"من رمل ونار" روائي مغربي عن الأب الروحي لجواسيس العالم

الفيلم المغربي يصوّر بكثير من الرمزية مطامع المستعمرين في القرن الثامن عشر بدول الشرق، من خلال تناوله حياة دومينغو باديا الملقب بالأمير علي باي العباسي.
الأربعاء 2020/01/29
قصة حب مستحيلة بين مستشرقين على أراض عربية

يعرض، حاليا، في أربعين قاعة سينمائية مغربية، علاوة على العديد من الفضاءات الثقافية في البلدان الأوروبية، الفيلم التاريخي المغربي الجديد “من رمل ونار ــ الحلم المستحيل” للمخرج سهيل بن بركة، وهو الفيلم الذي صوّر فيه مخرجه بكثير من الرمزية مطامع المستعمرين في القرن الثامن عشر بدول الشرق.

 نقل الفيلم المغربي الجديد “من رمل ونار ــ الحلم المستحيل” لمخرجه المغربي سهيل بن بركة الذي امتد لمئة وخمس عشرة دقيقة، الصراعات السياسية التي كانت تدور بين الدول الاستعمارية والإمبراطورية العثمانية حول الشرق. وكان المغرب في صدارة الأحداث، لكونه يقع بمواجهة جغرافية لأوروبا أكثر من أي بلد آخر من بلدان الشرق.

وعرض الفيلم المشاهد الطبيعة الخلابة التي تم اختيارها في دول مختلفة كإسبانيا والمغرب وبريطانيا، وهو يتابع الجاسوس الإسباني الملقب بعلي باي العباسي، وهو يمهد لمهمته. ولم يكن الرجل سوى طامع في الجاه والثروة ويدعى “دومنغو باديا ليبليتش” وهو ابن ضابط إسباني مغمور، ولكن الأب مكّن ابنه من دراسة الطب والفلك وعلم المعادن والنبات والرياضيات وتعلم عدة لغات أوروبية إلى جانب العربية.

وبعد تخرجه عرض خدماته على المسؤول الإسباني الرفيع كودوي، فطلب منه التسلّل إلى المغرب للقيام بالتجسّس على السلطان المغربي مولاي إسماعيل (1766 ــ 1822)، لأن السلطات الإسبانية علمت بمفاوضات بين الإنجليز والسلطان لمبادلة الدقيق بالبنادق، ممّا أثار مخاوف إسبانيا من أن تكون لدى السلطان نية باستعادة الأندلس.

سافر دومنغو الذي يعتبر الأب الروحي لجواسيس العالم إلى فرنسا، فقابل تاليران وزير نابليون، وعلم منه بمهمته السرية القادمة، فشجعه، وأوصى ممثلي فرنسا بالمغرب به خيرا، وطلب منهم مساعدته. ومن فرنسا عبر المانش ليصل إلى بريطانيا، وهناك انتحل شخصية تاجر مسلم قادم من حلب يدعى “علي باي”، وعرّف نفسه بأنه سليل الخلفاء العباسيين، وأن أباه أرسله إلى إسبانيا ليتعلم العلوم الأوروبية ويعود ليفيدهم بعلومه.

الفيلم من إنتاج مغربي إيطالي، كلّفت ميزانيته 8 ملايين يورو، واستمر الإعداد له أربع سنوات، فيما تم تصويره في ثلاثة أشهر

في لندن وسّع معلوماته بما توفر فيها من تراث الشرق، ومن هذه الجزئية التاريخية انطلق المخرج بن بركة ليربط علاقة غرامية بين علي باي ونبيلة بريطانية تدعى الليدي إستر، وهي أيضا مغامرة محبة للشرق. هجرت بلادها، واستقرّت في مناطق بين سوريا ولبنان، وأسلمت إسلاما متطرفا، واختيرت من مشايخ القبائل كملكة لتدمر، وربطت بين الاثنين علاقة حب امتدت لأربعة عشر عاما.

صوّر الفيلم دهشة سكان طنجة المذهولين بخبرات علي باي، الذي وصلها قادما من إسبانيا، مستخدما علومه التي أتقنها في علم الفلك لتعجب به العامة، وقد حدّد للناس اليوم الذي سيحدث فيه الكسوف. وصدقت توقعاته، ممّا جعل أهل طنجة يعتقدون في قداسته.

وكان هدفه إعداد المغرب للغزو الإسباني القادم من خلال نقل المعلومات عن حالة الجيش المغربي ومخططات الحصون، ونقل ما يدور في بلاط السلطان بعد أن ينال ثقته، وهذا بالفعل ما حصل، وصار قريبا جدا من السلطان حالما علم الأخير من أتباعه بعلوم وخبرات علي باي.

