المعلومات المضللة تجارة رائجة في المواسم الانتخابية الأوروبية

تتراشق الدول الغربية وروسيا الاتهامات حول مسؤولية كل من الطرفين عن نشر أخبار ومعلومات مضللة لخدمة المصالح التجارية والسياسية والإضرار بالطرف الآخر، فيما تؤكد التقارير والدراسات أن تجارة المعلومات المضللة ناشطة حتى لدى الأحزاب السياسية في الاتحاد الأوروبي وروسيا على حد سواء.
بروكسل - "غريتا تونبرغ أعلنت الحرب على الرجال البيض"، "كييف خططت لمنح شبه جزيرة القرم للولايات المتحدة كمستعمرة"، "الحكومة الأميركية تحاول القضاء على المسيحية"، هي عينة من سيل لعناوين الأخبار الكاذبة التي تنشرها حسابات اجتماعية أو مواقع إلكترونية أغلبها مؤيدة للكرملين، واكتشفتها قاعدة بيانات تابعة للاتحاد الأوروبي مخصصة للمعلومات المضللة.
ويؤكد مسؤول أوروبي، أن الأصوات المؤيدة للكرملين لا تزال أكبر مصدر للمحتوى المتلاعب به الذي يستهدف الدول الأوروبية. وقبل أربعة أعوام، دقت عواصم الاتحاد الأوروبي ناقوس الخطر بشأن تدفق موجة من المحتوى العقائدي المؤيد للكرملين عبر منتديات شبكة الإنترنت، خصوصا أنه من المستحيل إيقاف هذا المحتوى من مصادره، التي لا تعد ولا تحصى، سواء من شبكات إعلامية مدعومة من الدولة مثل “آر.تي” و”سبوتنيك” أو من نشطاء يعملون بشكل مستقل.
وكلف القادة الأوروبيون فريقا صغيرا من مسؤولي الاتحاد الأوروبي بمهمة توثيق وفضح الادعاءات كاذبة. وتكشف النتائج في قاعدة بيانات “EUvsDisinfo”، التابعة للاتحاد الأوروبي، المعلومات المضللة. ولا يقتصر تأثير هذه المعلومات المضللة، على الاتحاد الأوروبي فقط، إذ إنها تشكل أيضا مشكلة كبيرة في الهند وعاملا رئيسيا في تأجيج التوتر الديني في جميع أنحاء العالم.
وفي عام 2015، كشف صحافيون في روسيا مكاتب لعاملين تم التعاقد معهم لإصدار تعليقات ومنشورات. وتعرف أيضا “وكالة أبحاث الإنترنت” التي تديرها شخصيات مرتبطة بالكرملين، باسم مزرعة متصيدي سان بطرسبرغ (التي تحاول إحراز تأثير عبر الإنترنت لخدمة المصالح التجارية والسياسية الروسية). وقد ذكر المحقق الأميركي الخاص روبرت مولر هذه الوكالة الروسية في تقريره عن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية لعام 2016.
ألاستير ريد: ما يثيرالقلق بشكل خاص هو المحتوى المضلل الذي يهدف إلى إثارة الاستياء من المهاجرين
وترفض القيادة الروسية مزاعم تدخلها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتتهم الغرب بشن “حرب معلومات” لتشويه سمعة موسكو. ويوجد لدى وزارة الخارجية موقع إلكتروني متخصص يدوّن مقالات معظمها من منصات ووسائل إعلام غربية رئيسية، تحتوي على “معلومات كاذبة” أو “تنم عن كراهية روسيا” أو “معادية لروسيا”.
وجاء في بيان على سلسلة من المقالات في جيب كالينينغراد الروسي “هذه الأخبار الكاذبة تهدف على الأرجح إلى التلاعب بالرأي العام من أجل دفع المصالح التوسعية لصناعة الدفاع الأميركية في أوروبا”.
ويمكن أن يكون التضليل مفهومًا متغيرا. ففي بعض الحالات التي تنطوي على ادعاءات كاذبة، تكون واضحة تماما، في حين أن البعض الآخر ليس كذلك. والعديد من المقالات الصحافية، مثل “حلف الناتو أداة للعاصمة العالمية ومقرها أيديولوجية التفوق الأبيض” تصنف على أنها معلومات مضللة من قبل فرقة عمل “إيست ستراتكوم”، الفرقة المسؤولة عن قاعدة بيانات الاتحاد الأوروبي وجزء من الخدمة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي.
ويعترف مسؤول في الاتحاد الأوروبي على دراية بعمل فرقة العمل أن هذا الأمر قد يكون صعبًا. وتساءل “الذي يجعل نشر وجهة نظر ‘تضليلا’ وليس مجرد رأي بسيط، هو إذا كان عنصر فاعل ينوي ‘التلاعب’ عن طريق الذهاب إلى ‘الفضاء العام دون التطور العضوي للنقاش”‘.
