تركيا تبحث عن دور في توجيه دفّة الحدث العراقي

زيارة وزير الخارجية التركي إلى بغداد في هذا الظرف المتوتّر بسبب تصاعد الصراع بين إيران والولايات المتحدة واتخاذه الأراضي العراقية مسرحا له، تأتي في إطار جهود أنقرة للحفاظ على موطئ قدم لها بالعراق وحرصها على ألا تتجاوزها الأحداث لمصلحة لاعبين إقليميين ودوليين كبار.
بغداد- سارعت تركيا مع ظهور أولى البوادر على حدوث تهدئة في التوتّرات القائمة بالمنطقة إلى إيفاد وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو إلى بغداد، وذلك حرصا على مواكبة الأحداث الجارية في العراق ومن حوله ومحاولة المشاركة إلى جانب اللاّعبين الرئيسيين على الساحة العراقية؛ إيران والولايات المتحدة، في توجيهها بما يحافظ لها على موطئ قدم هناك، رغم انخراطها بقوّة في تفاصيل الملف الليبي وتطوراته المتسارعة.
ولم توفّر القيمة الجغرافية التي تحظى بها تركيا بالنسبة للعراق أي أفضلية لأنقرة كي تكون جزءا من أدوات التأثير في الملف السياسي لهذا البلد، إذ يقتصر تأثيرها على الشق الاقتصادي وتدخّلها العسكري المحدود في الأراضي العراقية، لكنّ زيارة أوغلو في هذا التوقيت هدفها إرسال رسائل إلى أطراف عديدة في مقدمتها دول الخليج الكبيرة.
وفور وصوله إلى مطار بغداد، توجه الوزير التركي إلى مبنى الحكومة في بغداد حيث التقى رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، حيث نقل “تحيات القيادة التركية لرئيس مجلس الوزراء ودعمها لأمن العراق واستقراره وسيادته الوطنية”، مشيرا إلى أن “الرئيس التركي وجهه بزيارة بغداد بهدف التأكيد على دعم تركيا للعراق والوقوف معه حكومة وشعبا”، وفقا لبيان رسمي.
وشدّد أوغلو على أنّ “تركيا تقدّر موقف الحكومة العراقية الساعي لإبعاد الساحة العراقية عن الصراعات الدولية وحرصها على حفظ السلام والاستقرار وتجنيب دول المنطقة مخاطر الحروب، وأهمية تعاون البلدين في هذا المجال”.
وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره العراقي محمد علي الحكيم “إنّ العراق ليس لوحده، وسنعمل سوية من أجل تجاوز الأيام العصيبة”. وأضاف “تركيا لا تريد أن يكون العراق ساحة للصراع بين القوى الأجنبية”.
ومن جهته، قال الحكيم إنّ محادثاته مع نظيره التركي تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين ودعم العراق ليكون عامل استقرار في المنطقة وإبعاده عن سياسة التجاذبات.
وأوضح أنّ المباحثات تركزت على “دعم جهود العراق ليكون عامل استقرار في المنطقة وعدم السماح بامتداد الصراع إلى أراضيه، كي يتمكن البلد من استكمال النصر على الإرهاب وإعادة الإعمار”.
وأشار إلى أن العراق أبلغ وزير الخارجية التركي بضرورة خروج جميع القوات الأجنبية من أراضي العراق عبر الطرق الدبلوماسية والحوار بما يحفظ مصالح الجميع.
وتعتبر أنقرة من البلدان المعنية مباشرة بقضية التدخّل العسكري في الأراضي العراقية، حيث دأبت القوات التركية على التدخّل بشكل محدود في مناطق الشمال العراقي لمطاردة وضرب مسلّحي حزب العمّال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة تنظيما إرهابيا، ويلوذ عدد من مقاتليه بالمناطق العراقية ذات التضاريس الوعرة للاحتماء من الضربات التركية.
كما أنشأت أنقرة قاعدة في منطقة بعشيقة شمالي الموصل تشير أرقام غير رسمية عن وجود المئات من الجنود الأتراك داخلها. ولفّ الغموض ظروف إنشاء تلك القاعدة التي يبدو من شبه المؤكّد أنها أقيمت بعلم سلطات إقليم كردستان العراق الذي يدير كيانا أقرب إلى الحكم الذاتي بشمال العراق.
تركيا معنية بقضية التدخل العسكري الأجنبي في الأراضي العراقية برفضها إخلاء معسكر بعشيقة
وباءت بالفشل كل الجهود العراقية لإخراج الجنود الأتراك من معسكر بعشيقة، وذهبت مختلف التهديدات الصادرة عن حكومة بغداد وأحزاب وميليشيات شيعية لأنقرة أدراج الرياح، بينما ازدادت نبرة الحكومة التركية ارتفاعا في الدفاع عن “شرعية” وجود قواتها داخل الأراضي العراقية.
ويرى مراقبون أن دخول تركيا على خط الأزمة العراقية في هذا التوقيت، وعلى هذه الشاكلة، يستهدف دعم رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، الذي تحوّل إلى حليف صريح لإيران، ما أثار غضب الولايات المتحدة.
ويعاني عبدالمهدي عزلة داخلية وخارجية، بعد سلسلة التطورات الكبيرة التي بدأت بتظاهرات حاشدة أجبرته على الاستقالة، مرورا بتفجر الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران بشكل مباشر على أرض العراق.
وفي جميع هذه التطورات، قدم عبدالمهدي أداء ضعيفا للغاية، وانحاز نحو الرؤية الإيرانية، بدءا من الاستجابة لخطة قمع المتظاهرين التي حملها إلى بغداد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي قتلته الولايات المتحدة بهجوم صاروخي في مطار بغداد.
وجرّ الأداء الضعيف لعبدالمهدي تخلّي معظم حلفائه الداخليين عنه، فيما تسبب قمع الاحتجاج الذي تورطت فيه حكومته في عزلها عن محيطها الخارجي إلاّ إيران.
ولا يستبعد مراقبون أن تكون زيارة أوغلو المفاجئة إلى بغداد، قد تمت بتشجيع إيراني، لمد حكومة عبدالمهدي بشيء من الدعم الخارجي، وهذا ما كشفت عنه العبارات التي أوردها مكتب رئيس الوزراء العراقي على لسان الوزير التركي.