خطّط دومنغو للتقرّب من قادة الجيش في الحصون، وعمد إلى بثَّ  الفتنة بين أتباع السلطان المغربي، وشجّع قادة قوات متفرقة كانت مسيطرة على مناطق القبائل، للزحف على مراكش، وإزاحة السلطان ليحل محله علي باي بمساعدة هذه القوات التي سيتم إنزال الأسلحة والعتاد القادمة من إسبانيا لها عند السواحل.

الفيلم من إنتاج مغربي إيطالي، كلّفت ميزانيته 8 ملايين يورو، واستمر الإعداد له أربع سنوات، فيما تم تصويره في ثلاثة أشهر، انتقلت فيها الكاميرا إلى الكثير من الأمكنة في بلدان مختلفة كالمغرب وإسبانيا وبريطانيا، وصوّرت لقطات رائعة للطبيعة، مثلت في الفيلم ركنا دراميا ساهم في غنائية المشاهد من خلال التأكيد على أن هذه الطبيعة الغناء هي أحد مطامع المستعمرين.

وأضاف إلى جمال الفيلم الأداء المتميز للممثلين، كالنجم الإسباني رودولفو سانشو والنجمة الإيطالية كارولينا كريسينتيني، وجيانكارلو جيانيني، ومن المغرب عمر العزوزي -وزير الملك جنان- الذي يستقبل زوار البلاط. إضافة إلى يوسف بنزكور الذي أدى دور محارب تركي لحماية ملكة تدمر بطلة الفيلم، وحميد باسكيط، الذي مثل دور ابن مالك، وهو يتتبع خطوات علي باي الجاسوس مكتشفا حقيقته ليخبر السلطان بها. هذا علاوة على جمال العبابسي، كمال موماد، ويوسف كركور، وقد أدوا أدوارا ثانوية، لكنها كانت مهمة ومحوريّة.

تميز سهيل بن بركة في عمله الجديد بتركيبه الحاضر على الماضي للتحرّك بحرية وديناميكية خاصتين به، قصد توصيل رؤيته حول ما يدور في المنطقة من أحداث معاصرة، كما فعل في فيلمه التاريخي السابق “معركة الملوك الثلاثة” سنة 1990.

وفي فيلمه الأخير أطنب بن بركة في التعبير من خلال حيوية الصورة وتآزرها مع المؤثرات الصوتية والموسيقى التي تم اختيارها لمصاحبة الأحداث، فطغت الموسيقى في بعض الأحيان على الحدث الذي يدور على الشاشة، ليصير سببا في تشتيت ذهن المشاهد. إلّا أنه في المقابل اعتمد على المشاهد البانورامية التي أتت موفقة، كما انتقلت الكاميرا بين الصالونات فعكست الأذواق المختلفة للطبقات العليا في القرن الـ18، فكانت صور الأماكن جسدا حيا للفيلم.

التاريخ يعيد نفسه
التاريخ يعيد نفسه

وذَكّر فيلم “من رمل ونار ــ  الحلم المستحيل” مشاهديه بأفلام عالمية تاريخية، كفيلم “جنكيز خان” الذي أنتج في العام 1965 للمخرج هنري لفين وبطولة عمر الشريف. وحكى عن صعود الغازي المغولي جنكيز خان، وفيلم “لورنس العرب” الذي أنتج سنة 1962 للمخرج ديفيد لين بطولة بيتر أوتول وعمر الشريف وأنتوني كوين. وقدّمت فيه ثورة القبائل العربية على الدولة العثمانية لمساندة الإنجليز في الحرب العالمية الأولى. وأيضا فيلم “وداعا بونابرت” للمخرج يوسف شاهين سنة 1985 إنتاج مصري – فرنسي مشترك، وبطولة ممثلين مصريين وفرنسيين. وفي كل هذه الأفلام تم اعتماد الوثيقة التاريخية، وكذلك فعل بن بركة في تتبع المسارات السياسية في القرن الثامن عشر في فيلمه الأخير من خلال الوثيقة التاريخية.

وانتهت علاقة علي باي بإستر ملكة تدمر عند اكتشافها حقيقته، وكونه جاسوسا إسبانيا، وليس مسلما كما أوهمها، فانتقمت منه بإرسالها له من وضع له السم، فمات مسموما أثناء رحلته إلى حج مكة المكرمة. وتشير المصادر التاريخية إلى أنه مات بمرض الزحار (التدفق الدموي)، ودفن على الطريق بين مكة والطائف، ولم يمت مسموما.

16