ومن العلامات الرئيسية للمعلومات المضللة استخدام برامج الروبوت، وهي حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي يتم تشغيلها بواسطة برنامج، لتضخيم منشور أو مقال برسائل إعجاب أو مشاركات لجعله يبدو أكثر انتشارا.
وبعد اكتشاف “مزرعة متصيدي سان بطرسبرغ” وفضيحة “كامبريدج أناليتيكا”، التي شملت إعلانات سياسية على موقع فيسبوك، ركز السياسيون على منصات ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث اتهموها بالتواطؤ لفشلها في فحص المحتوى الذي تجني منه المال.
وحققت كل من فيسبوك وتويتر وغوغل تقدما محدودا في معالجة المشكلة بعد التوقيع على مدونة قواعد سلوك طوعية تلزمهم بحذف الحسابات الوهمية، من بين أشياء أخرى، حسبما ذكرت المفوضية الأوروبية في أكتوبر.
لكن دراسة حديثة من مجموعة تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أظهرت أن التجارة في مواقع التواصل الاجتماعي تزدهر، حيث إنه مقابل 300 يورو، كان من الممكن شراء نحو 50 ألف إعجاب زائف، مثل المشاركات أو التعليقات أو مشاهدات الفيديو.
وتم ضبط رئيسين لم يتم كشف هويتهما وهما يشتريان مثل هذه المشاركات، بالإضافة إلى 52 صفحة حكومية وسياسيين من الولايات المتحدة وأوروبا.
وبالإضافة إلى ذلك، وبعد تنبيهها إلى الحسابات الوهمية، تركت منصات التواصل الاجتماعي الحسابات قائمة في الغالبية العظمى من الحالات. وخلص مؤلفو الدراسة إلى أن “التنظيم الذاتي (لمواقع التواصل الاجتماعي) لا يعمل”.
وفي الفترة التي سبقت الانتخابات الأوروبية في شهر مايو، أعرب سياسيون عن قلقهم من أن التضليل، وغيره من أساليب التدخل الخارجي الأخرى، يمكن أن يثني الناخبين عن التصويت، أو حتى يشوه النتيجة. وفي الواقع، لاحظت فرقة العمل زيادة طفيفة فقط في النشاط.
وبدلاً من ذلك، أشار تحليلهم للانتخابات إلى اتجاه آخر، وهو أن الكثير من المعلومات المضللة ينبع الآن من داخل الاتحاد الأوروبي. ويدعم خبراء آخرون هذه النتائج.
وقال ألاستير ريد من منظمة “فرست درافت” البريطانية لتدقيق الحقائق وشفافية وسائل الإعلام، إن ما يثير القلق بشكل خاص، هو المحتوى المضلل الذي يهدف إلى إثارة الاستياء ضد المهاجرين.
وعلى سبيل المثال، تم نشر مقطع فيديو مروع في جميع أنحاء أوروبا لرجلين يتقاتلان في الفترة التي سبقت انتخابات الاتحاد الأوروبي، بهدف إظهار أنهما من المهاجرين، بينما كان الاثنان في الواقع من مواطني الاتحاد الأوروبي.
وأوضح “نحن نرى هذا مرارًا وتكرارًا”. وأشار ريد إلى أن الأحزاب السياسية المحلية غالبًا ما تكون مصدرا للمعلومات المضللة. ففي أحد التحليلات، تعرض ما يقرب من 90 بالمئة من إعلانات انتخابات حزب المحافظين على موقع فيسبوك للتدقيق من جانب مدققي الحقائق.
ويدرك الاتحاد الأوروبي التهديد المحلي، لكن أدواته تبدو محدودة. هناك نظام إنذار سريع لتبادل المعلومات بشكل أفضل عبر الحدود.
والاتحاد الأوروبي لديه القدرة الآن على تغريم الأحزاب السياسية الأوروبية التي يتضح أنها تسيء استخدام البيانات الشخصية من أجل الحملات الانتخابية، حيث تصل الغرامة إلى 5 بالمئة من ميزانيتها السنوية.
ومع ذلك، لا تزال معالجة القضية في أيدي الحكومات الوطنية بدول الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي. وجرى اتهام العديد من قادة الاتحاد الأوروبي بالتلاعب. في العام الماضي، تم توجيه انتقاد علني للحزب الحاكم في المجر بسبب ملصق في حملته الانتخابية يحمل رئيس المفوضية الأوروبية السابق جان كلود يونكر المسؤولية عن الهجرة الجماعية.