الماضي، ودار حولها جدل كبير بشأن نوايا الدول المشاركة فيها ومدى تمثيليتها للدول المسلمة، لم تنجح في وضع حدّ للخلافات السياسية الداخلية.

وبعد انتهاء الجدل الذي دار حول هذه القمة التي يرى البعض أنها كانت تهدف إلى احتواء تحرّكات السعودية وحلفائها، ظهرت حدّة الخلافات السياسية الداخلية في ماليزيا.

ولم يكن هناك إجماع بين الدول ذات الغالبية المسلمة على المشاركة في هذه القمة، باعتبار أن نواياها لا تهدف إلا إلى ضرب تحرّكات السعودية بتحريض من تركيا وقطر، وكذلك إلى تحقيق مكاسب سياسية لمهاتير وائتلافه والتمكّن من الصمود لمزيد من الوقت.

استقالة مهاتير محمد تأتي في أعقاب محادثات مطلع الأسبوع الماضي بين الائتلاف والمعارضة بشأن تشكيل حكومة جديدة

وماليزيا هي التي دعت إلى هذه القمة التي قالت إنها تهدف إلى بحث قضايا مسلمي العالم البالغ عددهم 1.75 مليار نسمة، لكن يبدو أنها كانت تهدف إلى إرجاء الأزمة السياسية التي تتربّص بالائتلاف الحاكم، وربح بعض الوقت لإيجاد مخرج منها.

وباستقالته الاثنين ترك مهاتير الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا في أزمة سياسية عاصفة وسط دعوات من بعض الدوائر السياسية لأكبر رئيس وزراء في العالم بأن يعود على رأس حكومة جديدة.

وتؤدي استقالة مهاتير (94 عاما) إلى تفكيك ائتلاف مع منافسه السابق أنور إبراهيم (72 عاما). وكان هذا الائتلاف حقق فوزا مفاجئا في انتخابات 2018. ولا تأتي الاستقالة في إطار وعد مهاتير قبل الانتخابات بأنه سيسلّم السلطة لأنور في وقت ما.

ويأتي القرار الذي لم يفسّره مهاتير في أعقاب محادثات مفاجئة في مطلع الأسبوع الماضي بين الائتلاف وجماعات معارضة بشأن تشكيل حكومة جديدة.

ولكنّ أنور وأشخاصا مقرّبين من مهاتير قالوا إنه استقال بعد اتهامات بأنه يسعى إلى شراكة من نوع ما مع أحزاب معارضة كان قد هزمها قبل أقلّ من عامين على أساس برنامج لمكافحة الفساد.

وقال أنور للصحافيين بعد اجتماع مع مهاتير الاثنين “رأى أنه يجب ألّا يعامل بهذه الطريقة بربطه بالعمل مع هؤلاء الذين نعتقد أنهم فاسدون تماما”. وأضاف أنور “أوضح تماما أنه لن يعمل بأي شكل من الأشكال مع المرتبطين بالنظام السابق”.

ولكن لم يتضح ما إذا كانت هذه الاستقالة تمثّل نهاية المسيرة السياسية لمهاتير، فقد دعاه حزبان على الأقل من الائتلاف الحاكم إلى البقاء في منصب رئيس الوزراء. ووافقت بعض عناصر المعارضة كذلك على دعمه.

وقال إبراهيم سفيان مدير مركز مرديكا لقياس الرأي العام “الساحة مفتوحة أمامه، إذا فكّر في العودة كرئيس للوزراء فهو حر في اختيار شركائه أو من يرغب في أن يشاركوا في الحكومة”.

استقالة تؤدي إلى تفكيك ائتلاف مع منافسه السابق أنور إبراهيم
من حليفين إلى خصمين

وقال مكتب مهاتير إنه قدّم خطاب استقالته لملك البلاد ثم شوهد بعد ذلك وهو يصل إلى القصر للقاء الملك.

وقالت ثلاثة مصادر مطلعة إن مهاتير، الذي أنهى تقاعده لخوض الانتخابات الوطنية في عام 2018، استقال كذلك من حزب بيرساتو الذي شكّله قبيل الانتخابات.

