أردوغان يفقد السيطرة على مواجهة الجيش السوري في إدلب

أنقرة تصعد الموقف ابتزازاً لموسكو على أمل التراجع عن الأهداف المرسومة، فيما يستمر الجيش في التقدم صوب سراقب مع تصاعد الاشتباكات في ريف حلب الغربي.
الثلاثاء 2020/02/04
استنفار تركي على الحدود

دمشق - شهدت محافظة إدلب الاثنين تبادلا لإطلاق النار بين القوات السورية والتركية، في تصعيد هو الأخطر بينهما أوقع قتلى من الطرفين، في وقت تواصل دمشق بدعم روسي انتزاع مناطق خاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى في شمال غرب سوريا.

ويأتي التصعيد التركي السوري بعد ساعات قليلة من إرسال أنقرة تعزيزات عسكرية “غير مسبوقة” لمحافظة إدلب وتشييدها لنقاط مراقبة جديدة خاصة في محيط مدينة سراقب التي تكتسي أهمية استراتيجية لجهة وقوعها على تقاطع طريقين دوليين يحاول الجيش السوري استعادتهما.

وتستشعر تركيا خطر فقدان السيطرة ليس فقط على الطريقين الاستراتيجيين بل وعلى كامل إدلب ومحيطها وهو ما دفعها إلى تصعيد الموقف هناك وابتزاز الجانب الروسي على أمل التراجع عن تلك الأهداف المرسومة.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مساء الاثنين إن التطورات في إدلب صارت “خارج نطاق السيطرة”، محذرا من العاصمة الأوكرانية كييف، بأن نحو مليون شخص في المحافظة يتجهون صوب الحدود التركية نتيجة لهجوم الجيش السوري، وهذه حجة لطالما ساقها الرئيس التركي لتبرير أي تدخل له في المسرح السوري، أو عند استشعار خطر فقدان نفوذه في البلد الجار.

وأعلنت أنقرة في وقت سابق عن مقتل خمسة من جنودها ومدني يعمل لصالح جيشها في قصف مدفعي شنه الجيش السوري ضد قواتها المتمركزة في إدلب، ما دفعها إلى الرد عبر استهداف مواقع للقوات السورية.

وخلال مؤتمر صحافي في إسطنبول صباحا، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن “طائراتنا من طراز إف-16 وقطع مدفعيتنا تقوم حالياً بقصف أهداف حددتها أجهزة استخباراتنا”، ما أسفر وفق زعمه عن مقتل ما بين 30 و35 عنصراً من القوات السورية، الأمر الذي نفته دمشق.

وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أنّ الرد التركي لم يسفر “عن أي إصابة أو ضرر”. إلا أنّ مدير المرصد السوري رامي عبدالرحمن أكّد “مقتل 13 جنديا سوريا وإصابة نحو 20 آخرين بجروح في الرد التركي”، الذي استهدف بعشرات الصواريخ مواقع للجيش في جنوب إدلب ومحافظتي اللاذقية وحماة المحاذيتين.

ويُعد هذا التصعيد “المواجهة الأخطر” بين الطرفين منذ بدء التدخل العسكري التركي المباشر في سوريا منذ العام 2016.

وقال أردوغان في تصريحاته “لا يمكننا أن نقف صامتين بينما جنودنا يستشهدون. سنواصل المطالبة بالمحاسبة”. وتوجه إلى موسكو بالقول “أريد خصوصا أن أبلغ السلطات الروسية أن محاورنا هنا ليس أنتم بل النظام (السوري) ولا تحاولوا عرقلة عملنا”. وواضح أن تركيا تحاول تحييد روسيا عن الصراع الدائر مع أنها تعلم باستحالة ذلك حيث أنه في الواقع فإن عملية إدلب تجري بتخطيط ودعم لا محدود من موسكو، ويقول محللون إن تركيا تعمدت تحميل دمشق المسؤولية حتى تتجنب خطر الرد الروسي.

