تقنيات جديدة تحافظ على صلاحية الأغذية لفترة طويلة

تعاني المجتمعات الحديثة من ظاهرة إهدار الطعام على الرغم من تفشّي الجوع في مختلف بلدان العالم، حيث أكدت منظمة الأغذية والزراعة أن الجوع العالمي في ازدياد؛ ومع ذلك، فإنّ ما يقدّر بنحو ثلث جميع المواد الغذائية المنتجة على مستوى العالم تُفقد أو تهدر، وفي إطار البحث عن آليات للحد من فساد الأغذية طوّر خبراء في الولايات المتحدة الأميركية تقنية جديدة للحفاظ على صلاحية الأغذية لفترة طويلة.
نيويورك - قال أيدن موات رئيس شركة “هازيل تكنولوجيز” في الولايات المتحدة الأميركية “أتصوّر أنه سيكون من الممكن حرفيا خلال الشهور الـ18 المقبلة أن يشتري المستهلك صندوق موز ثم يضع داخله كيسا من مادة ‘هايزل’ مرة كل شهر، وسوف تكون لديه ثمرات موز لا تفسد إلى الأبد”.
وتندرج شركة “هايزل تكنولوجيز” في إطار موجة جديدة من الابتكارات التي تهدف إلى إبطاء عملية تعفّن الأطعمة، ويصف الخبراء هذا الاتجاه بأنه سلاح رئيسي في المعركة ضد الإهدار الهائل للموارد الغذائية.
وتنتج الشركة مادة يمكنها تمديد صلاحية كافة أنواع الفواكه والخضراوات مثل الأفوكادو والتوت والكمثرى والبروكلي عن طريق إبطاء التفاعلات الكيميائية التي تؤدي إلى حدوث العطب.
وتستخدم بعض كبرى شركات الإنتاج الزراعي في العالم هذه التقنية لإرسال منتجاتها لدول أبعد دون أن تفسد، وكذلك لتقليل الكمية المهدورة من هذه المنتجات، إلا أنّ موات يقول من مكتبه داخل “يونيفرسيتي تكنولوجيا بارك” وهو مركز جديد للإبداع أقيم في حرم معهد إيلينوي للتكنولوجيا بالولايات المتحدة إن الخطوة التالية هي تطويع هذه التقنية لخدمة المستهلك العادي. وفي حين أنّ جزءا من الإهدار يحدث خلال سلسلة التوريد، إلا أن الجزء الأكبر من الأغذية التي تهدر سنويا والتي تصل قيمتها إلى 218 مليار دولار، يتم التخلّص منها من المنازل والمطاعم ومتاجر البقالة، حسبما تقول مؤسسة “ريفيد” غير الربحية في ولاية كاليفورنيا والتي تهدف إلى إيجاد حلول من أجل الحدّ من إهدار الغذاء.
ونبّهت منظمة الأغذية والزراعة الدولية إلى أن الحدّ من أهدار الأغذية يعتبر أمرا بالغ الأهمية لخلق عالم خال من الجوع بالنسبة للكثير من الناس، مشيرة إلى أن الغذاء شيء متاح لكن بالنسبة إلى أكثر من 820 مليون شخص يعانون من الجوع، لا يعتبر الغذاء أمرا مسلما به.
وكشفت إحصائية بريطانية شملت 25 دولة تمثّل ثلثي سكان العالم من الأكثر إهدارا للغذاء على مستوى دول العالم، عن ارتفاع معدلات إهدار الطعام إلى نحو 250 كيلوغراما من الأغذية للفرد سنويا في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عموما، وتعتبر تأثيراتها والاجتماعية والبيئية الاقتصادية وخيمة.
وأكد الخبراء أن مشكلة الإهدار الغذائي ترتبط بالتقاليد ونقص الوعي في المجتمعات العربية، وحذروا من انتشار هذا السلوك في المطاعم والمناسبات، نظرا إلى أن العادات جرت على تقديم طعام أكثر من المطلوب.
