مشروع إلكتروني سعودي لمحتوى ثقافي بمواصفات عالمية

لم تعد الثقافة والفنون اليوم مجرد نتاجات فردية، يقدمها المبدعون في عزلة، وينتظرون أن يأتي المتلقي ليأخذها عنهم. العمل الإبداعي والمنتج الفني والثقافي اليوم بات خاضعا إلى منطق الصناعة والتسويق والترويج، حيث المتلقي طرف في الإنتاج وعنصر فاعل فيه، وحيث المبدعون مطالبون أكثر من أي وقت مضى بتغيير نمط العمل، والانفتاح على التكنولوجيا الحديثة وجعل إنتاجاتهم جزءا من محتوى المعارف والجماليات الكونية المفتوحة.
الظهران (السعودية) - أطلق مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء” البرنامج الوطني لدعم المحتوى الثقافي والإبداعي “إثراء المحتوى”، والذي يهدف إلى تنمية صناعة المحتوى المحلي وتعزيز فرصه في المملكة بشتى القطاعات الثقافية والإبداعية، وذلك من خلال دعوة المؤسسات والشركات المتوسطة والصغيرة المهتمة بالمحتوى المرئي والمسموع والمقروء للمشاركة في رحلة الوصول إلى محتوى ثقافي عربي ينافس عالميًا، حيث أصبح التسجيل متاحا عبر المنصة الإلكترونية الخاصة بالبرنامج في الفترة من (8 يناير إلى 8 مارس 2020).
وشهد حفل انطلاق المبادرة حضورا غفيرا من المثقفين والفنانين والمؤسسات والجهات الفنية والهيئات الثقافية الرسمية والأهلية وصناع المحتوى بالإضافة إلى الإعلاميين والصحافيين، حيث اشتمل برنامج الحفل المقام في المركز على كلمة للمشرف على مبادرة إثراء المحتوى الشاعر عبداللطيف يوسف المبارك، وعلى نموذج من نماذج صناعة المحتوى قدمها خالد اليحيى، بالإضافة إلى ندوة حوارية عن صناعة المحتوى شارك فيها أمين مكتبة مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي طارق خواجي، ومؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ماد توميتو محمد بازيد، ورئيس برنامج إثراء بالمركز عبدالله الراشد. كما عرضت بعض الأفلام كنماذج حية لكيفية صناعة المحتوى.
إثراء المحتوى
قال المشرف على مبادرة إثراء المحتوى الشاعر عبداللطيف يوسف المبارك “تحولت الكتابة إلى صناعة بعد أن كانت فعلاً إبداعياً عفوياً. ربما نتجاوز الاعتراف بهذا التحول السياقي في تعاملنا مع الكتابة منطلقين من نظريتي المتلقي وموت المؤلف نظيرا مجازيا آخر لنظرية السوق المفتوحة. إنه زمن صناعة المحتوى، وحقبة صناعة الكلمة وتسويقها وتحويلها إلى عملية إنتاجية تتنوع فيها قنوات التوزيع، فلا مكان في عالم اليوم لمن لا يحجز له مقعداً في هذه الصناعة التي تقتحم كل يوم مجالا جديداً من مجالات حياتنا الثقافية والاجتماعية مكتسحة التاريخ والجغرافيا والآداب والفنون”.
ويضيف “إنتاج المحتوى لم يعد ترفا معرفيا فقط، أو إنتاجاً فكريا فقط، ولنا إذاً أن نصبوا مجبرين لا مختارين إلى محتوى عربي يليق ومنافس ويحجز مكاناً متقدما بين محتويات وثقافات أخرى ويقدم نفسه كتمثيل لائق للغة العربية”.