التصعيد التركي السوري جاء بعد ساعات قليلة على إرسال أنقرة تعزيزات عسكرية "غير مسبوقة" إلى محافظة إدلب
التصعيد التركي السوري جاء بعد ساعات قليلة على إرسال أنقرة تعزيزات عسكرية "غير مسبوقة" إلى محافظة إدلب

وأوضحت روسيا في بيان عن وزارة الدفاع، أنّ “مجموعة من الجنود الأتراك قاموا بتحركات في (..) إدلب” ليل الأحد الاثنين “من دون إبلاغ روسيا بالأمر ووجدت نفسها تحت نيران القوات الحكومية السورية التي كانت تستهدف الإرهابيين في منطقة سراقب” في ريف إدلب الجنوبي.

وكانت تركيا التي تنشر 12 نقطة مراقبة في إدلب بموجب اتفاق مع موسكو، حذرت الأسبوع الماضي من أنها سترد على أي تهديد لقواتها بعدما باتت ثلاث من نقاطها محاصرة من قبل القوات السورية. واتهمت موسكو بعدم احترام الاتفاقات المبرمة بينهما بشأن إدلب.

ووقع التصعيد الأخير بعد ساعات من دخول رتل عسكري تركي ضخم، مؤلف من 240 آلية على الأقل، وفق المرصد إلى شمال غرب سوريا، تمركز الجزء الأكبر منه قرب سراقب. كما أفاد المرصد الاثنين عن دخول رتل تركي جديد إلى إدلب.

وتسعى القوات الحكومية حالياً لاستعادة مدينة سراقب بعد أن نجحت في بسط نفوذها على مدينة معرة النعمان، ونحو 50 قرية في ريفي إدلب وحلب.

ومنذ ديسمبر، تشهد إدلب وجوارها، حيث يعيش ثلاثة ملايين شخص نصفهم تقريبا من النازحين، تصعيداً عسكرياً من دمشق وحليفتها موسكو، يتركز تحديدا في ريفي إدلب الجنوبي وحلب الغربي حيث يمر جزء من طريق دولي استراتيجي يربط مدينة حلب بدمشق.

ويُعرف الطريق باسم “أم 5” ويعبر أبرز المدن السورية من حماة وحمص وصولا إلى الحدود الجنوبية مع الأردن. وفي إدلب، يمر هذا الطريق في ثلاث مدن رئيسية، خان شيخون التي سيطر عليها الجيش صيف 2019، ومعرة النعمان التي دخلها الأربعاء، ثم مدينة سراقب.

وتكمن أهمية سراقب في موقعها الاستراتيجي كونها تشكل نقطة التقاء بين طريق “أم 5” وطريق استراتيجي ثان يُعرف باسم “أم 4”، يربط محافظتي حلب وإدلب باللاذقية غربا.

وأفاد المرصد أن الجيش بات على بعد كيلومتر واحد عن طريق “أم 4”.

ويثير التصعيد الجاري بين أنقرة ودمشق تساؤلات حول ما إذا كان الجيش سينهي بطلب من روسيا عملياته العسكرية في إدلب، ويوقف تقدمه صوب سراقب، خاصة بعد اتصال هاتفي بين وزيري خارجية تركيا وروسيا بعد المواجهة التركية السورية.

ويعتقد محللون أن موسكو لن تنهي عملية إدلب، وتخضع للابتزاز التركي، ويستدلون على ذلك باستمرار الجيش في التقدم صوب سراقب، مع تصاعد الاشتباكات في ريف حلب الغربي.

وأفاد المرصد عن مقتل 12 مدنيا في “قصف روسي”، قضى تسعة منهم ضمنهم أربعة أطفال في استهداف سيارة كانت تقلهم بعيدا عن التصعيد العسكري في ريف حلب الغربي.

ودفع التصعيد منذ ديسمبر 388 ألف شخص إلى النزوح من المنطقة وخصوصاً معرة النعمان باتجاه مناطق أكثر أمنا شمالا، وفق الأمم المتحدة. وبين هؤلاء 38 ألفا فروا منذ منتصف يناير.

2