ومن جانبها لفتت مؤسسة ريفيد إلى أن الأسرة الأميركية المتوسطة تتخلّص من 25 في المئة من مشترياتها من البقالة، وهو ما يكلّف أسرة مكوّنة من أربعة أفراد ما يقدر بـ1600 دولار سنويا.
وتشير التقديرات الحكومية إلى أن نحو 40 في المئة من الأغذية التي يتم تصنيعها سنويا في الولايات المتحدة وحوالي نصف المنتجات الزراعية لا يتم الاستفادة منها.
تجربة مادة هايزل على الأسماك ولحوم الدواجن والأبقار أظهرت أن بإمكانها تمديد فترة صلاحيتها ما بين أربعة إلى ستة أيام
وفي الوقت ذاته، فإنّ الأغذية التي لا تؤكل تمثّل العنصر الأول في مستودعات القمامة، ويضاف إلى هذه الخسائر الماء الذي يهدر في زراعتها والطاقة التي تستهلك في نقلها من مكان إلى آخر.
وتقول إلكسندرا كواري مديرة قسم رأس المال والإبداع في مؤسسة ريفيد إن توجيه الأغذية إلى الجهات الخيرية قد يؤدي إلى الاستفادة منها بدلا من إلقائها في صناديق القمامة، ولكن الحلول الرامية إلى منع الإهدار من المنبع، عن طريق تمديد صلاحية الغذاء “تنطوي على مزايا اقتصادية كبيرة فضلا عن فوائدها البيئية”.
وتتوافر تقنيات تمديد صلاحية الأغذية منذ فترة طويلة، ولكنها شهدت مؤخرا طفرة كبيرة في الابتكارات التي توسع نطاق استخدام هذا الخيار، وتوضح كواري أنه تم في العام الماضي ضخ استثمارات بقيمة 185 مليون دولار في مشروعات تهدف إلى مقاومة إهدار الغذاء.
وتأسست شركة هايزل تكنولوجيز عام 2015 بواسطة مجموعة من الخرّيجين من جامعة نورث ويسترن، وقد جمعت حتى الآن 18 مليون دولار، من بينها مليون دولار في صورة منح من وزارة الزراعة الأميركية، وأصبح لها عملاء في 12 دولة في الأميركيتين.
وتصنع الشركة أكياسا صغيرة تشبه أكياس الملح والبهارات التي يتم توزيعها مع الوجبات السريعة، وتوضع هذه الأكياس الصغيرة في صناديق المنتجات الزراعية لوقف تأثرها بمادة الإيثيلين، وهي مادة كيميائية تنبعث بشكل طبيعي من الخضروات والفاكهة وتؤدي إلى تدهور تماسكها ولونها وملمسها.
وتنبعث من الأكياس الصغيرة مواد مقاومة للإيثيلين بشكل مستمر حيث تقوم بتغيير طبيعة الهواء داخل عبوة التخزين دون التأثير على الأغذية داخلها.
ويقول موات إنه في حين أن تقنية التعامل مع الإيثيلين ليست جديدة، إلا أن الأكياس الصغيرة التي تنتجها شركته تكتسب شعبية كبيرة، بفضل سهولة استخدامها سواء في حقول البامية في هندوراس أو في مصانع تعبئة الأفوكادو في الولايات المتحدة.
وتعكف الشركة حاليا على تطوير تفاعلات كيميائية لمقاومة الميكروبات، وسوف يتم قريبا طرح أغلفة مقاومة للميكروبات في الأسواق لحماية بعض أنواع الفاكهة مثل التوت من التعفن.
وأوضح موات قائلا “يمكننا تمديد صلاحية أي نوع من الأغذية عن طريق استهداف التفاعلات الخاصة التي تؤدي إلى إفسادها، ودمج هذه التقنيات في وسائل التغليف المعمول بها حاليا”.
وتتوقف فترة الصلاحية التي تستطيع مادة هايزل تمديدها على نوعية الغذاء نفسه، فعلى سبيل المثال، أظهرت الاختبارات أن معالجة ثمرة الكمثرى غير الناضجة بكيس هايزل يعطيها فترة صلاحية أطول تتراوح ما بين سبعة إلى عشرة أيام، علاوة على ثلاثة إلى أربعة أيام أخرى بعد اكتمال نضج الثمرة.