وجاءت استقالة مهاتير في أعقاب تكهنات استمرت 24 ساعة بشأن مصير الائتلاف بعد أن عقد مشرّعون من أعضاء الائتلاف اجتماعات الأحد مع المنظمة الوطنية المتحدة للمالايو والحزب الإسلامي الماليزي.

ولم يتضح ما يخطط له الزعماء السياسيون في البلاد أو من الذي يمكنه تشكيل الحكومة المقبلة.

وقالت مصادر إنه قد تكون هناك مواجهة بين أنور وتحالف بين محيي الدين ياسين رئيس حزب بيرساتو وأزمين علي الذي عُزل الاثنين من حزب أنور.

ويقضي الدستور الماليزي بأن أيّ شخص يتمكّن من تحقيق أغلبية في البرلمان يمكنه المطالبة بتشكيل الحكومة. ويتعيّن الحصول على موافقة الملك قبل أن يؤدي أي رئيس وزراء اليمين.

وقال شخص مقرّب من حزب مهاتير إنه إذا لم يحقق أيّ شخص أغلبية بسيطة في البرلمان الذي يضمّ 112 مقعدا سيكون خيار إجراء انتخابات جديدة مطروحا.

ولم يوضّح أنور في تصريحات عامة الاثنين ما إذا كان سيطلب تشكيل حكومة.

 وقال إنه اجتمع مع الملك لعرض وجهة نظره وطلب مشورة الملك من أجل تحقيق صالح البلاد.

وقال مصدر آخر عن تشكيل الحكومة الجديدة “يبدو أن الأمر مطروح للمنافسة الآن، من يمكنه تحقيق الأغلبية”.

ومعروف أن العلاقة كانت عاصفة بين أنور ومهاتير إلا أنهما تصالحا قبل انتخابات العام 2018 وقد وعد مهاتير مرارا بأنه سيسلّم السلطة إلى خصمه السابق لكنّه رفض تحديد موعد حتى الآن.

أزمة سياسية عاصفة
أزمة سياسية عاصفة

وكان تحالف الرجلين يهدف إلى الإطاحة بحكومة نجيب رزاق التي تورّطت في فضيحة فساد واسعة النطاق.

وقد قادا ائتلافهما إلى فوز غير متوقع على ائتلاف حكم ماليزيا لستة عقود متواصلة، ووافق مهاتير على تسليم السلطة لأنور إبراهيم بعد خروجه من السلطة.

ولكن مهاتير رفض مرارا تحديد موعد تسليم السلطة ما أدّى إلى توترات داخل الائتلاف المؤلف من أربعة أحزاب. وكان مهاتير تولّى رئاسة الحكومة من قبل بين العامين 1981 و2003.

وقد هيمنت العلاقة الصعبة بينهما على المشهد السياسي في ماليزيا في العقديْن الأخيريْن.

وكان يتوقّع في الماضي أن يخلف أنور الذي كان وزيرا للمال، مهاتير في رئاسة الحكومة إلا أنّ هذا الأخير طرده بعد خلاف بينهما حول حلّ الأزمة المالية في البلاد.

وقد تراجعت شعبية الحكومة وخسر التحالف انتخابات محلية عدّة بعد التعرّض لانتقادات بسبب عدم حماية حقوق المسلمين الملايو الذين يشكّلون الغالبية في البلاد وعدم التحرّك بسرعة لاعتماد إصلاحات.

وشدّد خصومهم على أن السياسيين من أصول صينية باتوا يسيطرون على التحالف. وتشكل مسألة الإثنيات والأعراق موضوعا حساسا جدا في ماليزيا التي يدين نحو 60 في المئة من سكانها بالدين الإسلامي، لكنها تضم مواطنين من أصول صينية وهندية.

وأعربت أطراف عدة عن غضبها من أن حكومة انتخبت بطريقة ديمقراطية ستستبدل من دون إجراء انتخابات.

وقالت مجموعة من الناشطين والأكاديميين في بيان أن الشعب “لن نقبل ولن نتعاون مع حكومة شُكّلت في الكواليس لتحقيق المآرب الأنانية لبعض النواب بُغية حماية مصالحهم”.

5