وأوضح مدير مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء” المكلّف، حسين حنبظاظة، أن إطلاق البرنامج الوطني لدعم المحتوى الثقافي والإبداعي (إثراء المحتوى)، يأتي ضمن سلسلة برامج ومبادرات يُطلقها المركز والتي تهدف إلى إظهار الصورة المُشرقة للوطن في المجالات الثقافية والفنيّة إلى جانب دعم وتنمية المواهب الوطنية وإبرازها في محافل عالمية، وتعزيز الجوانب الثقافية والاجتماعية، والتي تعكس مهمة إثراء في تعزيز الإبداع، وخلق بيئة محفّزة على إنتاج وتبادل المعرفة، تلتقي فيها المواهب للتعلم ومشاركة الأفكار كي يصبحو روّادًا للمملكة في مسيرة التحول إلى اقتصاد المعرفة تماشيًا مع رؤية السعودية 2030.
وعزا حنبظاظة أهمية برنامج (إثراء المحتوى) إلى سعي “إثراء” الحثيث نحو تعزيز المحتوى العربي، والذي يعاني شُحا في مخرجاته قياسًا بالمحتوى العالمي، علاوة على تقديم المعرفة والتطوير المستمر للخروج بمحتوى ذو جودة عالية وبقيمة مضافة ينافس المحتوى العالمي.
وأشار إلى أن البرنامج يُتيح المجال لكل شركة أو مؤسسة مهتمة بإثراء الثقافة والفنون، وتعزيز التواصل الفكري والحضاري بين أفراد المجتمع، للتحليق في سماء الإبداع وإلهام المجتمع، وإطلاق العنان للأفكار الخلاّقة والعقول المبدعة، للمشاركة بتقديم مشاريع للمحتوى الرقمي أو المطبوع بمختلف قوالبه، يتم تقييمها من قبل لجنة متخصصة بتقييم المشاريع المتقدمة، وترشيح الأفضل منها ليقوم مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) بتقديم دعم مالي ولوجستي ومعرفي يمكّن الجهات المشاركة من تنفيذ مشاريعها وتقديمها للجمهور.
مراحل البرنامج
بدوره أبان مدير البرامج في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء”، عبدالله الراشد أن برنامج (إثراء المحتوى) سيمرّ بمراحل عدّة يبدأ بتقديم مشاريع المحتوى، ثم تقييمها، ليُرشّح على ضوئها أفضل المشاريع، فيما ترتكز المشاريع المشاركة على ثلاثة متطلبات وخصائص محددة وهي الرقمي والمطبوع متضمنة منتجات المحتوى الرقمية والمطبوعة، والثقافي والفني وتشتمل على مواضيع ثقافية أو فنية، سواء تلك التي تلقي الضوء على جوانب غير مسبوقة، أو التي تفتح آفاق جديدة في ما تم طرقه من قبل، وتمتد لتتناول الموضوعات المحلية والعالمية، وأخيرًا المشاريع الجاهزة للتنفيذ والتي تركّز على المشاريع الثقافية مكتملة الخطة والدراسة والتصوّر، والجاهزة للبدء في تنفيذها وإنتاجها، علاوة على المشاريع ذات الإطار الزمني المحدد الذي يمكن قياسه وتحديد نقطتي بدايته ونهايته بوضوح.
وأشار الراشد، إلى أن طبيعة البرنامج تتطلب أُطرًا وحدودًا واضحة للمشاركة، وتعريف خصائص دقيقة للمشروع المتقدم، حيث ستخضع مشاريع المحتوى للتصنيف تحت ثلاث فئات وهي الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، وتقوم نخبة من ذوي الاختصاص في البرنامج بدراسة المشاريع المتقدمة وتصنيفها ضمن الفئة المناسبة وذلك بحسب حجم المشروع ومواصفاته، ومختلف متطلباته التقنية أو الفنية أو الإدارية.
الجدير بالذكر أن مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء” أحد أهم مبادرة أرامكو السعودية الموجهة لرعاية الإبداع ونشر المعرفة وتعزيز التواصل الثقافي والحضاري مع العالم، من خلال البرامج الثقافية والإبداعية التي يقدمها طوال العام، حيث يعدّ وجهة متعددة الأبعاد تهدف إلى إلهام وتحفيز روّادها في مجالات مختلفة، وتمكين المواهب الوطنية وإبراز تقدم المملكة على المستوى العالمي.