وأضاف أن تجربة المادة على الأسماك ولحوم الدواجن والأبقار أظهر أن بإمكانها تمديد فترة صلاحية هذه المأكولات ما بين أربعة إلى ستة أيام.
ومن جانبه أفاد باتريك كورتيس مدير التطوير بشركة “ميشن بروديوس”، وهي أكبر شركة لزراعة فاكهة الأفوكادو في العالم إن الشركة وجدت أن ثمار الأفوكادو الناضجة التي لا بد أن تباع خلال فترة تتراوح ما بين يومين إلى خمسة أيام بمجرد عرضها في المتاجر، يمكنها أن تظل طازجة لفترة ما بين سبعة إلى عشرة أيام عند معالجتها بمادة هايزل.
وأضاف أنه بمجرد أن تصل هذه الثمار المعالجة إلى ذروة النضج، فإن بعضها يظل صالحا حتى بعد تقطيعها إلى شرائح وتركه في درجة حرارة الغرفة لمدة أسبوعين.

وطوّرت شركة “ميشن” منتجا بالاشتراك مع شركة هايزل يحمل اسم “أفولاست”، وقد تم تجربته بالفعل في أسواق التجزئة، كما تعتزم طرح منتجين آخرين، حسبما يقول كورتيس، الذي يفضّل في الوقت الحالي مادة هايزل مقارنة بغيرها من المواد الكيميائية التي تؤدي نفس الغرض نظرا إلى سهولة استخدامها.
وأوضح كورتيس أن الشركة تستثمر في هذه التقنية للمساعدة في الحفاظ على صلاحية ثمار الأفوكادو عندما يتم نقلها في رحلات طويلة عبر المحيط، كما أنها تساعد تجار التجزئة الأميركيين على توفير أموالهم عن طريق تقليل كمية الفاكهة الفاسدة التي يتم التخلص منها. وأضاف أنه في المتوسط يتخلّص تجار التجزئة من 5 في المئة من الثمار، وهي مسألة لها عواقب بيئية أيضا.
وذكر كورتيس “لقد قلنا لأحد تجار التجزئة الذين نتعامل معهم إننا إذا قمنا بخفض الكمية المهدرة من الفاكهة بنسبة 2 في المئة، فسوف يكون ذلك مساويا لتوفير الطاقة الكهربائية لـ26 منزلا سنويا.. من المنطقي تماما أن نقوم بالعمل الصائب”.
غير أن تبنّي مثل هذه التقنيات ما زال أمامه طريق طويل. فالمورّدون يدفعون ثمنها، ولكن الفائدة الحقيقية تصبّ في الدرجات الأدنى من سلسلة التوريد أي عند تجار التجزئة، وهو ما يؤدي إلى تعقيد الفكرة من ناحية نموذج العمل، على حدّ قول كواري. وتضيف أنه ليس من الواضح ما إذا كان المستهلكون سوف يكونون مستعدين لدفع مبالغ أكثر نظير شراء منتج بفترة صلاحية أطول، كما أنه ليس من المعروف حتى الآن حجم تكلفه هذه التقنية، ويقول موات إن الأسعار تختلف بشكل كبير بسبب اختلاف الظروف الجوية أو عوامل أخرى نادرا ما يلتفت إليها المستهلك.
كما أنه سوف يكون تطبيق تقنيات خاصة بتمديد صلاحية الأغذية في سلاسل التوريد أمرا معقدا ومكلفا إذا ما كانت المسألة تتطلب معدّات أو تدريب عمالة موسمية. وهنا تأتي نقطة التفوق التي تتمتع بها “هايزل” حيث أن المنتجين والموردين الذين جربوا بدائل أخرى عديدة، يميلون إلى مرونة وسهولة استخدام تقنية هايزل.
ويقول ديفيد أورتيجا مدير عمليات التغليف في شركة “أورشارد فيو شيري” المتخصصة في زراعة الكرز بولاية أوريجون الأميركية “لا بد أن تكون التقنية بسيطة وإلا لن تكون لها قيمة”.